المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: شهدنا في الأيام الماضية انعقاد قمة استثنائية للدول الإسلامية في الرياض. لقد كان الفلسطينيون، وخاصة أهل غزة، عقدوا آمالهم على هذه القمة، وكان من المتوقع أن نرى في نهايتها قراراً جماعياً وجدياً ورادعاً من الدول الإسلامية. ولكن لسوء الحظ، لم تتحقق هذه التوقعات.
الدكتور محمد مهدي مظاهري ـ أستاذ جامعي
اكتفى المشاركون في هذه القمة بإصدار بيان أدانوا فيه الهجمات وجرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد أهالي غزة وطالبوا بوقف فوري للحرب وكسر الحصار المفروض على غزة وإرسال قوافل المساعدات الإنسانية العربية ـ الإسلامية والدولية إلى هذه المنطقة. ورغم أن الأعضاء المشاركين في هذا الاجتماع طلبوا من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البدء بتحقيق فوري حول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، لكن لم يتوصلوا إلى نتيجة في فرض أي عقوبات أو تهديدات مشتركة أخرى.
بطبيعة الحال، كانت مواقف وكلمات الرؤساء وغيرهم من كبار المسؤولين المشاركين في هذا الاجتماع متسقة وحازمة نسبياً، لكنها في النهاية لم تؤد إلى إنجاز ملموس وفعال يمكن أن يقلب دفة الحرب في غزة. السؤال هو لماذا؟ كيف لا تتمكن الدول الإسلامية السبعة والخمسين الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، والتي تضم قوى إقليمية مؤثرة مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية والسعودية وتركيا ومصر وقطر وإندونيسيا وماليزيا، من التوصل إلى اتفاق إنهاء كارثة غزة التي ينفذها الكيان الإسرائيلي بدعم مباشر من الولايات المتحدة؟!
ربما يكون الجواب الأول والأساسي هو المصالح والأهداف السياسية المختلفة والمتناقضة لأعضاء هذه المنظمة؛ وعلى الرغم من أن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي تمتلك أدوات ضغط قوية مثل العقوبات الاقتصادية وعقوبات الطاقة بسبب عدد سكانها الضخم وموارد الطاقة الغنية، إلا أن آفاقها السياسية المستقبلية على الساحتين الدولية والإقليمية ليست واحدة. وبينما تريد دول مثل إيران وسوريا تعزيز جبهة المقاومة في المنطقة وتعتبران تدمير الكيان الإسرائيلي، وتشكيل دولة فلسطينية مستقلة وانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة الأهداف المثالية لهما، فإن معظم الدول العربية، وبالطبع تركيا إلى حد ما، تخاف من وصول جبهة المقاومة إلى السلطة وتخشى انتصارها ولا ترى هذا الأمر يتماشى مع مصالحها وأمنها وتدعم حل الدولتين. علاوة على ذلك، لا أحد منهم يريد تدمير الكيان الإسرائيلي والانسحاب الأمريكي الكامل من المنطقة. ونتيجة لذلك، وبسبب هذه الآراء والتوجهات المتناقضة، تعقد اجتماعات متتالية من القاهرة إلى الرياض، لكنها لا تصل إلى نتيجة ملموسة ولا تسدي خدمة لأهالي غزة.
السبب الآخر لعدم نجاح اجتماع الدول الإسلامية هو اختلاف توجهاتها تجاه اتفاقيات إبراهيم وتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي؛ وبينما تعتبر إيران وأعضاء جبهة المقاومة الأخرى تطبيع العلاقات مع هذا الكيان بمثابة خيانة للقضية الفلسطينية وسبب تجاوزاته في السنوات الأخيرة، فإن الدول العربية في الخليج الفارسي لا تريد كسر كل الجسور وراءها وتعتيم علاقاتها مع الولايات المتحدة وحتى الكيان الإسرائيلي في مواجهة هذه الحرب، ونتيجة لذلك، اعتمدوا سياسة المراوغة ويحاولون عدم تجاوز حد الخطابات والتصريحات النارية. إن تواجدهم ولعب دورهم في مختلف القمم والمؤتمرات العربية ـ الإسلامية هو أيضاً بهدف الحفاظ على صورتهم ومصداقيتهم لدى الرأي العام المحلي والدولي وعدم وصمهم باللامبالاة، ولكن في نفس الوقت يتجنبون تبني أي سياسة أو قرار يضع الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي تحت ضغوط جدية ويؤثر سلباً على العلاقات المستقبلية معهما.
