المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: رأى أستاذ في جامعة طهران أن التوتر الأخير بين فرنسا وأمريكا حول اتفاقية "أوكوس" سيلقي بظلاله على التعاون في إطار الناتو، قائلاً: "يُفَسَّر التحالف الذي نشأ بين بريطانيا وأستراليا وأمريكا في إطار الحرب الباردة مع الصين، أما أوروبا فتجربتها خلال عهد الحرب الباردة لم تكن مريحة لما لقيته من تجاهل و تهميش".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، قال الدكتور هادي دولت آبادي إن قيام إستراليا بإلغاء صفقة شراء الغواصات من فرنسا بقيمة 56 مليار يورو وقرارها شراء تلك المعدات من أمريكا وبريطانيا يمثل ضربة قوية لمكانة فرنسا واقتصادها وتقدمها التكنولوجي، مضيفاً: “من الناحية الإستراتيجية، عندما تواجه فرنسا مشاكل من هذا النوع، تحاول إبداء ردة فعل قوية وهذا توجه ينبثق من إستراتيجية العظمة التي كان الجنرال ديغول يتحدث عنها”.
وأشار إلى الانتقادات الحادة التي وجهها المسؤولون الفرنسيون إلى أمريكا، واستدعاء السفير الأمريكي للمرة الأولى، وإلغاء الاجتماع المشترك بين وزيري الدفاع في البلدين، قائلاً: “ترى فرنسا في انسحاب أمريكا من أفغانستان بدون التشاور مع الحلفاء الأوروبيين وإلغاء صفقة الغواصات ضربتين قويتين جداً لمكانتها في النظام الدولي؛ خاصة وأنها كانت تظن أن وصول بايدن للبيت الأبيض سيضع حداً للتوجه الأمريكي الأحادي في عهد ترامب إلا أن هذين القرارين يدلان على أن أمريكا ستستمر في هذا التوجه”.
وإذ اعتبر أستاذ دراسات فرنسا في جامعة طهران أن المواقف الانتقادية الأخيرة لفرنسا ضد أمريكا تدل على أنه لم تنشأ الثقة اللازمة بين الجانبين رغم رحيل ترامب، أشار إلى تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز يدعي أن باريس تبحث أمكانية الانسحاب من حلف الناتو رداً على اتفاقية أوكوس، مضيفاً: “هذه التحديات ستلقي بظلالها على التعاون في إطار الناتو؛ خاصة و نحن نشهد في الظروف الحالية تنامي الحديث عن تحالف دفاعي أوروبي”.
وأضاف دولت آبادي: “أوضحت الأحداث الأخيرة للأوروبيين ضرورة امتلاك أوروبا إستراتيجية خاصة بها لضئالة ما تحققها من مصالح من خلال الشراكة مع أمريكا. في هذا السياق، كما تسعى فرنسا الآن إلى وضع حد لتجاهل مصالحها من قبل أمريكا عبر إبداء ردة فعل قوية”.
تهرب أوروبا من حرب باردة جديدة
وأوضح دولت آبادي أبعاد “اتفاقية أوكوس” التي تقضي بتسليم غواصات أمريكية ذات دفع نووي إلى أستراليا، بعدما كانت بريطانيا الدولة الوحيدة التي شاركت الولايات المتحدة معها هذا النوع من تكنولوجيا الدفع النووي، مضيفاً: “يُفَسَّر التحالف الذي نشأ بين بريطانيا وأستراليا وأمريكا في إطار الحرب الباردة مع الصين، أما أوروبا فتجربتها خلال الحرب الباردة لم تكن مريحة لما لقيته من تجاهل و تهميش”.
ولفت الأستاذ الجامعي إلى تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي قال إنه ينبغي أن لا يتصور الأمريكيون أن أوروبا تساير واشنطن دوماً ضد الصين، قائلاً: “في الحقيقة، أوروبا وفي مقدمة دولها فرنسا، تنتقد نشوء عقلية الحرب الباردة وتجد نفسها مهمشة في ظل هذا الواقع”.
