المجلس الإستراتیجي أونلاین - مذکرة: إن احیاء تماسک الهویة للإتحاد الأوروبي بعد قضیة خروج بریطانیا عن الإتحاد الأوروبي (بریکست) یحتاج إلی قیادات أوروبیة أکثر من أي شيء.
عابد اکبري - خبیر في الشؤون الدولیة
اعتمدت السیاسة الخارجیة البریطانیة بعد قضیة بریکست في أوروبا، علی التعاون مع المانیا و فرنسا مع الترکیز علی سیاسات الإتحاد الأوروبي الخارجیة و الدفاعیة و الأمنیة. وکان هذا التعاون إلی أقصی حد، في شکل مشارکة في المفاوضات و عملیة صنع القرار و في أدنی حده، في شکل حوار مع القرارات العامة الأمنیة والسیاسیة للإتحاد الأوروبي تجاه لاعبي مثل روسیا و امریکا و الصین و إیران.
وخارج أوروبا أیضاً، تتمثل الأولویة البریطانیة في أن تکون بریطانیا أقرب إلی الولایات المتحدة کـشریک إستراتیجي خاصة في المحاور السیاسية و الأمنية وإزالة هواجس دول الخلیج الفارسي من النفوذ الإیراني مع التأکید و السعي لـلحفاظ علی الإتفاق النووي. بالإضافة إلی ذلک، إلتزمت بریطانیا في الشرق الأوسط بـحزم بـإلتزاماتها لـمواجهة التحدیات العالمیة مثل الإرهاب و خطر انتشار الأسلحة والهجرة واللجوء. وتم اتباع هذه الإتجاهات أیضاً من خلال نفس الرؤیة و السیاسة لدی الإتحاد الأوروبي و الآن یمکن فهمها في نفس الإطار.
والسؤال هو من أین تأتي جذور المخاوف الکبیرة بشأن تأثیر بریکست علی مستقبل الإتحاد الأوروبي، رغم هذا التنسیق السیاسي والأمني؟
یبدو أن الظروف المقبلة مقلقة للنخب الأوروبیة من حیث أن بریکست ستقوض هویة الإتحاد الأوروبي وقوته الإجتماعیة. إن بریکست لایعتبر المتغیر الوحید بل یعتبر احد العوامل الرئیسیة في تراجع القوة الإجتماعیة للإتحاد الأوروبي و إضعاف هویته في نظر المواطنین الأوروبیین والدول والمواطنین الغیر أوروبیین. ويمکن إثبات هذا الإدعاء عبر ثلاث حجج:
1- التشاؤم المتزاید لدی المواطنیین الأوروبیین تجاه فاعلیة الإتحاد داخل أوروبا و بالتالي عدم الرغبة بـمشارکة قدراتهم الوطنیة في الصعید الإقتصادي والموارد الحیویة الأخری مع بقیة الدول الأعضاء في الإتحاد. وکان تصعید هذه القضیة مهماً عند طرح الدلائل والنقاشات الوطنیة حول عدم کفاءة الإتحاد في زیادة مصداقیة الإقتصاد الوطني بما في ذلک بریطانیا.
2- بالتزامن مع المسودة النهائیة لـبریکست، حظیت مشکلة الحفاظ علی المصداقیة الدولیة للإتحاد في تدوين أو الحفاظ علی سیاسة منسجمة في تسویة القضایا العالمیة مثل اللجوء و أزمة جائحة کورونا علی المدی القصیر والمتوسط والبعید بـإهتمام الأوروبیین والعالم. أمر ترك أثراً عمیقاً في إضعاف هویة الإتحاد و تقلیص قوته الإجتماعیة. ويمکن أن تظهر مثل هذه القضایا بشکل جدي و بأشکال مختلفة في السنوات المقبلة و في المنظمات السیاسیة النشطة الأخری في الإتحاد.
3- تعتبر احدی المحاور الجادة للمطالبة بـبریکست، الإشارة إلی عدم الرغبة الشدیدة في حفظ وتطوير أداء المنظمات والأنظمة الدولیة النشطة المتمرکزة في أوروبا من قبل الساسة البریطانیین وبالتالي الإبتعاد عن القیم الأساسیة مثل التعاون في حل قضایا البیئة والمخدرات والهجرة والسیطرة علی الأسلحة و ما إلی ذلک. ويمكن سماع هذه القضیة في بعض الدول الأوروبیة الأخری. إن الذي یمکنه تأجیل هذه المطالب هو الکفاءة المؤسسة للإتحاد الأوروبي في مختلف القضایا السیاسیة والإقتصادیة والدفاعیة والأمنیة، و في نهایة المطاف، القضایا الدولیة.
النقطة المهمة في إضعاف الهویة الأوروبیة وبالتالي تقلیص القوة الإجتماعیة للإتحاد الأوروبي هي أن في الأدب الموجود حول السیناریوهات المستقبلیة للنظم و النظام الدولي، تم توفیر مکانة و دور ملحوظ للإتحاد حتی یمکنه الحصول علی الخصائص الإجتماعیة لـقوته إلی جانب قوته المادیة، فهو یعني امتلاکه علی الحد الأدنی لـحصته الحالیة من الإقتصاد الدولي إضافة إلی القدرات العسکریة والأمنیة. و لیست لـهذه القضیة افق واضح بعد الإنتهاء من بریکست، و قد شککت فیها النخب الفکریة والعلمیة الأوروبیة.
ویبدو أن إحیاء تماسک الهویة للإتحاد الأوروبي بعد بریکست، یحتاج إلی القادة الأوروبیین أکثر من أي شیء. القادة الذین یعطون الأولویة للتعاون المحلي والدولي في حل مشاکل الإتحاد أکثر من القضایا الوطنیة بالإضافة إلی التأکید علی إصالة الهویة الأوروبیة في مواقفهم، والتأکید علی الظروف الحالیة للإتحاد الذي یواجه تراجع الهویة وإضعاف القوة الإجتماعیة،. بالطبع یجب عدم تجاهل المتغیر الخارجي في هذا المجال و هو أمریکا کـشریک استراتیجي لأوروبا. فبقدر ما یتمرکز الرئیس في البیت الأبیض بـإیمانه أو عدم إیمانه بالکفاءة السیاسیة والإقتصادیة والأمنیة لأوروبا الموحدة، یمکن أن یتم إنهیار وإضعاف الإتحاد بالتأجیل أو التعجیل.
0 تعليق