وفي مثل هذا الوضع ينبغي القول أنه على الرغم من أن الهجوم المفاجئ الذي قامت به حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) وبدء الحرب الدموية في غزة أخّر عملية المصالحة السياسية وتحسين وتطوير علاقات بعض الدول العربية مع الكيان الإسرائيلي، بما في ذلك السعودية، من المتوقع أنه بسبب النهج الإجرامي واللاإنساني الذي يتبعه هذا الكيان في حرب غزة واعتداءه على المراكز الطبية والأطفال والنساء، سنشهد في المستقبل القريب استمرار تزايد كراهية الشعوب العربية تجاه الكيان الإسرائيلي وعدم توفير شروط المصالحة بين العرب وهذا الكيان، لكن نهج الدول العربية والإسلامية في اجتماع الرياض مؤخراً أظهر أن هذه السياسة لن تستمر.
اختتام قمة الرياض دون نتيجة وعدم اتفاق الدول الإسلامية المشاركة على تنفيذ قرارات صارمة وعقوبات جدية ضد الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة تشير إلى أن هذه الدول لا تزال لديها خطط لمستقبل علاقاتها مع إسرائيل. وقد لا تسعى سلطات هذه الدول إلى تطبيع العلاقات مع مثل هذا الكيان القاتل للأطفال على المدى القصير من أجل تهدئة الرأي العام الجريح في الدول الإسلامية، لكن سياستها طويلة المدى بالتأكيد شيء آخر.
بعبارة أخرى؛ إن النشاط الرئيسي للقوى الإقليمية للعب دور في أزمة غزة لا يتم في هذه القمم المشتركة، ولم تكن هذه المنظمة ومجموعة الدول الإسلامية قط نقطة الدعم الرئيسية والأخيرة لها؛ وتتم التحركات الرئيسية لهذه الدول من خلال اتفاقيات خلف الكواليس ومشاورات سرية ثنائية ومتعددة الأطراف؛ حيث لا يتواجد الإعلام والرأي العام العالمي ويمكن شراء وبيع أي شيء. وفي هذا الموقف، يحاول رجال الدولة العرب ضمان استمرار العلاقة، وتنمية الاستثمار، وبالطبع المصالحة السياسية مع الكيان الإسرائيلي، على حساب الحصول على بعض التنازلات في الحرب الحالية.
وبناءً على ذلك، ينبغي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، باعتبارها قوة إقليمية مؤثرة ومعارضة بالطبع لاتفاقیات إبراهيم، أن تحاول التفاوض بجدية مع الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي من أجل المساعدة في إنهاء الحرب في غزة وزيادة تكلفة التقاعس تجاه جرائم الكيان الإسرائيلي وتشجيعهم على اللعب في أرض مشتركة. في الوضع الحالي، فإن الحساسية الشديدة لدى الرأي العام العالمي تجاه تصرفات إسرائيل المعادية للإنسانية في غزة خلقت بيئة مناسبة لإيران للعمل في هذا المجال، ونتيجة لذلك، فقد حرص المسؤولون في المجال الدبلوماسي والساحة الميدانية لبلادنا على توظيف هذا الوضع وبالطبع باستخدام إمكانية المصالحة السياسية مع السعودية في محاولة إجبار الدول المؤثرة في المنطقة والعالم الإسلامي على اتخاذ إجراءات أكثر جدية وعملية في محور متوازٍ واتجاه موحد من خلال التعاون مع جبهة المقاومة.
0 تعليق