المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: تأثرت السياسة الخارجية في فرنسا، باعتبارها سابع أكبر اقتصاد في العالم، بمتغيرات عديدة خلال الأربع سنوات الماضية منها وصول ترامب للسلطة، وتفشي جائحة كورونا، وأزمة السترات الصفر، وبريكست، والتطورات المتسارعة في الشرق الأوسط. وقد أثرت هذه المتغيرات دون شك على العلاقات والتعاون بين إيران وفرنسا خلال هذه الفترة.
هادي خزاعي ـ خبير في الشأن الأوروبي
إن تزامن معظم سنوات رئاسة ماكرون في فرنسا (منذ 14 مايو 2017 حتى يناير 2020) مع عهد ترامب في الولايات المتحدة الذي شهد تبني الولايات المتحدة توجهاً أحادياً في السياسة والاقتصاد وسعياً إلى تحقيق المصالح الأمريكية بشكل منفرد والذي كلف الدول الأوروبية كفرنسا أثماناً باهظة في بعض الأحيان، أثّر على توجه ماكرون تجاه تطورات إيران.
في هذا الخضم، كان للعوامل الخارجية كذلك أثر كبير على السياسة الخارجية الفرنسية خلال الأربع سنوات الماضية؛ عوامل كظهور بوادر الانقسام بين أعضاء الإتحاد الأوروبي، وتنامي قوة ودور اللاعبين الإقليميين، وتعزيز دور الرأي العام كعامل ضغط، وعدم رغبة القوى العظمى في خوض النزاعات بشكل مباشر، وتوظيف ورقة العقوبات ضد الشركات، وميل قوى اقتصادية ناشئة مثل الصين والهند نحو أداء دور أكثر فعالية في التطورات السياسية الدولية، إلى جانب تراجع التزام الدول بقرارات المنظمات والمجموعات الدولية (تراجع التعددية). يمكن دراسة هذه العوامل على ثلاث مراحل:
1- إحياء العلاقات ( 2017 – 2018)
خلال هذه الفترة، أي منذ انتخاب ماكرون رئيساً لفرنسا في عام 2017 حتى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، (المرحلة الأولى)، التي استمرت لمدة عام وتُسمى فترة إحياء العلاقات تركزت السياسة الخارجية للبلدين على المحاور الاقتصادية أكثر من السياسية.
وبالرغم من أنه خلال هذه الفترة لم يخفِ الرئيس الفرنسي قلقه بشأن برنامج إيران الصاروخي ودورها في التطورات الإقليمية خاصة في سوريا ولبنان، كانت الشركات الفرنسية الكبرى تتنافس بنشاط، في أجواء ما بعد توقيع الاتفاق النووي وإلغاء العقوبات، مع منافسيها الأوروبيين للحفاظ على حصتها في السوق الإيرانية وزيادتها وأُبرمت عقود مهمة جداً بين الشركات الفرنسية الكبرى (توتال، بيجو، رينو، إيرباص، وسانوفي) وشركات إيرانية بقيمة أكثر من 16 مليار دولار؛ الأمر الذي رفع حجم التجارة بين البلدين إلى ما يقارب 4 مليارات دولار في عام 2017.
2- تراجع شديد في العلاقات وتزايد التهديدات تدريجياً (2018 – 2020)
خلال هذه الفترة، التي شملت معظم عهد رئاسة ماكرون، تغيرت سياسة فرنسا الخارجية تجاه إيران بشكل ملحوظ – حالها كحال باقي الشركاء الأوروبيين – على خلفية زيادة تهديدات ترامب.
فرنسا، بالرغم من بقائها في الاتفاق النووي، تبنت فعلاً دور الرائد في تعميق سياسة ربط التحولات الإقليمية وملف البرنامج الصاروخي الإيراني بالاتفاق النووي وفتحت باباً جديداً من الضغط من خلال إخراج شركاتها من السوق الإيرانية بشكل سريع، بالتزامن مع تهديدها للجوء إلى آلية الزناد.
خلال هذه الفترة، كان رد فعل مسؤولي فرنسا، خاصة وزير خارجيتها، لودريان، على إلحاح المسؤولين الإيرانيين على تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في الاتفاق النووي، هو اتخاذ سياسة شراء الوقت بهدف الحيلولة دون تضرر العلاقات الإستراتيجية بين فرنسا والكيان الصهيوني والولايات المتحدة وتحقيق مكاسب اقتصادية عبر تطوير التعاون الاقتصادي مع دول الخليج الفارسي وبيع السلاح لها.
من جهة أخرى، كانت باريس تسعى إلى زيادة التهديد باللجوء إلى آلية الزناد (العودة التلقائية للعقوبات) وكذلك عمل جماعي من الاتحاد الأوروبي ضد إيران تمهيداً للنجاح في أداء دور الوسيط المحتمل لإطلاق محادثات بين إيران والولايات المتحدة.
تبني سياسة الضغط على إيران بالتزامن مع الاكتفاء بالدعم السياسي للاتفاق النووي من قبل فرنسا بالرغم من عدم اكتراث ترامب بخطوط أوروبا الحمراء ومن ضمنها مبدأ التعددية أضر بمصداقية فرنسا باعتبارها قوة مستقلة ومؤثرة في التطورات الدولية؛ خاصة وأنها فشلت في وقت سابق في اختبارات مثل محادثات بريكست والأزمات الليبية والسورية واللبنانية. خلال هذه الفترة إنخفض حجم التجارة مع فرنسا لأدنى مستوياته خلال السنوات الأخيرة (300 مليون يورو).
3- رهن إحياء العلاقات بنجاج محادثات فيينا (2021)
مقاومة إيران ومواقفها في عدم السماح للمسؤولين الفرنسيين لتوظيف الملف الإيراني كأداة، إلى جانب وصول بايدن للرئاسة في الولايات المتحدة، دفعت فرنسا لإيلاء اهتمام أكبر باستئناف محادثات فيينا لغرض إعادة إيران والولايات المتحدة لطاولة الحوار، مقارنة بموضوع البرنامج الصاروخي الإيراني ودور طهران في التطورات الإقليمية.
مع ذلك، لم يكن تبني هذا التوجه بمعنى تخلي ماكرون عن الاهتمام ببرنامج إيران الصاروخي وانتقاد دورها في التطورات الإقليمية، بل نتج ذلك عن تأكد فرنسا من عدم نجاح توجهها السابق وسعيها لأداء دور الوسيط بين إيران والولايات المتحدة مع الأخذ في الاعتبار نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
في هذا السياق (بذل الجهود لإعادة الولايات المتحدة للاتفاق النووي واستئناف المحادثات)، واصلت فرنسا الضغط على إيران من خلال بيانات مختلفة صدرت عن الترويكا الأوروبية والتأكيد على ضرورة إشراك دول الخليج الفارسي في المحادثات؛ لكنها في المقابل، اعترفت بحقيقة أن توفير الأمن والاستقرار في المنطقة لا يمكن بدون التعاون مع إيران.
كتقييم نهائي ينبغي القول إن اعتماد الاقتصاد الفرنسي المتزايد على اقتصاد الولايات المتحدة وترابطهما، إلى جانب غيره من المتغيرات المؤثرة في السياسة الخارجية التي وردت الإشارة إليها، شكلت عقبة مهمة خلال الأربع سنوات الماضية أمام أداء فرنسا دورها النسبي في تسوية الأزمات وتطوير العلاقات مع إيران؛ الأمر الذي يجب الاهتمام به من أجل إعداد خارطة طريق تهدف إلى تنظيم وتطوير العلاقات بين الطرفين في المستقبل.
0 تعليق