المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: الزيارة التي قام بها ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهیان، مؤخراً إلى أنقرة وتداعياتها على السياسة الخارجية التركية تكشف عن أن الرئيس التركي ـ بالرغم من مظهره الحازم في السياسة الخارجية ـ أصبح أكثر واقعية في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة. في هذا السياق، تحظى الجولة الجديدة من علاقات تركيا مع الإمارات ذات أهمية من الناحية الاقتصادية والسياسية والإقليمية وكذلك بسبب تأثيرها على تعزيز موقع أنقرة على الساحة الدولية.
محمود فاضلي ـ محلل الشؤون الدولية
قُطعت وعود لاستثمارات إماراتية بقيمة 10 مليارات دولار في تركيا على خلفية اللقاء بين أردوغان وولي عهد أبوظبي. ويدور الحديث عن هذه الاستثمارات في فترة تواجه تركيا نقصاً حاداً في العملات الأجنبية نتيجة تراجع قيمة الليرة التركية بنسبة 30 في المئة خلال الشهرين الماضيين. تهدف الإمارات من خلال الاستثمار في تركيا إلى الاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية الرخيصة وكذلك الاستعداد لمرحلة ما بعد أردوغان. وربما يخطط أردوغان لعقد اتفاقية تبادل العملات مع الإمارات – على غرار الاتفاقيتين اللتين عقدهما مع الصين وقطر – لإيجاد حل على المدى القصير.
تقوم بعض الدول بضخ موارد مالية في الاقتصاد التركي عبر اتفاقيات تبادل العملات دون وجود دوافع تجارية معقولة ولأسباب تتعلق بالحقائق الجيوسياسة فحسب.
آخر هذه الاتفاقيات عُقدت مع قطر في عام 2018؛ الأمر الذي رفع من قيمة الليرة التركية بنسبة 6 في المئة. قد يؤدي إبرام اتفاقية مماثلة مع الإمارات إلى رفع جزئي لقيمة الليرة التركية، لكن في ظل السياسات التي تُطبَّق والنهج الذي يتبناه أردوغان، قد يكون التفاؤل بهذا الشأن في غير محله. في الحقيقة، يحتاج أردوغان إلى أوراق نقدية وعملات أجنبية تتدفق إلى المصرف المركزي.
يمثل الهدف الرئيسي لزيارة ولي عهد أبوظبي إلى تركيا النهوض بمستوى العلاقات بين البلدين عن طريق تطوير التجارة والتعاون الاقتصادي وضمان الاستثمارات المستدامة.
تهدف الإمارات إلى المشاركة في مجالات الطاقة والصحة والزراعة والنقل والصناعة والبنى التحتية والتمويل والسياحة والمياه والأمن الغذائي. تُعتبر الإمارات أكبر شريك تجاري لتركيا في المنطقة. وقد ارتفع حجم صادرات الإمارات إلى تركيا أكثر من 110 في المئة وحجم إجمالي التجارة بين البلدين بنسبة 21 في المئة خلال عامي 2019 و2020. أما الاستثمارات التركية في الإمارات فتتركز على قطاعات الإنشاء وإنتاج قطع السيارات والطاقات المتجددة. يرى أردوغان في تطبيع العلاقات مع الإمارات فتح صفحة جديدة بين البلدين ويتوقع مستقبلاً مختلفاً عن الماضي بينهما من خلال استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار.
أهم أولويات أردوغان في الوقت الراهن هو البقاء في السلطة في انتخابات عام 2023. ويتطلب تحقيق هذا الهدف، تحسين الواقع الاقتصادي. قد فشلت فكرة بيع المصرف المركزي العملات الأجنبية للإبقاء على سعرها منخفضة، فسمحت الحكومة بتهاوي الليرة التركية وبدأت تجرّب توفير العملات الأجنبية عن طريق الصادرات. بالتزامن مع ذلك، أطلق المسؤولون الأتراك عملية نفسية جديدة تحت مسمى “حرب الاستقلال الاقتصادي” لاحتواء ردود أفعال المواطنين أو قاعدتهم الانتخابية على الأقل.
