المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: بينما ضرب تركيا زلزال بقوة 7.8 درجة في مقياس ريختر، من المزمع أن يدلي الشعب التركي بأصواته في صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو القادم. تشير جميع استطلاعات الرأي إلى أن أردوغان يخوض منافسة حادة مع خصومه؛ في حين أن كارثة الزلزال الأخير ضاعفت مشاكله السياسية والاقتصادية.
محمود فاضلي ـ محلل للشؤون الدولية
في أعقاب هذا الزلزال، أعلنت أنقرة حالة الطوارئ من “المستوى الرابع” وطلبت المساعدة الدولية. بعد ذلك، تدفقت المساعدات الدولية من عشرات الدول، حتى الخصوم الإقليميين لتركيا، إلى هذا البلد. ينتقد العديد من المنكوبين بالزلزال الحكومة بسبب فشلها في إنقاذ حياة أسرهم.
على الرغم من استمرار عدد من الأحزاب التركية في انتقاد سياسات أردوغان، إلا أن الحكومة التركية لم تواجه بعد انتقادات من وسائل الإعلام. حيث أن العدد الكبير من وسائل الإعلام المحلية الموالية للحكومة هو بمعنى سيطرة الحكومة على السردية الرسمية. لا تنشر وسائل الإعلام سوى القليل من التقارير عن الإنشاءات الرديئة. يعتقد المعارضون أن ارتفاع عدد القتلى ليس فقط بسبب كارثة طبيعية، بل الأضرار هي نتيجة البناء السيء والقوانين غير الفعالة.
يعتقد الكثيرون أنه إذا لم تنجح إجراءات الحكومة للتعامل مع الزلزال، فقد يخسر أردوغان في الانتخابات المقبلة. ولكن إذا تمكن من إدارة هذه الأزمة بشكل جيد، فبإمكانه أن يعزز موقعه. الاستجابة الفعالة والمناسبة لهذه الأزمة يمكن أن تعزز موقف حزب العدالة والتنمية وقيادته، لكنه سيكون بالتأكيد تحدياً كبيراً للحكومة بقيادة أردوغان. أما في حال الفشل، فقد يواجه مصير “بولنت أجاويد” بعد زلزال 1999. بينما هو في السلطة لمدة 20 عاماً، يتذكر أردوغان جيداً الأزمة الاقتصادية الناجمة عن زلزال عام 1999 وانهيار الحكومة الائتلافية لحزب اليسار الديمقراطي وحزب الحركة القومية وحزب الوطن الأم.
بعد إعلان حالة الطوارئ في المناطق المتضررة من الزلزال لمدة 3 أشهر، تحولت هذه القضية إلى ذريعة لمهاجمة أردوغان من قبل المعارضة. تعتقد مجموعة من المعارضين للحكومة أنه من غير الممكن إجراء الانتخابات في 14 مايو. وفقاً للمادة 78 من الدستور، إذا تعذر إجراء الانتخابات بسبب الحرب، يمكن للبرلمان التركي تأجيل الانتخابات لمدة عام واحد. بما أن قرار إعلان حالة الطوارئ اتخذ بالأغلبية المطلقة وسيكون تأييد حزب الحركة القومية لقرار حزب العدالة والتنمية كافياً، فمن المحتمل أن تتم الموافقة على قرار إعلان حالة الطوارئ في المناطق المتأثرة بالزلزال لمدة 3 أشهر، حتى لو لم تشارك أحزاب المعارضة في التصويت النيابي.
بعد الزلزال في تركيا، تُسمع أصوات من جناح حزب العدالة والتنمية تدعو إلى “تأجيل الانتخابات”. يعتقد مؤيدو هذه الفكرة أن البرلمان التركي يجب أن يساعد على تأجيل الانتخابات، حيث يبدو أن شهر نوفمبر هو الوقت الأنسب لإجراء الانتخابات؛ ليس فقط لأسباب سياسية، بل لأن الوضع المادي أيضاً في المناطق المتضررة من الزلزال ليس مناسبة لإجراء الانتخابات.
