المجلس الإستراتیجي أونلاین ـ رأي: تعتبر الجمهوریة الإسلامیة الإيرانية و ترکیا لاعبتین و قوتین مهمتین في المنطقة، علی الرغم من وجود درجات مختلفة من التأثیر و الأدوار، لکنهما تکملان بعضهما البعض في غرب آسیا.
برسام محمدي ـ الخبیر في شؤون المنطقة
خلال العقد الأخیر، تأثرت العلاقات بین هذین اللاعبین بعدة عوامل إقلیمیة، بما في ذلک الثورات العربیة-الإسلامیة، والتطورات في سوریا ، وقضیة الأکراد، والعلاقات بین ترکیا والکیان الصهیوني والولایات المتحدة والدول الأوروبیة وأزمة جنوب القوقاز، لکن علی الرغم من ذلک، شهدت هذه العلاقات منحى متزايد.
خلافاً لوجهات النظر المتشائمة التي تحاول أن تضع ترکیا وایران أمام بعضهما البعض، لکن يتمتع البلدان خارج الجوار، بإمکانیات فریدة في مجال تنمية وتطویر العلاقات بینهما بسبب وجود القواسم المشترکة التاریخیة والدینیة والحضاریة والثقافیة.
الخلافات الموجودة في العلاقات بین البلدین بشأن بعض القضایا الإقلیمیة ، وهو امر طبیعي بالطبع، لا تعني ابداً تجاهل المشترکات ومجالات التعاون المشترک. الزیارة الأخیرة لـوزیر خارجیة ترکیا، مولود تشاووش اوغلو إلی طهران، في ظروف ألحقت أزمة جنوب القوقاز أضراراً بالعلاقات الموثوقة بین البلدین إلی حد ما، أظهرت ان الجانبین يتمتعان دوماً بمجالات مناسبة لتوسیع التعاون الثنائي الذي یمکنهما من تعزيز هذه العلاقات إلی مستوی المشارکة الإستراتیجیة الشاملة مثل ما یوجد في العلاقات بین طهران و بکین و موسکو.
وتعتبر مشارکة تشاووش اوغلو في إجتماع طهران مبادرة مهمة التي یمکن اعتبارها خطوة دقیقة و ذکیة في خضم التطورات في جنوب القوقاز و تحرکات بعض اللاعبین الإقلیمیين و عبر الإقلیمیة لإضعاف العلاقات بین طهران وأنقرة، وهذا یدل علی أن ترکیا والجمهوریة الإسلامیة الإيرانية، وخلافاً للنظرات المریبة، فإنهما تنظران إلی الآفاق الجدیدة والإستراتیجیة في العلاقات الثنائیة. وعندما یشیر وزیر خارجیة ترکیا في مؤتمره الصحفي المشترک مع نظیره الإیراني إلی شعر “أین بیت الصدیق؟” لسهراب سبهري، الشاعر الإیراني الشهیر، ویقدم طهران البیت الصدیق لترکیا، لم یکن مصادفة. و معنی الکلمة المفتاحیة “بیت الصدیق” التي نطق بها تشاووش اوغلو، مفهوم عندما نعلم أن تدمیر وإضعاف العلاقات الإیرانیة الترکیة کـقوتین مهمتین في المنطقة، یکون دوما أحد أهداف الکیان الصهیوني والولایات المتحدة، و بعض دول المنطقة.
حالیاً، بين الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وترکیا خلافات حول بعض القضایا. وکانت کیفیة وطبیعة تصرفات البلدین في التطورات في سوریا، خلال السنوات الـ10 الماضیة، أهم نقطة الخلاف بینهما، والتي تم أدارتها بذکاء الجانبین.
الموارد المائیة و علی وجه الخصوص قضیة سد کاراکورت، والتي قللت كمية تقدر بــ 1 ملیار و 600 ملیون متر مکعب من مستوی میاه نهر أرس وألحقت أضراراً بجزء من البیئة الإیرانیة، فضلاً عن، ملء واستکمال سد إلیسو علی نهر دجلة، والذي يزيد من تفاقم أزمة الجسیمات الدقیقة و دمار الأراضي الزراعیة في مناطق من ایران، تعتبر من القضایا الخلافیة الأخری بین ایران و ترکیا.
الجزء الآخر من التوترات والخلافات بین البلدین یرتبط بـالتطورات في جمهوریة أذربیجان والتحرکات العسکریة و الأمنیة والسیاسیة لترکیا فی جنوب القوقاز و خاصة قضیة بناء ممر ناختشفان إلی باکو والمناطق الأخری لجمهوریة أذربیجان. یعتبر هذا الموضوع من الموضوعات الحساسة لما لها من آثار جیوسیاسیة وهي من الخطوط الحمراء لإیران.
ومن الموضوعات البارزة التي طرحت في زیارة وزیر خارجیة ترکیا إلی طهران، هي ضرورة تعزیز العلاقات الثنائیة من خلال وضع “خارطة طریق شاملة و طویلة الأمد”. و في هذا المجال، وافق الجانبان علی البدء في صیاغة وثیقة حول تعاون طویل الأمد بین البلدین. ومن الممکن أن توقع الوثیقة أثناء زیارة الرئیس الترکي إلی طهران بحلول نهایة العام الجاري، وإنجازها.
كما أن جهود البلدین فی صیاغة “خارطة طریق للتعاون طویل الأمد”، والتي من المقرر أن يوقعها الجانبان أثناء الزیارة المقبلة لأردوغان إلی طهران، یمکن أن تشکل “فصلاً جدیداً” في العلاقات بین ایران و ترکیا بعد فترة خمس سنوات من التذبذب.
وفي المجال الإقتصادي، فإن لتوقیع هذه الوثیقة مصالح ایجابیة للجانبین ویؤدي إلی نمو کمي و نوعي في العلاقات التجاریة بین ایران و ترکیا. تبلغ الطاقة التجاریة بين إیران و ترکیا إلی أکثر من 30 ملیار دولار، والتي قلّت بقدر ملحوظ خلال الأعوام الماضیة، لأسباب مختلفة، لاسیما العقوبات الأمریکیة و وصلت إلی 9-10 ملیار دولار. ویعد تحسین البنیة التحتیة، بما في ذلک تسهیل أنشطة القطاع الخاص وتعاونه، و تعزیز العلاقات المتبادلة عبر حل الخلافات القائمة و رفع العقوبات، ثلاث عوامل مهمة لرفع مستوی العلاقات التجاریة إلی 30 ملیار دولار وأکثر من هذا.
ولم تستخدم الإمکانیات والقدرات الموجودة في العلاقات الإیرانیة الترکیة لعدة أسباب علی النحو الأمثل من قبل الجانبین. وفي لمحة سریعة، ستؤدي وثیقة التعاون طویل الأمد إلی تغییر أجواء الخلافات بین البلدین فضلاً عن إدارة الإختناقات الأمنیة، والذي من وجهة نظر تحسین التصرفات المتشعبة و تحقیق الإستقرار في المنطقة، نظراً لوجود الملفات المهمة، لها أهمیة استراتیجیة. وهذا الموضوع سیؤثر علی خلق الفرص والقدرات الجدیدة والفهم المشترک للمصالح الوطنیة والإقلیمیة المتبادلة من خلال تحدیث البیانات والقرارات وتنسیق الإستراتیجیات الکبرى في العلاقات بین البلدین.
0 تعليق