المجلس الإستراتيجي أونلاين ــ مذكرة: تتخذ الصين والولايات المتحدة اجراءات لتقليل الأضرار المحتملة في المجال الاقتصادي كي لا تتجاوز التوترات بينهما المستوى المعتاد.
علي خوانساري - محلل الشؤون الدولية
نشهد من حين لآخر، مع خطابات أو أفعال قادة الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية ضد بعضهم البعض، مستوى مسيطر عليه من التوتر بين البلدين؛ بعد ما يقرب من 44 عاماً من العلاقات الجيدة بين الصين وأمريكا، في عام 2016، وصف دونالد ترامب الصين بأنها العدو الرئيسي والخصم الجاد لأمريكا، وقال إن أمريكا يجب أن تسيطرعلى هذه الدولة بكل الوسائل الممكنة. خليفته، جو بايدن، يتبع أيضاً نهج ترامب بخطاب أكثر تحضراً.
في السنوات الأخيرة، خاصة بعد إطلاق خطة الصين الاقتصادية العالمية الكبرى المسماة بـ”مبادرة حزام واحد – طريق واحد” وتوسيع دائرة الدول المعنية بها، اضطرت أمريكا إلى مواجهة الصين للحفاظ على قوتها الاقتصادية العالمية وهيمنتها؛ على الرغم من أن الفريق الجديد للسياسة الخارجية الأمريكية يبدو أنه اتخذ نهجاً أكثر دبلوماسية تجاه الصين، إلا أنه يسعى بنفس الطريقة إلى خلق تحديات وتوترات للصين من أجل الحد من طموحاتها العالمية.
بالنظر إلى الإحصاءات الاقتصادية من عام 2000 إلى عام 2020، نرى أنه وفقاً لأقوال مسؤولين أمريكيين، تمكنت الصين من توسيع تجارتها بشكل كبير مع مختلف البلدان من خلال نهج ذكي وفعال، دون إنفاق تكاليف للحفاظ على النظام الدولي واستقراره ومكافحة الإرهاب (تحت غطاء أمني لأمريكا والناتو)؛ إلى الحد الذي أصبحت فيه الصين الآن الشريك التجاري الأول لمعظم دول العالم، ما أثار خوف وقلق مسؤولي البيت الأبيض.
في الوقت الحالي، هناك منافسة شرسة بين أمريكا والصين في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا وأساليب الحوكمة وما إلى ذلك. ويحاول كل منهما أن يلحق بذكاء، أقصى قدر من الضرر بالآخر بأدواته الموجودة والخاصة به؛ لكن تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لديها وضع أفضل لخلق توتر للصين.
فأمريكا دولة في وسط المحيط ولديها عدد قليل من الجيران الذين تربطهم بها علاقات جيدة، ولكن على عكس أمريكا، فإن الصين لديها عدد كبير من الجيران وفي الوقت نفسه لديها نزاعات إقليمية مع اليابان والهند وفيتنام.
تحاول أمريكا خلق أزمة أمنية للصين، من خلال بناء علاقات ودية مع جيران الصين والدول المحيطة بمضيق مالاكا (المضيق الذي تعبر من خلاله احتياجات الصين من النفط)، وعن طريق زيادة المناورات العسكرية في المنطقة.
ومثال آخر على ذلك، استخدام أمريكا الفعال للوضع العالمي لكوفيد 19 وحقوق الإنسان. باستخدام هاتين الأداتين، تحاول واشنطن إلقاء اللوم على الصين في أزمة كورونا العالمية من أجل تكثيف المشاعر المعادية للصين لدى الشعوب والحكام في جميع أنحاء العالم. يتحدد هدف واشنطن في تقليل تكلفة المنافسة من خلال إشراك الدول الأخرى باستخدام مزاعمها حيال حقوق الإنسان خاصةً وضع مسلمي الأويغور في محافظة شينجيانغ أو وضع هونغ كونغ وإنشاء تحالف دولي، بالإضافة إلى إدانة الصين.
أما تايوان فهي جزء آخر من اللغز الأمريكي لزيادة الضغط والتوتر على الصين؛ حيث يثير المسؤولون الأمريكيون المخاوف الأمنية في المنطقة بالنسبة للصين من خلال السفر الى تايوان وبيعها معدات عسكرية متطورة.
ربما إذا واجهت دولة أخرى هذه التحديات، فإنها ستواجه بسرعة أزمات خطيرة وأساسية، لكن الصين، بتخطيط هادف وطويل الأمد، أكدت دائماً وبشكل جيد على أنها لا تنوي أخذ مكان أمريكا، وأنّ عصر العالم أحادي القطب انتهى منذ سنوات. هذا البلد باستخدام عامله الأهم أي العامل الاقتصادي، والتكامل الاقتصادي في المجتمع الدولي، زاد من تكلفة مواجهة الصين لدى جميع دول العالم. إن اندماج الدول المختلفة في الاقتصاد الصيني أدى الى عدم حصول النتيجة المرجوة من إنشاء تحالف واشنطن مع الدول الأخرى ضد بكين، ولن يتمكن المسؤولون الأمريكيون من استخدام قدرات حلفائهم الأوروبيين بشكل صحيح على حساب الصين.
في الواقع، ذكّرت الصين المسؤولين الأمريكيين، بنموها وتطورها في جميع مجالات الاقتصاد والتقنيات الرقمية والعلوم والتكنولوجيا، بأنها ليست مثل الاتحاد السوفيتي وأن أمريكا تواجه منافساً ذكياً.
يمكن أن تكون التوترات بين أمريكا والصين فرصة خاصة للعديد من البلدان للاستفادة من هذه الفرصة لأجل كسب امتيازات لانفسهم؛ وبشكل عام، وبسبب نوع التوتر، فإنه لا يشكل تهديداً للاقتصاد العالمي، على الأقل في المدى القصير.
أخيراً، على المدى القصير، من غير المحتمل أن يكون هناك تغيير خاص في الإستراتيجية والعلاقات بين البلدين؛ في الواقع، لن تسمح الصين وأمريكا للتوترات بتجاوز المستوى الطبيعي وتحاولان تقليل الضرر المحتمل لاقتصاديهما من خلال اتخاذ بعض التدابير. وتجدر الإشارة إلى أنه بسبب التشابك الاقتصادي والتعاون العلمي والأكاديمي الغزير في مختلف المجالات، لن يخوض البلدان حرباً شاملة ضد بعضهما البعض ويحاولان باستمرار خلق التحديات لبعضهما البعض وإدارتها بذكاء.
0 تعليق