المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: صرحت أستاذة جامعية أن البيرو أصبحت الآن رمزاً للصراع بين اليمينية واليسارية في منطقة أمريكا اللاتينية، وهذا الصراع يظهر نفسه بقوة، وقالت: ما يحدث في البيرو مرتبط بمصير الموجة اليسارية الجديدة التي عادت للسلطة مجدداً في المنطقة والسياسيون لا يسمحون لشخصية اشتراكية أن تتولى السلطة في هذا البلد.
في حديث مع الموقع الإلكتروني للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، صرحت الدكتورة إلهة نوري غلامي زادة، مشيرة إلى التطورات السياسية الأخيرة في البيرو قائلةً: اعتبرت هذه الدولة من الدول المنفّذة لسياسات إجماع واشنطن، وأثناء فترة “فوجيموري”، بالإضافة إلى التطورات المرتبطة بالسياسات النيوليبرالية ومع تقدم الخصخصة في المنطقة، شهدت تطورات مثل حل الكونغرس. خلال تلك الفترة، مع التطورات في البيرو، هرب فوجيموري أخيراً إلى اليابان. في الفترة الجديدة، تولى “بيدرو كاستيلو” منصبه باعتباره يسارياً من بين الطبقات الريفية ذات الدخل المنخفض. وخاض الانتخابات ضد مرشحين من مفكري إجماع واشنطن في المنطقة.
وأضافت: من الطبيعي أن كاستيلو لم يكن له مكانة قوية في التنافس مع هؤلاء الأفراد وفي المحافل السياسية لدولة ذات سياسات يمينية ونيوليبرالية بشكل أساسي، وكان مجرد مرجعيته وموقعه الشعبي والاشتراكي يأخذ به إلى الأمام. منذ بداية وصوله للسلطة، كان هناك هجمات تشن ضده في المحافل السياسية وطرح لمرات عديدة الاحتجاج على لوائح الحكومة وسحب الثقة منه.
قالت الأستاذة المساعدة في قسم الدراسات الأمريكية بكلية الدراسات العالمية بجامعة طهران: إن كاستيلو، في مواجهة هذا الجو السائد في الهيكل السياسي للبيرو، أمر بحل الكونغرس وأن يتم اتخاذ قرار في هذا الشأن مرة أخرى، وكانت هذه القضية تذكر الشعب والمحافل السياسية بإجراءات فوجيموري، فقد اعتقد أنصاره أنه مع حل الكونغرس، ستتجه البلاد نحو الديكتاتورية. في الواقع، لم يكن يتمتع بشعبية بين مؤيدي فوجيموري، وبهذا الإجراء، فقد قاعدة دعمه بين معارضي فوجيموري أيضاً.
واشارت الأستاذة إلى أن وسائل الإعلام ادعت أن كاستيلو قام بانقلاب على نفسه وتابعت قائلة: في الواقع، إن المناخ السياسي في البلاد وضعه في ظروف أجبرته على اتخاذ قرارات من شأنها أن تؤدي إلى مثل هذه الصراعات السياسية. أقال الكونغرس البيروفي بيدرو كاستيلو من منصبه في ديسمبر الماضي. ألقي القبض على كاستيلو بعد إصدار الأمر بحل الكونغرس وتشكيل حكومة وطنية استثنائية، وهرب في النهاية إلى المكسيك. مع وصول “دينا بولوارت” للسلطة، التي كانت في السابق رئيسة وزراء حكومة “كاستيلو”، نشهد استمرار الاضطرابات في هذا البلد.
وشددت على أن الشعب كان لا يزال يريد حضور رئيسه وأن الدوائر السياسية هي التي هيأت هذه الظروف لـ “كاستيلو”، وأضافت: هذا الوضع تسبب في حالة من الفوضى والصراع في البيرو والمتظاهرون يريدون استقالة بولوارت وإجراء انتخابات جديدة. بالطبع، استقال عدد من الوزراء، مشيرين إلى بدء العد التنازلي لانتهاء حكومة بولوارت. لذلك، يبدو أنه في الوضع الحالي للبيرو، لا يسمح السياسيون لوصول شخصية اشتراكية إلى السلطة.