دعا بولنت أرينتش، رئيس البرلمان السابق وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، إلى تأجيل موعد الانتخابات وادّعى: “قائمة أسماء الناخبين في الانتخابات فقدت صلاحيتها وإجراء الانتخابات مستحيل قانونياً وعملياً. اقتراحي هو دمج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مع انتخابات 2024 المحلية أو تأجيلها إلى نوفمبر 2023. تأثر ما يقارب 15 مليون مواطن بهذا الزلزال. الوضع مرير لدرجة أنه لم يعد هناك ناخبون في هذه المناطق. على الرئيس أن يجتمع مباشرة مع قادة الأحزاب السياسية الحاضرة في البرلمان والتشاور معهم لحل هذه المسألة الضرورية. من خلال إضافة ملاحظة إلى المادة 78 من الدستور، يمكن وضع أساس قانوني لتأجيل الانتخابات في حالات وقوع الكوارث حيث تُعلن حالة الطوارئ، فضلاً عن الحالة المذكورة في هذه المادة “.
من وجهة نظر المؤيدين لإجراء الانتخابات، فإن أي طلب لتأجيل الانتخابات في تركيا سيكون ذريعة لمسؤولي الحكومة الحاليين للتخلي عن إجراء الانتخابات؛ حيث أنهم يريدون تنفيذ هذه الخطة من خلال المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا. بمعنى آخر، يريدون اتخاذ قرارات خاصة وفقاً لمصالحهم. أبدى كمال كليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، رد فعل قوي على دعوة “بولنت أرينتش” لتأجيل موعد الانتخابات قائلاً: “يجب الإعلان عن موعد الانتخابات في أقرب وقت ممكن سواء في 14 مايو أو 18 يونيو. الهروب من الانتخابات ليس في مصلحة أحد. البلد كله سيتضرر من ذلك”.
كما أن أحمد داود أوغلو، زعيم حزب “المستقبل”، خاطب أردوغان والحكومة بشأن دعوات تأجيل الانتخابات مصرحاً: “في مثل هذا الوقت العصيب، محاولتكم البقاء في الحكومة من خلال تأجيل الانتخابات أكبر ظلم للشعب. كل قرار تتخذونه بانتهاك قواعد الدستور، وكل خطوة تقومون بها بتوجيه من المجلس الأعلى للانتخابات، ستكون لها طابع انقلاب غير عسكري. لا تبحثوا عن تنفيذ انقلاب غير عسكري”. وقال المتحدث باسم حزب “الديمقراطية والتقدم” التركي احتجاجاً على فكرة تأجيل الانتخابات: “حسب الدستور لا توجد إمكانية لتأجيل الانتخابات في ظل الوضع الراهن. لا المجلس الأعلى للانتخابات ولا الرئيس يستطيعان تأجيل الانتخابات”.
كمال كليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، بينما انتقد بشدة الحكومة وحزب العدالة والتنمية، الذي “هرب من المسؤولية في كارثة الزلزال وترك أهل المنطقة وشأنهم”، رد على طلب الحكومة “تأجيل الانتخابات”، مؤكداً: “أقول صراحة أن الانتخابات ستجرى في موعدها المحدد، والدستور واضح جداً حول هذا الموضوع. لا يمكن تأجيل الانتخابات بسبب كارثة. لا في مجلس الأمة التركي ولا في المجلس الأعلى للانتخابات، لا توجد قوانين و تشريعات لتأجيل الانتخابات في حالة وقوع كارثة. حتى بالنسبة لحالة الحرب، فإن البرلمان التركي هو من يتخذ القرار. المادة 78 من الدستور واضحة جداً. لا تفكروا في ذلك على الإطلاق. لقد اجتهد هؤلاء بشدة لمعرفة كيف يمكنهم تحويل هذه المأساة إلى قاعدة سياسية. هذا البلد منح أردوغان فرصة لمدة 20 عاماً لكن من الآن فصاعداً لن يمنحه فرصة ليس لعام، بل حتى لساعة واحدة. من وجهة نظرنا، فإن مصطلح “كارثة القرن” الذي يستخدمه حزب العدالة والتنمية هو في الحقيقة “جهل القرن وعدم كفاءة القرن”.
0 تعليق