وإذ شرح نظرة أمريكا إلى العلاقات مع حلفائها في وقت تسعى الصين إلى استقطاب مزيد من الدول لصفها من خلال اتفاقيات مختلفة كالاتفاقية التجارية “الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ”، قال: “تخطط أمريكا لصياغة تحالفات جديدة وتعزيز حضورها في شرق آسيا بهدف احتواء الصين؛ فضلاً عن أنها لم تحمل القوى الأوروبية محل الجد قط وتمكنت من بسط نفوذها وإيجاد موطئ قدم قوي جداً لنفسها في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وعبر مشروع مارشال”.
وذكر دولت آبادي: “بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، بادرت الجمهوريات الحديثة إلى عقد اتفاقيات عسكرية وأمنية مع أمريكا لتعزيز استقلالها عن الاتحاد السوفيتي السابق، ما مهد لزيادة الحضور والنفوذ الأمريكيين في تلك الجمهوريات”.
لا قلق لدى أمريكا بشأن شراكتها مع أوروبا
واستطرد محلل الشأن الفرنسي قائلاً: “لا يوجد قلق كبير لدى أمريكا حول شراكتها مع أوروبا وستوظف “رهاب إيران” أو “رهاب الصين” لتمرير شراكاتها الإستراتيجية في أنحاء العالم وهي تعي أنه قادرة على العمل مع الأوروبيين في ملفات وتتجاهلهم في نفس الوقت في ملفات أخرى لا ترى مصلحة في إشراكهم فيها”.
وأكد دولت آبادي: “منذ عهد ترامب، نلاحظ تبني أمريكا سياسة براغماتية. الآن قد وصل الديمقراطيون إلى قناعة بأن التوجه الأحادي والغطرسة الذين كانت تمارسهما أمريكا في عهد ترامب، حققا مصالح بلادهم في بعض الحالات واضطرت باقي الدول لقبول تلك السياسة. إذن، طالما لم يتشكل تحالف قوي من شركاء أمريكا الأوروبيين لتبني معارضة حقيقية وحادة، من المتوقع أن تستمر الأحادية الأمريكية في سياسات بايدن”.
وإذ اعتبر تعزيز لندن مسايرتها لواشنطن بعد بركسيت عاملاً مساهماً في استمرار السياسات الأمريكية الأحادية، أشار إلى المقترحات المختلفة التي قدمتها أوروبا لتحقيق استقلال عسكري وأمني عن أمريكا، قائلاً: “رفضت أمريكا دائماً مقترحات الاتحاد الدفاعي المتوازية للناتو وتواجه أوروبا تحديات جمة في هذا المسار”.
ولمح الأستاذ الجامعي إلى تصريحات المسؤولين الفرنسيين والأستراليين بشأن أن الغضب الفرنسي جراء إلغاء صفقة الغواصات بين البلدين لن يوقف المحادثات الخاصة باتفاقية التجارة الحرة بين أستراليا والاتحاد الأوروبي على الإطلاق، موضحاً: “الاتحاد الأوروبي ثالث أكبر شركاء أستراليا تجارياً. عدا ذلك، تضطر فرنسا إلى أن تنظر لموقع أوروبا وتحدياتها الداخلية أمام أمريكا من منظور واقعي، ومن المستبعد أن تنجح في إقناع باقي الدول الأوروبية باتباع منطقها”.
وقال دولت آبادي إن تركيز فرنسا اليوم على أفكار الاستقلال يهدف إلى إظهار جديتها في هذا الخصوص، لكن لا تصطحب هذه الجدية توجهات وسياسات محددة فعلاً.
واختتم قائلاً: “تدرك الدول الأوروبية أنه إذا تقرر أن تقوم فرنسا بخطوة فعلية تجاه أمريكا وأن ينتهي الأمر إلى إنشاء منظمة وهيكليات مستقلة جديدة، فستذهب معظم مناصبها المفصلية إلى ألمانيا وفرنسا وبقدر أقل إلى إيطاليا، مثل ما تحتكر هذه القوى اليوم المناصب الدفاعية والعسكرية في الاتحاد الأوروبي؛ لذلك لا تريد أن تخضع لمزيد من السياسات الشمولية التي تنتهجها تلك القوى أحياناً تجاهها وأن تجعل جيوشها الوطنية تحت أمرة جيش أوروبي؛ فعليه، أمام فرنسا طريق صعب جداً لتحقيق الهدف المتمثل في استقلال أوروبا عن أمريكا”.
0 تعليق