المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: اعتبر خبير في الشؤون الآسيوية الاجتماع الثلاثي في إسلام آباد بشأن أفغانستان مبادرة صينية أخرى لإرساء السلام والاستقرار في المنطقة باستخدام الأدوات الاقتصادية قائلاً: "انبثق هذا الاجتماع من المخاوف الأمنية لباكستان والصين فيما يتعلق بتحقيق مصالحهما في أفغانستان سياسياً واقتصادياً".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، قال بهروز أياز إن الاجتماع الثلاثي الخامس للصين وباكستان وأفغانستان انعقد في 6 مايو في إسلام آباد في حين كانت الأمم المتحدة قد عقدت قبل ذلك بأيام اجتماعاً في الدوحة بشأن أفغانستان لمدة يومين، وأوضح: “رغم أنه لم تتم دعوة طالبان إلى اجتماع الدوحة، وجهت باكستان دعوة رسمية ومباشرة لأمير خان متقي، وزير خارجية طالبان، لحضور الاجتماع الثلاثي الأخير الذي عقد لمناقشة قضايا السلام والأمن والاستقرار في أفغانستان”.
وتابع: “عُقد اجتماع إسلام آباد في سياق التعاطي مع المخاوف الأمنية المتعلقة بأفغانستان وكذلك القضايا التي أثيرت في اجتماع الدوحة، مما يدل على أهمية الوضع الأفغاني وتطوراته بالنسبة لبكين وإسلام آباد”.
وذكر محلل الشؤون الآسيوية: “بعد مرور قرابة عامين على وصول طالبان إلى السلطة في أفغانستان، أولت الصين وباكستان أكبر قدر من الاهتمام لهذا البلد لمتابعة مصالحهما؛ لأن التطورات في أفغانستان كان لها آثار كثيرة على جيرانها. بالنظر إلى أن أفغانستان قد شهدت عدم الاستقرار وانعدام الأمن لأكثر من أربعة عقود، فقد استخدمت الدول المجاورة دبلوماسية نشطة في إقامة نوع من العلاقة مع هذا البلد بعد وصول طالبان إلى السلطة”.
وأشار أياز إلى أن اجتماع إسلام آباد جاء بسبب المخاوف الأمنية لباكستان والصين بشأن تحقيق مصالحهما السياسية والاقتصادية في أفغانستان، مردفاً: “إن ما زاد من انعدام الأمن في باكستان أكثر من ذي قبل هو تحركات جماعة “تحريك طالبان” التي أصبحت أفغانستان ملاذاً آمناً لها حالياً. إن انتصار طالبان الأفغانية كنموذج أثار أملاً جديداً لدي عناصر هذه الجماعة للجهاد من أجل نيل الحكم الذاتي في المناطق القبلية في “خيبر بختونخوا”. وبلغت المواجهات بين تحريك طالبان والجيش الباكستاني ذروتها في منتصف أبريل 2023.”
وأشار إلى مواقف الصين وتعبيرها عن قلقها في هذا الصدد في الأشهر الماضية، وأضاف: “هذه القضية أثارت قلق الصين أيضاً؛ لأن جماعة “تحريك طالبان” إلى جانب “جيش تحرير البلوش” نفذا هجمات ضد المشاريع الاقتصادية الصينية في باكستان، وخاصة في اقليم بلوشستان. بالإضافة إلى ذلك، أدى تقارب مسلمي الأويغور في إقليم شينجيانغ و “الحزب الإسلامي الأويغوري” مع طالبان وانضمام بعضهم إلى داعش خراسان، إلى زيادة مخاوف الصين الأمنية”.
وإذ أشار إلى البيان الختامي للاجتماع الثلاثي في إسلام آباد، والذي يركز على التعاون الاقتصادي مع حكومة طالبان ويتحدث عن توافق انضمام أفغانستان إلى الممر الاقتصادي الباكستاني – الصيني، أكد الخبير في الشؤون الآسيوية: “على عكس باكستان التي تشعر بالقلق إزاء أمنها السياسي، فإن مخاوف الصين الأمنية تتعلق بخططها الاقتصادية؛ حيث أن تنفيذ العقد المبرم مؤخراً بين شركة “غوتشين” الصينية وطالبان بقيمة 10 مليارات دولار لاستخراج الليثيوم في أفغانستان، والتي يقدر إجمالي احتياطياتها بنحو تريليون دولار، يتطلب الاستقرار والأمن في أفغانستان”.
