المجلس الإستراتیجي ـ أونلاین ـ تقریر: في الوقت الذی تصبح فیه معاداة الاسلام و اسلاموفوبیا أکثر علنیة في أوروبا، یتابع مجلس الشیوخ الفرنسي التصویت علی مشروع قانون لمنع الفتیات المسلمات تحت سن الـ 18 عاماً من إرتداء الحجاب.
الدکتور علي کربلائي حسیني ـ الباحث بشؤون القانون الدولي
و سیندرج التصویت الأخیر فی فرنسا ضمن قانون “الإنفصالیة” الذي یعود تاریخه إلی 11 سبتمبر 2001 عندما اتخذت المشاعر المعادیة للإسلام منحی تصاعدیاً فی البلاد.
و حاولت حکومة ماکرون تبریر حظر الفتیات المسلمات بالقول انه إجراء ضروري للحفاظ علی حقوق النساء و”القیم الفرنسية”، لکن تجدر الإشارة إلی أن الحظر یتجاوز أهدافه المعلنة و ینتهک حقوق النساء وصلاحیاتهن للتمتع بالحریة الدینیة و ذلک في فرنسا التی تدعي “الحریة” و “المساواة”.
و سبق أن باتت فرنسا هي الدولة الأولی التي منعت إرتداء الحجاب أو البرقع في الأماکن العامة عام 2011. وأصبحت هذه الخطوة جزء من کلام الیمینیین الفرنسیین في تعلیقاتهم العامة بشأن المسلمین في فرنسا بینما کانوا یقدّسون “تراث المسیحیة”. طوال هذه السنوات کلها، تم إتباع و تنفیذ السیاسات المعادیة للإسلام والمنضویة تحت لواء التشریع و ما یسمی بـ “الوحدة الوطنیة”.
و من منظر القانون الدولي یمکن اعتبار هذه السیاسات بأنها محاولة منهجیة من الحکومة الفرنسیة لـحرمان المرأة من صلاحیاتها و حریتها الدینیة ایضاً.
وأعلنت الحکومة الفرنسیة أنها تعتزم منح حریة للنساء المسلمات من خلال خلع الحجاب في حیاتهن الاجتماعیة، بما یعتبر تدخل الحکومة الفرنسیة في حیاة الأفراد الشخصیة کما أنه یتعارض مع مبدأ علمانیة الدستور الفرنسي أو إیدئولوجیة العلمانیة الفرنسیة التی تروج الفصل الصارخ بین الدین و الدولة.
فالمبادئ الأساسية للعلمانیة الفرنسیة تعتمد علی فرض “حیاد” الحکومة في القضایا الدینیة. و يمکن البحث عن مصدر هذا المبدأ في قانون الـ 1905 الفرنسي بشأن الفصل بین الکنیسة و الدولة وقد اعترفت فرنسا بـ”الحریة الدینیة” منذ عام 1905 .
فمن الناحیة النظریة، یجب ألا تدعم فکرة “العلمانیة” الفرنسیة لأي دین خاص و أن تضمن التعایش السلمي بین الأدیان من خلال التمییز الواضح بین الدولة و الدین. و یمکن العثور علی هذا التمییز الواضح بین هاتین المنظمتین فی المادة رقم 1 من الدستور الفرنسي کـجمهوریة “علمانیة و دیمقراطیة و إشتراکیة” ، الذي یؤکد علی ضمان المساواة لجمیع المواطنین الفرنسیین بغض النظر عن مکان میلادهم وعرقهم أو دینهم بهدف إحترام جمیع العقائد.
و مع هذا، فقد أثبتت العلمانیة الفرنسیة عکس ذلک من الناحیة العملیة. و أن إجراء الحکومة الفرنسیة بشأن حظر الحجاب علی الفتیات المسلمات تحت سن الـ 18 عاماً یتعارض مع العلمانیة الفرنسیة، لأن حظر إرتداء الحجاب لا یضمن الفصل الصارخ بین الدولة و الدین، بل یثیر حالة من الذعر لدی الجالیة المسلمة في هذا البلد لأنه یمکن أن یؤدي إلی مواجهتها تصرفات صارمة.
و یجب الاهتمام بأنه إذا تمکن قانون حظر الحجاب من محوه في الأماکن العامة في فرنسا فممکن أن ینظر المجتمع الفرنسي إلیه کـرمز دیني لا یطاق فیقوم بمعاداته.
علاوة علی ذلک، یتعارض هذا الحظر مع المادة الأولى من الدستور الفرنسي والتي تؤکد علی احترام العقائد. یعتبر الحجاب کـمبدأ مقبول لدی الإسلام من العقائد الرئیسیة و أن إجراء الحکومة الفرنسیة یعتبر إساءة لـعقائد الجالیة المسلمة فی هذا البلد. هذا الامر لن یؤدي إلی رد فعل قویة من جانب المسلمین فحسب، بل سیتسبب في نتائج عکسیة، مثلما شاهدنا خلال السنوات الماضیة كيف أن الإجراءات المتمثلة في منع الفتیات المحجبات من الدخول إلی المدارس الثانویة و الجامعات أدت إلی أن تکون المسلمات أکثر إلتزاما بالحجاب في الجامعات الفرنسیة، حیث أنه لایمکن مقارنة عدد المسلمات المحجبات في فرنسا خاصة في ضواحي باریس و بقیة المدن الهامة بالفترة التی سبقت القیود المذکورة أعلاه.
وهکذا، تدل إجراءات الحکومة الفرنسیة علی ممارسة التمییز المستهدف ضد الإسلام بشکل عام و المرأة المسلمة بشکل خاص.
و یقال أن 5.7 ملیون مسلم یعیشون حالياً في فرنسا، مع أن العدد الحقیقي سیکون أکثر بکثیر من المعلن عنه و بهذا الرقم تشکل الجالیة المسلمة في فرنسا أکبر جالیة مسلمة فی أوروبا. و ینحدر معظم المسلمین من أصول جزائرية و مغربية و تونسية. أن هویة هذه القومیات تستهدف بهکذا الإجراءات و لهذا لا یشکّل هذا الحظر التمییز الدیني فحسب بل سیؤدي الی التمییز العنصري.
و لهذه الإجراءات تداعیات إجتماعیة کبیرة کما تخلق إجماعاً اجتماعیاً برؤیة تمییزیة ضد قومیة خاصة و بإمکانها إضفاء الشرعیة لـمعاداة الإسلام في فرنسا عبر التشریع.
و الآن ایضاً یمکن مشاهدة تداعیات هذا النوع من التشریع فی النسیج الإجتماعي الفرنسي واضحاً حیث أن الهجمات المعادیة للإسلام في فرنسا سجلت عام 2020 زیادة بنسبة 53% خاصة ضد المسلمین من القومیات التي ذکرت سابقاً.
نظراً إلی الدور الریادي الذی تلعبه فرنسا في السرد في أوروبا، ینبغي التحذیر أن هذا الخطاب و الإجراءات القانونیة في أوروبا سیؤدي إلی التمییز المنهجي ضد المسلمین و الذي لم یکن علی أساس الدین فحسب بل علی أساس العرق و القومیة. و النقطة التمییزیة الأخری هي أن رغم کل الإجراءات الصعبة التی تستخدمها الحکومة الفرنسیة ضد حجاب المسلمین، إلا أنها تتعامل مع الرموز الدینیة الظاهریة للیهود بالإهمال التام.
0 تعليق