المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: بينما كان قد وعد بايدن أن قضايا حقوق الإنسان والتخلي عن دعم الحروب الإقليمية ستكون من أولويات سياسته الخارجية، لكننا لانزال نشهد النزعة العسكرية في أولوية السياسة الخارجية الأمريكية. في هذا السياق، أعلنت الوزارة الخارجية الأمريكية في بيان مؤخراً أن الولايات المتحدة عقدت صفقات جديدة لبيع الأسلحة إلى السعودية والإمارات والأردن.
برسام محمدي - باحث في الشؤون الإقليمية
أعلنت وزراة الدفاع الأمريكية كذلك أن العقود الجديدة لبيع السلاح إلى الدول المذكورة هي خطوة لتعزيز الأمن الوطني لشركاء الولايات المتحدة الإقليميين وهو ما يمثل أمراً مهماً لدعم أمن الولايات المتحدة وسياستها الخارجية. إلا أن ما يحدث على أرض الواقع يختلف عما يروَّج في الإعلام؛ لأن التجارب السابقة تثبت أن بيع الأسلحة الأمريكية لدول المنطقة ومن ضمنها شركائها العرب لم ولن يساعد شيئاً على تحسين الظروف الأمنية لتلك الدول على الصعيد الخارجي، وإنما يفاقم الأزمات الأمنية والعسكرية في المنطقة؛ الأزمات التي تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية الأساسية لتعميقها وليس بمقدور البيت الأبيض أن يتنصل عن تبعاتها الإقليمية والدولية.
اليوم تُعدّ السعودية، بصفتها أهم دولة عربية في المنطقة، أكبر مستورد للسلاح في العالم وأبرمت أكبر عدد من صفقات السلاح مع الولايات المتحدة واشترت منها الأسلحة الأكثر تطوراً من بينها منظومات الدفاع الجوي.
خلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط عقدت الرياض صفقات بقيمة أكثر من 450 مليار دولار لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية من الولايات المتحدة؛ لكن هي وحليفتها الرئيسية، الإمارات التي لا تتخلف عن السعودية في شراء الأسلحة بكميات كبيرة، تتخبطان في حرب اليمن وفي مواجهة أنصار الله، ناهيك عن أن المناطق الحيوية والمرافق الإستراتيجية فيهما التي توفر الأنظمة الجوية القوية الأمريكية والصهيونية الحماية لها تتعرض لنيران صواريخ أنصار الله!
تتبع الإدارة الأمريكية أهدافاً مزدوجة من عقد صفقات السلاح الجديدة مع السعودية والإمارات والأردن. الأول؛ “أهداف عامة” تعود في معظمها إلى مصالح وإستراتيجيات المجمعات العسكرية ـ الصناعية داخل الولايات المتحدة. والثاني؛ “أهداف محددة” تتعلق بالبلدان الثلاث.
بشكل عام، يهدف بيع الأسلحة الجديدة للسعودية والإمارات إلى تعزيز الموقع العملياتي والعسكري للبلدين في حرب اليمن. تراجع مخزون الذخائر السعودية من جهة و”تنامي العمليات الإستراتيجية” وهجمات أنصار الله من جهة أخرى، أدى إلى “إضعاف الموقع الميداني” للرياض وأبوظبي في اليمن. لذلك، فإن أحد الوظائف الرئيسية لصفقات الأسلحة الأخيرة هو تعزيز القدرات العسكرية للسعودية والإمارات في حرب اليمن. في نفس الوقت، يمثل خلق توازن عسكري أمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الأهداف الأخرى في هذا المجال.
أما في ما يتعلق بالأردن، فإن كافة صفقات بيع الأسلحة التي تُعقد معها تتم في إطار مكانة هذا البلد في سياسات الولايات المتحدة في المنطقة؛ الأمر الذي يحتم تقوية الأردن عسكرياً وسياسياً. من المنظور الأمريكي، يُعتبر الأردن من الركائز الأساسية لتوفير الأمن للكيان الإسرائيلي في المنطقة لما يمتلكه من علاقات مع هذا الكيان وكذلك “موقعه الجيوسياسي الخاص” بجانب الأراضي المحتلة. كما اتفقت الولايات المتحدة مع الأردن على استضافة الأخيرة للقيادة المركزية للجيش الأمريكي في المنطقة مستقبلاً. فضلاً عن ذلك، وبناء على اتفاقية بين البلدين أبرمت في فبراير 2021، سيقوم الأردن بتوفير 12 قاعدة جوية وبحرية للولايات المتحدة.
يصل عدد المجمعات العسكرية -الصناعية في الولايات المتحدة إلى 85 ألف، وهي مجمعات تتقدم مصالحها على الشعارات الانتخابية والوعود الدعائية والتوجهات والسياسيات الرامية إلى خفض الوجود العسكري للولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، كان لمديري ومسؤولي شركات الأسلحة العملاقة دور أقوى من أي وقت مضى في صنع القرار بشأن كيفية مشاركة الولايات المتحدة في الحرب.
تتمتع المجمعات العسكرية – الصناعية ومصانع الأسلحة العملاقة بدور فعال جداً في تحديد الخطوط العريضة وتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية ومن خلال توظيف “نفوذها الواسع” في أروقة السياسة الداخلية الأمريكية تبرز أهدافها ومصالحها الاقتصادية وكأنها الأهداف والمصالح الاقتصادية للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين والدوليين وهكذا، تلعب دورها كـ”جهات خفية” في عملية صنع القرار.
وبالنظر للأهمية البالغة لهذا الموضوع، لا يمكن التوصل إلى معرفة متكاملة للنماذج والإستراتيجيات والتوجهات السائدة على السياسة الخارجية الأمريكية بدون معرفة المجمعات العسكرية – الصناعية ومدى نفوذها في الإدارة الأمريكية.
ختاماً، ينبغي التأكيد على أن تأثر الإدارة الأمريكية بشركات الأسلحة الذي يتبلور في عقدها لصفقات اسلحة هائلة يؤدي – بالرغم من المصالح التي يوفرها على المدى القصير – إلى تقوية “اقتصاد حربي مستمر” في الولايات المتحدة على المدى البعيد.
فضلاً عن ذلك، فإن البيع غير المدروس للأسلحة إلى الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي وتزويدها بالأسلحة المتطورة سيواجه ردود أفعال ذات تداعيات كبيرة على مستوى المنطقة تتحمل الولايات المتحدة مسؤوليتها.
الوضع السائد في اليمن اليوم، في ظل الرد الإستراتيجي لأنصار الله ورفعها أثمان الحرب للسعودية والإمارات وكذلك الظروف الأمنية الهشة فيهما، عرّض البلدين لصواريخ أنصار الله التي قد تسقط عليهما في أي لحظة؛ الأمر الذي نتج بشكل أساسي عن تغليب مصالح تسعى شركات الأسلحة إلى تحقيقها عن طريق بيع الأسلحة أياً كان ثمنها.
0 تعليق