كما اعتبر أياز أن هذا الاجتماع الثلاثي ينقل رسالة اجتماع الدوحة إلى طالبان، مضيفاً: “الصين وباكستان، أوصلتا إلى طالبان رسالة اجتماع الدوحة بشأن ضرورة تشكيل حكومة شاملة وضمان حق التعليم للفتيات وإرساء الاستقرار في أفغانستان، كشروط مسبقة للاعتراف بحكم طالبان وطالبتا الجماعة باتخاذ قرار فوري في هذا الصدد. طالبان وإن لم تكن لديها الإرادة لتشكيل حكومة شاملة، إلا أنها ستستفيد إلى أقصى حد من الشرطين الآخرين للحصول على شرعيتها الدولية. ربما كان قيام طالبان بحرمان الفتيات من التعليم وتضخيم تفشي الإرهاب في أفغانستان من قبل باكستان، بمثابة وسيلتي ضغط اعتمدتهما طالبان لانتزاع الاعتراف”.
ولفت محلل الشؤون الآسيوية إلى تصريح وزير الخارجية الصيني باستعداد بلاده لدعم كابول في إعادة الإعمار الاقتصادي، قائلاً: “إن المهم بالنسبة لبكين وإسلام آباد في هذا الصدد هو إرساء الأمن في أفغانستان، ويبدو أن هذين البلدين يعتبران الأمن والاستقرار شرطاً مسبقاً مهماً للاعتراف بطالبان وليس قضايا حقوق الإنسان والقيود المفروضة على تعليم الفتيات. لذلك، كان هذا الاجتماع الثلاثي أيضاً نوعاً من تقديم الضمان الأمني للصين من قبل باكستان وأفغانستان؛ لأن بعض أهم المشاريع الاقتصادية الصينية في باكستان توقفت أيضاً لأسباب أمنية، والصين لا تريد أن يحدث ذلك مرة أخرى في أفغانستان”.
بحسب أياز، فإنه من ناحية أخرى ومن خلال نقل رسالة الدوحة، حاول البلدان إقناع طالبان بإرساء الأمن وتشكيل حكومة شاملة كشرط مسبق للاعتراف بها. يمكن تقييم تصريحات أمير خان متقي بأنه لا توجد حالياً أي جماعة إرهابية نشطة في أفغانستان في هذا الصدد.
وفي إشارة إلى دور الصين في التطورات الدولية مؤخراً وجهودها لحل بعض القضايا والنزاعات، أكد على أن اجتماع إسلام آباد يمكن اعتباره مبادرة أخرى من الصين لإرساء السلام والاستقرار في المنطقة باستخدام الأدوات الاقتصادية. إذ تسعى الصين إلى تحقيق النظام الذي تريده من خلال “الدبلوماسية الاقتصادية” القائمة على مبادرة “الأمن العالمي”.
وذكر خبير الشؤون الآسيوية أنه من خلال عقد هذه الاجتماعات الثلاثة، تسعى بكين إلى إقامة “نظام صيني” في المنطقة لتحقيق خطتها الكبرى، “حزام واحد – طريق واحد”، والتي تجري متابعتها من خلال “إستراتيجية موجهة نحو الاقتصاد” لتحقيق الاستقرار والأمن، موضحاً: “بالنظر إلى طريقة انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وتداعياتها، فإن من شأن إرساء الاستقرار في أفغانستان من خلال حكومة شاملة وتنفيذ الخطط الاقتصادية أن يكون ورقة رابحة أخرى في دبلوماسية الصين. وقد يؤدي هذا الأمر إلى مزيد من القبول للنظام الصيني المغاير للنظام الليبرالي من قبل دول المنطقة والعالم”.
واختتم أياز مؤكداً: “قضية أفغانستان اختبار مهم للصين سيؤدي نجاحه إلى زيادة شعبية الصين في العالم. ومع ذلك، نظراً لتعقيد المشاكل السياسية والاقتصادية في أفغانستان، لن يتحقق ذلك بسهولة ولا يمكن النظر إليه بتفاؤل كبير”.
0 تعليق