المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: أوضح محلل للشؤون الأوروبية أن ظروف ما بعد بريكست أثرت على شكل العلاقات الثنائية بين بريطانيا ودول الإتحاد الأوروبي، قائلاً: "كان بريكست لعبة خاسر ـ خاسر للاتحاد الأوروبي وبريطانيا".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار ياسر نور علي وند إلى التحديات الماثلة أمام الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بعد بريكست، قائلاً: “يمر الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بمرحلة الفوضى والانتقال ما بعد بريكست. خلال هذه المرحلة ورغم التوصل إلى اتفاق حول شكل خروج بريطانيا والتزامات الطرفين، انهار النظام السائد على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا عبر خمسة عقود ولم يحل محله بعدُ نظام جديد ومقبول لدى الطرفين”.
بريكست؛ لعبة خاسر – خاسر
وبيّن أن بريكست لعبة خاسر – خاسر للاتحاد الأوروبي وبريطانيا، قائلاً: “في ظل الوضع الراهن، بدأت الاضطرابات السياسية والاقتصادية تظهر بين الطرفين في قضايا كالخلاف بشأن حقوق الصيد بين فرنسا وبريطانيا، ودخول المهاجرين من فرنسا إلى بريطانيا عبر قناة مانش، وتطبيق البروتوكول المتعلق بأيرلندا الشمالية، واختلال التبادل التجاري بين الطرفين، ما سيتسبب في ظهور مشاكل إضافية مستقبلاً”.
وأضاف محلل الشؤون الأوروبية: “نتج الوضع القائم عن رغبة بريطانيا في تحقيق الاستقلال الكامل وممارسة السيادة التامة بعد بريكست وعدم رغبة الاتحاد الأوروبي لمنح امتيازات خاصة لبريطانيا بعد خروجها”.
وفي ما يتعلق بمستقبل الخلافات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، صرح: “يبدو أنه طالما لم يتبلور نظام مقبول من الطرفين، سيستمر الوضع الحالي الذي يتخلله مثل هذه الخلافات بين حين وآخر. قد يبقى الوضع على ما هو عليه الآن لسنتين أو ثلاث سنوات، لكن نظراً لحاجة الطرفين إلى التسريع في تنظيم وتثبيت العلاقات الثنائية وإيجاد تسوية هيكلية ومؤسسية عاجلة للمشكلة بغية التركيز على التحديات الأخرى وتفادياً للتخلف عن ركب النمو العالمي، يُتوقَّع أن يتوصلا إلى حلول مرضية للطرفين على المدى المتوسط”.
وأوضح أن أولى خطوات بريطانيا لتمرير سياستها في مرحلة ما بعد بريكست هي إرساء علاقة عمل جديدة مع الاتحاد الأوروبي، مضيفاً: “دون حسم وضع علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وإنهاء ضبابية الموقف، لن يكون لدى بريطانيا أمل كبير في تطوير علاقاتها مع باقي أنحاء العالم واستقطاب الاستثمار الأجنبي”.
وأكد نور علي وند: “ردم الفجوة بين مواقف الطرفين لن يكون سهلاً، لكن تجربة أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية أظهرت أن الأوروبيين تعلموا جيداً كيف يجدوا حلولاً للتحديات القائمة أمامهم عبر الدبلوماسية والتفاوض؛ ولن تكون تسوية الخلافات المتعلقة ببريكست استثناء لذلك”.
وقال إن تجربة السنتين أو الثلاث سنوات الماضية والمحادثات الصعبة بين الطرفين تكشف عن حقيقة أن بناء علاقة جديدة وشاملة يستغرق وقتاً، مضيفاً: “رغم أن بريطانيا ستواجه لفترة ما تداعيات بريكست مثل الخلافات مع الاتحاد الأوروبي والتعويض عن الخسائر الناجمة عن تراجع تجارتها ونموها الاقتصادي، يُتوقَّع أن تستعيد السيطرة على سياستها التجارية شرط أن يتحمل مواطنوها حتى ذلك الحين التداعيات السلبية قصيرة الأمد لبريكست وأن لا يميلوا مرة أخرى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي”.
حاجة بريطانيا وأوروبا المتبادلة لبعضهما؛ عامل للحفاظ على التقارب
ورأى محلل الشؤون الأوروبية الحاجة المتبادلة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي عاملاً للحفاظ عل التقارب والعلاقات بين الطرفين، قائلاً: “بشكل طبيعي، قضى بريكست على العلاقة التقليدية بين الطرفين فنشأت علاقة جديدة بينهما. في ظل هذا الواقع، ستسمر التحديات الراهنة لحين توصل الطرفين إلى تفاهم ما بل وقد تزداد حدتها؛ مع ذلك لن يسمح الطرفان بتضرر مصالحهما”.
ولفت نور علي وند إلى تهديد رئيس الوزراء البريطاني بتعليق جزء من اتفاق بريكست جراء تصاعد الخلافات مع الاتحاد الأوروبي حول بروتوكول أيرلندا الشمالية وحقوق الصيد مردفاً: “تسعى بريطانيا إلى تحقيق استقلال يمكّنها من تطبيق فكرة بريطانيا العالمية، أما الاتحاد الأوروبي لا يريد أن تتحول بريطانيا إلى نموذج يُحتذى به للدول الأخرى تفادياً لظهور ميول جديدة نحو الخروج من الاتحاد لدى تلك الدول وتكبيده كلفة ذلك”.
وإذ أشار إلى تزايد التوترات بين فرنسا وبريطانيا، أكد: “ستكون لبريكست تأثيرات على شكل العلاقات الثنائية بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي. إلا أن مستوى التوتر لن يصل إلى التباعد الكامل بين تلك الدول. فضلاً عن ذلك، يجب التنبه إلى أنه في المرحلة الراهنة من العلاقات الدولية أدركت الدول ضرورة زيادة الاهتمام بسياسة تعزيز القوة وهناك علاقات جديدة في طور التكوّن على هذه الأرضية”.
التشتت والضعف الهيكلي للاتحاد الأوروبي
وإذ شرح نور علي وند التهديدات المشتركة والأسباب التي تدفع الدول الأوروبية إلى تجنب التباعد في ما بينها، ذكر: “منذ أكثر من عقد، دخلت أوروبا في فترة جديدة من الصراعات الداخلية ظهرت بوضوح بعد أزمة عام 2008. كما لاحظنا خلال العقد الأخير، التشتت والضعف في القضايا المختلفة في أوروبا. بشكل عام، إن رغبة بريطانيا وبولندا في الخروج انبثقت من الضعف الذي تجده الدول في هيكلية الاتحاد الأوروبي”.
وقال الخبير في الشؤون الأوروبية إن الدول لم تعد ترى الاتحاد الأوروبي ذا هيكلية ممتازة بل اكتسبت نظرة أكثر واقعية و في نفس الوقت، تراجعت فاعلية الاتحاد الأوروبي، مضيفاً: “العضوية في الاتحاد الأوروبي لا تزال توفر مزايا أكثر من الخروج منه. ولم تصل بولندا بعدُ إلى قناعة بشأن الخروج بل تسعى اليوم إلى انتزاع امتيازات أكثر. لكن الواضح هو أن ضعف الاتحاد الأوروبي يدفع الدول الأوروبية إلى التفكير في الاستقلال حال استمرار هذا الضعف”.
0 تعليق