المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: إن العقوبات الاقتصادية الهادفة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ستكبد الاقتصاد الروسي تكاليف؛ غير أن هذه العقوبات لم تقنع بعد روسيا بتغيير سياستها تجاه أوكرانيا.
بوريا نبي بور ـ دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
الصراع على أوكرانيا مهم ومكلف بالنسبة لروسيا والغرب. كذلك بالنسبة للصين، تنطوي الحرب الروسية على أوكرانيا على تحديات وفرص معاً. فرغم أن وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، قد أعلن في واحد من أشد تصريحات بكين وضوحاً أن بلاده ترغب في تفادي التأثر بالعقوبات الأمريكية من جراء الحرب الروسية، لكنها ستوظف الفرص المتاحة لها للدفاع عن حقوقها ومصالحها الوطنية وتعزيز علاقاتها الإقليمية.
المنطق الكامن وراء العقوبات الإستراتيجية على روسيا
هناك منطق بسيط وراء العقوبات الاقتصادية وهو: التجارة الحرة مع الأسواق الحرة تمهد لتحقيق التنمية (وكنتيجة، لتوفير الدعم السياسي للحكومة)؛ في حين أن القيود تبطئ التنمية أو تعيدها إلى نقطة الصفر (وكنتيجة، يزول الدعم للحكومة). من خلال هذه العقوبات، ستعمل الجهات التي فرضت هذه العقوبات بشكل مستمر على زيادة التكاليف الدبلوماسية والمالية لممارسات روسيا الهجومية ضد أوكرانيا. من جهة أخرى، تهدف العقوبات إلى زيادة عزلة روسيا السياسية وتكاليفها الاقتصادية، خاصة في المجالات التي تحظى بالأهمية للرئيس بوتين والمقربين منه. غير أن نجاح العقوبات في ترك التأثير المنشود على السلوك السياسي لدولة مستهدفة يتطلب التعامل مع عوامل مختلفة تحوّل العقوبات إلى أدوات قادرة على التأثير في النظام السياسي وعملية صنع القرارات.
آثار العقوبات على روسيا
من المتوقع أن تترك العقوبات تأثيراً سلبياً على الاقتصاد الروسي في المدى القصير؛ حيث تؤدي التوترات الجيوسياسية إلى زيادة التهديدات ويتسبب فرض العقوبات في خلق أزمة ثقة تضر برغبة اللاعبين المحليين والأجانب في بدء أي استثمار تجاري في روسيا. لكن قد يكون تأثير العقوبات والقيود الناجمة عنها على دولة مثل روسيا، تتمتع بموارد طبيعية هائلة والتكنولوجيا وقوى عاملة ماهرة، عكسياً. باقتضاب، فإن روسيا تملك كافة العوامل المطلوبة لتحقيق التقدم رغم – أو بسبب – العقوبات. غير أن تحويل الفرص إلى واقع يتطلب أن تتابع روسيا أو أي دولة أخرى خاضعة للعقوبات تحولاً اقتصادياً. ستضطر روسيا إلى الاستثمار في ميزاتها النسبية بدءاً من القدرات التكنولوجية وصولاً إلى الموارد الطبيعية. مع ذلك، كما تظهر تجارب العديد من دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية، لا يكفي تصدير المواد الخام وحده لتحقيق التنمية. من الناحية التاريخية، كانت السياسة الأكثر نجاعة للتنمية هي تدخل الحكومة لإنشاء صناعات محلية ذات قيمة مضافة عالية. خلال العقود الماضية، سلكت اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية والصين وحتى ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية هذا الطريق.
الحرب الروسية على أوكرانيا؛ تحديات وفرص للصين
ربما أصيبت الصين بالدهشة ـ بقدر ما أصابت الكثير من الأوروبين ـ لكن لم يشهد تبادل النار بين روسيا وأوكرانيا استنكاراً واسعاً في هذا البلد على خلاف الغرب وتتجه معظم ردود الأفعال الصادرة في الصين إلى إدانة الغرب وإلقاء اللوم عليه. بشكل طبيعي، لن تشكك الصين في أهمية الحفاظ على علاقات قوية مع روسيا. في العلن على الأقل، تشعر الصين – كروسيا – بالخطر في محيطها الجيوسياسي بسبب التحركات الأمريكية في بحر الصين والتهديدات بفرض العقوبات وتجد أن هذه الممارسات الأمريكية تضيق المجال أمامها بشكل تدريجي. لذلك، فإن الصين ترصد بدقة توجهات الغرب العدائية ضد بيكين وموسكو وستبحث عن تكتيكات مماثلة لمواجهة التحركات العسكرية والعقوبات وكذلك إيجاد حلول فعلية لتسوية الخلافات بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي. يكتب جونغ هونغ، الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الإجتماعية: “يمكنكم تغيير الأصدقاء وليس الجيران. يجب على الصين وروسيا، كبلدين جارين، أن تتعايشا مع بعضهما”. من منظور الصين، فإنه في العالم متعدد الأقطاب المطلوب للصين، روسيا هي القطب الوحيد الذي يمكنه أن يكون عامل توازن في مواجهة الولايات المتحدة وأن يقف إلى جانب الصين عند اقتضاء الضرورة.
التداعيات المحتملة للعقوبات الإستراتيجية بالنسبة لروسيا والصين
العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا من قبل الغرب مؤلمة دون شك، لكن تأثير العقوبات السياسي أقل ظهوراً من تأثيرها الاقتصادي. في حين تساعد العوامل الاقتصادية على إنجاح العقوبات، ستكون للعوامل السياسية المحددة آثار غير معروفة وسلبية على احتمال نجاح العقوبات. قد تفضي العقوبات إلى مزيد من التقارب بين الصين وروسيا وفي الحقيقة، قد تكون لها أثر عكسي على الدولة المستهدفة وتؤدي إلى تعزيز قوة روسيا ورئيسها. من جهة أخرى، تملك الصين وروسيا كل ما كانتا تستوردانه في وقت سابق لإنتاج السلع النهائية. في الحقيقة، فإنه من شأن استبدال الاستيراد في الوقت الحالي أن يزيد الإنتاجية في عدد من القطاعات الرئيسية كالهندسة والبتروكيمياويات والصناعات الخفيفة والأدوية والزراعة وغيرها. فضلاً عن ذلك، ستتسبب العقوبات ضد روسيا والتهديدات المتنامية ضد الصين في تطوير وتسريع التعاون بين البلدين ودول مجموعة بريكس (البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا) وكذلك منظمة شانغهاي للتعاون. لذلك، فإن العقوبات الغربية على روسيا، فضلاً عن احتمال فشلها في تغيير الأوضاع في أوكرانيا، قد تساعد على إنجاز التحول الهيكلي الذي طالما انتظرته روسيا. في نفس الوقت، ستتجه روسيا للبحث عن أسواق تجارية جديدة أقل مخاطرة من الناحية السياسية وأكثر أماناً من ناحية استقرار العملة الصعبة؛ في هذا السياق، قد نشهد تعزيز التعاون التجاري بين الدول الأعضاء في منظمة شانغهاي للتعاون.
0 تعليق