المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: تعتبر زيارة السيد رئيسي، رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى سوريا، التي استمرت يومين، مهمة من أبعاد مختلفة. هذه الزيارة التي كان لها انعكاسات كثيرة في الأوساط الإعلامية والسياسية في المنطقة، كان لها دور مهم في تنفيذ عشرات الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي تم إبرامها خلال السنين الماضية، فضلاً عن توقيع اتفاقيات عسكرية وأمنية جديدة بين الطرفين ولكن لم يتم تنفيذها بالكامل.
برسام محمدي ـ خبير في القضايا الإقليمية
كانت إعادة تنظيم العلاقات الثنائية وتعزيزها وتوسيع مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري وتحسينه من بين الأهداف الرئيسية لهذه الزيارة التي عُقدت حولها مفاوضات مهمة بين قادة ومسؤولي البلدين.
أهمية الزيارة
زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا لها أهمية إستراتيجية من مختلف الأبعاد السياسية والاقتصادية والإقليمية وفيما يتعلق بالتطورات في الأراضي المحتلة.
إن تزامن هذه الزيارة مع التطورات السياسية والدبلوماسية التي نشهدها في المنطقة، بما في ذلك تحسين العلاقات بين إيران والسعودية، وتحسين العلاقات بين الدول العربية وسوريا، وجهود طهران وموسكو لتطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، والانفتاحات المهمة في بعض القضايا الأمنية والعسكرية، بما في ذلك الحرب اليمنية، زادت من أهمية هذه الزيارة، والتي نناقش أهمها فيما يلي:
الأبعاد السياسية
لا ينبغي النظر إلى زيارة السيد رئيسي إلى سوريا في إطار الزيارات المنتظمة والدورية لمسؤولي البلدين لبعضهم البعض. على الرغم من أن بشار الأسد قد زار إيران مرتين في السنوات الـ 13 الماضية، في عامي 2018 و 2022، إلا أنه خلال هذه الفترة، لم تتم زيارة من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى سوريا على هذا المستوى النوعي والكمي.
من وجهة النظر هذه، فإن زيارة رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى دمشق تدل على أن “الثقل الاستراتيجي” و “المكانة السياسية” لسوريا في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية لم ينخفضا أبداً وفضلاً عن ذلك إن طهران في الإدارة الجديدة، التي تعمل في إطار “التوجه الأسيوي”، تسعى إلى “تحول لافت” في العلاقات القائمة مع سوريا من خلال توطيد العلاقات الثنائية وتعزيزها في مختلف المجالات.
النقطة المهمة هي أنه في الأشهر الأخيرة، نسمع و نشاهد الترويج لكلمة في الغالب في وسائل الإعلام الأجنبية المعارضة بشأن إيران وسوريا، وذلك أن العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا تتراجع، ومع دخول الدول العربية إلى دمشق، لم يعد لطهران نفوذها السابق وأهميتها الاستراتيجية في سوريا. كانت نوعية حضور رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سوريا، والذي حضي بترحيب شعبي أيضاً، نفياً على كل هذه الدعاية والإسقاطات.
الأبعاد الإقليمية
في ظل الظروف التي تشهد فيها الأراضي المحتلة تطورات استراتيجية مهمة، وبرزت القضية الفلسطينية بقوة في بؤرة الاهتمام؛ كما أنه في الوقت الذي واجه فيه الكيان الصهيوني لأول مرة خلال الـ 75 عاماً الماضية وبطريقة غير مسبوقة أزمات وجودية عميقة من الداخل والخارج، فإن اجتماع قادة البلدين، الذين يعتبران من الركائز الرئيسية والحكومية لجبهة المقاومة الإسلامية، يتضمن “رسالة مقاومة مهمة”.
يعود رد الفعل الواسع لوسائل الإعلام وخبراء الكيان الصهيوني على هذه الزيارة، بحيث تصدّرت الأنباء عن وجود السيد رئيسي في سوريا الأخبار في وسائل الإعلام العبرية، إلى حقيقة أن الفترة الجديدة للعلاقات بين طهران ودمشق اثرت ايضاً على مسيرة التطورات في الاراضي المحتلة.
أعلنت وسائل إعلام عبرية أن “زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا استثنائية للغاية ويجب أن تُقلق إسرائيل”. كما أعلنت القناة 13 للكيان الصهيوني من خلال تحليل في هذا الصدد؛ “إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تريد انسجام وتوحيد محور إيران ـ حزب الله ـ حماس ـ الجهاد الإسلامي، وهذا يجعلها تنفذ برنامجاً جديداً فيما يتعلق بسياسات الشرق الأوسط”.
في الوقت نفسه، جاءت كلمات رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لقائه بشار الأسد وأيضاً في مرقد السيدة زينب (سلام الله عليها) وفي المقابلة مع شبكة الميادين، والتي تضمنت مواضيع مهمة مناهضة للصهيونية ودعم جبهة المقاومة، مؤكدةً هذا الموضوع.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الزيارة وجهود طهران لتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع سوريا، بينما تعتبر استكمالاً لتحسين علاقات الدول العربية مع سوريا، تُعزز عناصر القوة الوطنية لدمشق في المجالات العسكرية والاقتصادية وغيرها لتجاوز الأزمة الأمنية الراهنة نهائياً.
الأبعاد الاقتصادية
كما ذكرنا في بداية هذا المقال، كانت المواضيع الاقتصادية والتجارية من أهم أجندات رحلة السيد رئيسي إلى سوريا.
في ظل الظروف التي تمر بها سوريا من الوضع الاقتصادي غير المواتي بحيث تتطلب استثمارات أجنبية من أجل الانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار، كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إحدى أولويات السياسة الخارجية لسوريا، خاصة في السنوات الـ 12 الماضية، بسبب علاقاتها الودية مع سوريا لأنها تتمتع بقدرات جيدة لتكون من الدول الرائدة في حقبة سوريا الجديدة وما بعد الأزمة، حيث تتحسن علاقات البلاد الخارجية مع الدول العربية.
ووقع رئيسا البلدين خلال هذه الزيارة اتفاقية تعاون استراتيجي طويل الأمد ومذكرة تفاهم للتعاون في صناعة النفط والطاقة.
النقطة الأخيرة
كانت زيارة السيد رئيسي إلى سوريا مناورة قوة للبلدين في لحظة تاريخية مهمة في المنطقة، حيث نشهد من جهة علاقات وتحالفات جديدة داخل المنطقة ومن جهة أخرى اشتداد الأزمات الوجودية للكيان الصهيوني الذي كان مصدر جزء كبير من الأزمات الأمنية والحرب الأهلية السورية.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية “حليف استراتيجي” ونزيه لسوريا وقد دفعت ثمن هذا التحالف والمرافقة بشتى الطرق. مثلما كان محتوى خطاب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية العام الماضي في الاجتماع مع بشار الأسد مهماً أيضاً، لا يمكن لأي دولة أن تحل محل إيران وأن تقدم الخدمات الصادقة التي وفرتها طهران لسوريا. وشدد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، في ذلك الاجتماع، في إشارة إلى “إبراز الصداقة والمودة لبعض الدول التي كانت تقف في الجبهة المضادة لسوريا في السنوات الماضية”، على أن “خط المستقبل يجب أن يتضح من التجارب السابقة”.
بشكل عام، ستساعد زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق على فتح فصل جديد من العلاقات الاستراتيجية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا.
0 تعليق