تركيا التي كانت تتباهى بصفر مشاكلها مع جيرانها حتى ما قبل عقد من الزمن، واجهت مشاكل في علاقاتها مع جيرانها في عام 2013. أما اليوم فيبدو أن تركيا ترغب في استعادة علاقاتها مع باقي الدول. وتكمن أسباب التسريع في وتيرة تطبيع العلاقات مع الإمارات في التغيرات الجيوسياسية، وتأثير التعاون بين تركيا وقطر في المنطقة، وفشل الشراكة بين الإمارات والسعودية، وهزيمة حفتر، وإرساء وقف إطلاق نار مدعوم من تركيا في ليبيا، وابتعاد الإدارة الأمريكية عن الإمارات، وتراجع حدة التوتر في الشرق الأوسط، أفغانستان والقوقاز، ورغبة الإمارات في المشاركة في إعادة تأهيل مطار كابول، والنتائج المهمة المترتبة على تطبيع العلاقات التركية – الإماراتية في البحر المتوسط.
حتى قبل أشهر، كان أردوغان يعتبر الإمارات تقف وراء كل الهجمات ضد تركيا وكان هذا الشعور متبادلاً. حيث كان في المقابل يعتقد ولي عهد أبوظبي أن أردوغان وقطر يُعتبران أهم رعاة الإخوان المسلمين. من منظور أردوغان، كان محمد بن زايد متورطاً في الإطاحة بالرئيس المصري السابق ،محمد مرسي، عبر انقلاب عسكري عام 2013 وكذلك في توفير دعم مالي لجماعة فتح الله غولن للقيام بانقلاب 15 يوليو 2016.
في ليبيا اصطفت روسيا ومصر والإمارات ضد القوات الحكومية الليبية المدعومة من تركيا. دعمت كل من تركيا والإمارات أطرافاً مختلفة في ليبيا. فضلاً عن ذلك، كانت معارضة الإمارات الصريحة لتركيا في سوريا، ومساعي ترتيب مصالحة بين بشار الأسد والعالم العربي، وإجراء مصالحة بين الكيان الصهيوني والعالم العربي بعد عقود من عزلة تل أبيب، من القضايا الأخرى التي دفعت البلدان للمواجهة مع بعضهما.
عززت الإمارات خطواتها العسكرية في معظم الدول خاصة اليمن وليبيا، لكن السعي وراء إثارة الحروب أو خوض المواجهات أو توفير الدعم لإطراف تتورط فيها قد كلفها كثيراً دون أن تحقق هذه التدخلات العسكرية النتائج المرجوة. تركيا والإمارات اللتان كانتا تتهمان بعضهما بالممارسات العدائية على المستوى الإقليمي والدولي، زادتا من سرعة تطبيع العلاقات فيما بينهما. إذ فضلت الكثير من الدول كتركيا والإمارات وقطر والسعودية والكيان الصهيوني ومصر إحداث تعديلات ملحوظة على سياستها الخارجية بعد وصول بايدن للسلطة.
كان السبب الرئيسي للقطيعة بين تركيا والإمارات هو الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، بانقلاب عسكري نُفِّذ في يوليو 2013. وصل محمد مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين، للسلطة في مصر التي كانت من بؤر أحداث الربيع العربي؛ الأمر الذي أثار مخاوف لدى السعودية والإمارات من أن تضر المطالب الديمقراطية بمصالحهما، ما دفعهما إلى دعم انقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر.
حينها، كانت ردة فعل أردوغان على الانقلاب في مصر هي الأشد. العامل الرئيسي الذي يسوق تركيا نحو تطبيع علاقاتها مع الإمارات هو العزلة التي تعاني منها في السياسة الخارجية. عزلة تركيا في شرق المتوسط نتجت عن تطورات كالتقارب العسكري بين الإمارات والسعودية من جهة واليونان من جهة أخرى، ومساعي قبرص اليونانية لمسايرة إسرائيل ومصر.
0 تعليق