وأشارت هذه المحللة للشؤون الأمريكية إلى معارضة بولوارت للتعديلات المقترحة على الدستور، وذكّرت قائلةً: على الرغم من اعتذار بولوارت عن سقوط قتلى في التظاهرات ضد حكومتها، لكنها لم تقبل أي من مطالب المحتجين، بما في ذلك الاستقالة أو تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور. أصبحت البيرو الآن رمزاً للصراع بين اليمينية واليسارية في منطقة أمريكا اللاتينية، وهذا الصراع يظهر نفسه بقوة. طالما عانت أمريكا اللاتينية من السياسات الغربية، سواء في ماضيها الاستعماري أو الآن تحت استغلال الولايات المتحدة. يبدو أن ما يحدث في البيرو مرتبط بمصير الموجة اليسارية الجديدة التي عادت إلى الظهور في المنطقة.
وأوضحت إلهة نوري: إن اليساريين في الفترة الماضية، الذين قدّموا أداءً جيداً للغاية من حيث الإجراءات السياسية، رحب بهم مجتمع أمريكا اللاتينية والمجتمع الدولي. لقد لعبوا دوراً في وقت كان سوق المواد الأولية مزدهراً، لكن الآن موجة التوجه اليساري في المنطقة تمر بظروف مختلفة، لقد أثرت عليها التطورات العالمية، وفي الحقيقة المواضيع الاقتصادية وجائحة كورونا وما تبعتها من حالات كالبطالة والفقر المتزايد أدى إلى توجّه تلك الدول نحو اليساريين. مع ما أن جزءاً من نجاح الموجة الجديدة مرتبط بالتطورات الداخلية، إلا أن جزءاً مهماً منها مرتبط بتطورات المجتمع الدولي.
أشارت هذه الأستاذة الجامعية إلى مواضيع مثل المواجهة بين الشرق والغرب، وتداعيات حرب أوكرانيا، والبطالة، وأزمة الطاقة، والتضخم كهواجس للمجتمع الدولي وتأثيره على مجتمع أمريكا اللاتينية، الذي عانى من الفقر والبطالة لعقود وأضافت قائلة: البيرو من ناحية الوضع الحالي هي مسرح السياسات النيوليبرالية وما يبحث عنه الغرب في أمريكا اللاتينية، ومن ناحية أخرى فإن اليسارية التي تؤمن بأمريكا اللاتينية لأمريكا اللاتينية هي أيضاً تبحث عن طموحاتها. ولهذا السبب، في الوضع الحالي، حظيت التطورات في البيرو باهتمام كبير.
وأكدت بقولها: أصبحت المعادلات العالمية معقدة للغاية. حتى الآن، كانت الأيديولوجيات السياسية هي التي تحدد توجهات صانعي السياسات، لكن بعد جائحة كورونا وبسبب المشاكل الاقتصادية، أصبح لدى صانعي السياسات ظروف أكثر تعقيداً للحفاظ على مكانتهم الشعبية. الآن، الحكومة الغربية في البيرو، التي أعلنت الشهر الماضي حالة الطوارئ لمدة 30 يوماً بسبب استمرار الاحتجاجات العنيفة رداً على إقالة “بيدرو كاستيلو” من الرئاسة، فرضت مرة أخرى حالة الطوارئ لمدة 30 يوماً أخرى في مدينة ليما، عاصمة هذا البلد وثلاث مناطق أخرى. يجب أن نرى ما إذا كان صانعو السياسة في البيرو سيستجيبون لطلب جزء من المجتمع يريد إعادة الانتخابات أم لا.
شرحت هذه الخبيرة عواقب التدخلات الأجنبية على التطورات في البيرو، وقالت: لقد ذهبت منطقة أمريكا اللاتينية نحو اليسارية ولجأ “بيدرو كاستيلو” أيضاً إلى حكومة المكسيك المعادية للغرب. في الوقت نفسه، تقوم أمريكا بمناورة إعلامية شديدة للتطورات في البيرو وتحاول توجيه الاحتجاجات. كانت التدخلات الخارجية والمواجهة بين الغرب والشرق مؤثرة للغاية في مسار التطورات في البيرو.
0 تعليق