المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: كانت معركة طوفان الأقصى رداً على جرائم الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وكبدته خسائر لا يمكن تعويضها.
حميد خوش آيند ـ خبير في الشؤون الإقليمية
إن طريقة تعامل الكيان الصهيوني مع معركة طوفان الأقصى، التي قامت على مبدأ “الدفاع المشروع” و”عمليات الردع”، كانت مروعة ومعتمدة على ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في غزة. قد أثار هذا الأمر، بالنظر إلى تعرض أهالي غزة للممارسات العنصرية والعقاب الجماعي والمجازر الواسعة، رد فعل غير مسبوق لدى مختلف قوى المقاومة في المنطقة، بما في ذلك حزب الله في لبنان والمقاومة الإسلامية في العراق وأنصار الله في اليمن.
باعتبار أن المقاومة الإسلامية جبهة موحدة تشعر بالمسؤولية الدينية والإسلامية والسياسية في مواجهة التهديدات التي يتعرض لها كل عضو من أعضائها، فمن الطبيعي أن تهتم المقاومة الإسلامية بقضية فلسطين والممارسات الإجرامية والعنصرية التي يقترفها الكيان الصهيوني المجرم والتي تسببت في قتل الفلسطينيين على مدار العقود الماضية. لذلك، طالما استمرت هذه الجرائم بأي شكل من الأشكال ضد الشعب الفلسطيني المضطهد، فإن ردود فعل مختلف قوى المقاومة في المنطقة ستستمر، ولن تكون مصالح الكيان الصهيوني وداعميه في مأمن.
جماعة أنصار الله في اليمن، التي تعد من الأعضاء المهمين في جبهة المقاومة الإسلامية وقد اكتسبت دوراً حاسماً واستراتيجياً في تطورات المنطقة والعالم الإسلامي، نشطت على مستوى واسع براً وبحراً، وكان لها حضور ملحوظ في التطورات المتعلقة بحرب غزة.
بمعنى آخر، فإن دخول أنصار الله في حرب غزة هو أكثر “وضوحاً وحزماً وتهديداً” وأن استهدافها الكيان الصهيوني وسيطرتها على السفن التي ترفع علم هذا الكيان أو المملوكة لأطراف تابعة للكيان، هو أحد الأبعاد المهمة جداً للتطورات الميدانية المرتبطة بحرب غزة.
في الأيام الأولى لبدء الكيان الصهيوني جرائمه في غزة أدلى قائد مقاومة الشعب اليمني بالكلمة الفصل باتخاذ موقف صريح وقوي قائلاً “ماذا فعلت قرارات مجلس الأمن للشعب الفلسطيني وحماية أطفاله ونسائه والمدنيين؟ إن الشعب اليمني حاضر للتحرك بمئات الآلاف إلى فلسطين للالتحاق بالشعب الفلسطيني وخوض المعركة ضد العدو الصهيوني. لن نتردد في فعل كل ما نستطيع. نحن على تنسيق تام مع محور المقاومة. وإذا تدخل الأمريكي بشكل مباشر، فنحن مستعدون للمشاركة حتى على مستوى القصف الصاروخي والمسيّرات والخيارات العسكرية”.
كما قال محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي لأنصار الله في اليمن، في حديث لقناة الجزيرة: “جماعة أنصار الله لا يزال لديها خيارات واسعة موجعة سيتم استخدامها وسنشهد تصعيداً للتوتر إذا لم يتوقف العدوان على غزة. لا يمكننا ولن نقبل أن نقف مكتوفي الأيدي في مواجهة قصف غزة ونتفرج على جرائم المحتلين في غزة”.
وقد حذر يحيى سريع، المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، في كلمة من أن “كافة السفن التابعة للعدو الإسرائيلي أو التي تتعامل معه سوف تصبح هدفاً مشروعاً لقواتنا المسلحة”.
من جهتها، أكدت مستشارة المجلس السياسي لشؤون المرأة في مقابلة على أنه لو خرج الوضع عن السيطرة، فسيتم إغلاق مضيق باب المندب الذي تمر عبره ثلث تجارة العالم.
كما تحدث علي القحوم، عضو المكتب السياسي لجماعة أنصار الله في اليمن، عن توسيع العمليات العسكرية اليمنية ضد الكيان الصهيوني حتى تحقيق انتصار فلسطين وغزة والقضاء الكامل على إسرائيل. أما محمد البخيتي، العضو البارز في حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء، أشار في مقابلة مع قناة الميادين إلى مصطلح “التصعيد مقابل التصعيد” مؤكداً على امتلاك المقاومة خيارات موجعة في حال استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة.
هذه التحذيرات والتصريحات قد تم تنفيذها على مستويات مختلفة، فبالإضافة إلى القصف المستمر لمناطق مختلفة من الأراضي المحتلة، تمت أيضاً السيطرة عدد من السفن التجارية التابعة للكيان الصهيوني. إن الجبهة التي فُتحت ضد الكيان الصهيوني عبر اليمن كانت “خطيرة” وخارج حسابات قادة الكيان الصهيوني وبشكل خاص، كانت السيطرة على السفينة الصهيونية “غالاكسي ليدر” في البحر الأحمر بمثابة “هزيمة جديدة” للصهاينة في المجال الاستخباراتي والأمني.
المهم في هذا الصدد هو أن “الموقع الجغرافي الخاص” لليمن، وامتلاك المقاومة الشعبية اليمنية أسلحة استراتيجية وصواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيّرة، والقدرات العملياتية لأنصار الله، فضلاً عن التحكم بممرات بحرية مهمة، خاصة باب المندب، تلعب دوراً فعالاً في “خلق التوازن” لصالح فلسطين في معركة طوفان الأقصى، هي كانت أحد العوامل التي دفعت الكيان الإسرائيلي إلى قبول الهدنة.
يكفي التذكير بأن المقاومة الشعبية اليمنية قادرة وبسهولة على “تعطيل” أكثر من 40% من التجارة الخارجية للكيان الصهيوني والتي تتم عن طريق البحر وخلق تهديدات استراتيجية له إذا استمرت جرائم الكيان العنصري الصهيوني في غزة، مما سيؤدي إلى “انهيار اقتصاد” هذا الكيان.
في هذا الصدد، إذ أبدى الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي للكيان الصهيوني “غيورا آيلاند” شكوكاً حول إمكانية استمرار إبحار السفن الإسرائيلية عبر البحر الأحمر إلى ميناء إيلات جنوب الأراضي المحتلة، صرح: “إذا قرر اليمنيون الاستيلاء على جميع السفن الإسرائيلية، فإن المشكلة ستصبح أكبر”. وتابع آيلاند أن “إسرائيل تواجه مشكلة غزة والجبهة الشمالية (لبنان) وإغلاق البحر الأحمر أمام السفن وقضايا أخرى من بينها المواجهات في الضفة الغربية”.
ختاماً، لا بد من التأكيد على أن الكيان الصهيوني بدأ هجماته الوحشية على غزة وهو لم يكن يتخيل أنه سيواجه رد فعل من قوى المقاومة الأخرى، بما فيها أنصار الله. وخلافاً للمعارك السابقة، ففي حقبة ما بعد طوفان الأقصى، لن يبقى التعامل مع جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين في إطار المشكلة الفلسطينية ـ الصهيونية فقط، بل سينشط فاعلون آخرون من قوى المقاومة الإسلامية في المنطقة مستهدفين الأراضي المحتلة و”المصالح والمواقع الصهيونية” في المنطقة.
0 تعليق