المجلس الإستراتيجي أونلاين – رأي: مرة أخرى وبالتزامن مع محادثات فيينا واقتراب الطرفين من التوصل لتفاهم حول إحياء الاتفاق النووي، بدأ قادة الكيان الصهيوني وضع عراقيل أمام هذا المسار بهدف تحويل إحياء الاتفاق لمهمة صعبة أو مستحيلة.
حسن هاني زادة – خبير شؤون الشرق الأوسط
و من هذا المنطلق يمكن تقييم زيارة رئيس الكيان الصهيوني، رؤوفين ريفلين، إلى أمريكا ولقائه بالرئيس الأمريكي، جو بايدن، في سياق محاولات قادة الكيان لتعزيز الدعم الأمريكي له وعرقلة مسار إحياء الاتفاق النووي. وكنا قد رأينا خلال المحادثات النووية في عهد أوباما أن قادة الكيان الصهيوني، بمواكبة قادة السعودية، لم يألوا جهداً إلا وبذلوه لإفشال المحادثات، لكنهم أخفقوا في نهاية المطاف في تحقيق مآربهم ورأى الاتفاق النووي النور أخيراً.
مؤخراً وقبل أيام من مغادرته السلطة، زار رئيس الكيان الصهيوني واشنطن دون أن يحظى باستقبال حار من الرئيس الأمريكي. ليس هذا أول محاولات الكيان الصهيوني ولن تكون الأخيرة، حيث من المقرر أن يتوجه رئيس الوزراء الجديد للكيان الصهيوني، نفتالي بينيت، إلى البيت الأبيض للقاء جو بايدن من أجل تنسيق السياسات العامة للكيان الصهيوني تجاه المنطقة وإيران مع الرئيس الأمريكي. ورغم تأكيد بايدن خلال لقاء ريفلين على التزام أمريكا بتوفير أمن مستدام للكيان الصهيوني لكن حصيلة التقارير توحي بأن قادة البيت الأبيض غير راضون إلى حد ما عن سياسات الكيان الصهيوني في تأجيج الأزمات الداخلية في الأراضي المحتلة.
شهدت الفترة الممتدة من فوز بايدن في انتخابات 2020 في أمريكا حتى الآن، أدنى قدر من التواصل بين قادة الكيان الصهيوني ومسؤولي البيت الأبيض خلال العقود السبعة الماضية؛ لأن فريق بايدن مستاء جداً من مغامرات حزب الليكود في المنطقة. استمرار بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة وهجمات الكيان الصهيوني والمستوطنين على حي الشيخ جراح في شرق القدس يعتبران أهم مواطن الخلاف بين البيت الأبيض وقادة الكيان الصهيوني. القضية المهمة الأخرى التي كانت موضع نقاش في لقاء رئيس الكيان الصهيوني مع الرئيس الأمريكي، هي توسع النفوذ الإيراني في المنطقة وحصول تقارب بين وجهات نظر إيران و دول 4+1 في فيينا. خلال هذا اللقاء، حاول رئيس الكيان الصهيوني مرة أخرى تشجيع جو بايدن على فرض عقوبات على إيران وثنيه عن العودة للاتفاق النووي لكن يبدو أن مساعيه باءت بالفشل. لأن فريق جو بايدن يرى في انسحاب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي خطوة غير مبررة ويسعى إلى تمهيد الأرضية لعودة أمريكا للاتفاق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإدارة الديمقراطية تسعى إلى ربط المحادثات النووية لقضايا أخرى وإدخال تعديلات على القيود الزمنية الواردة في الاتفاق.
كما أن رئيس الكيان الصهيوني ناقش مع بايدن موضوع توسع النفوذ الإيراني في دول محور المقاومة والذي أدى إلى تنامي قوة الحركات المناهضة للكيان الصهيوني في المنطقة. يعتقد معظم قادة جيش الاحتلال أن حركة حماس و الجهاد الإسلامي كانوا متأثرين بالتجارب الميدانية للشهيد قاسم سليماني وغيره من القادة الميدانيين للجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال حرب الـ 12 يوماً في غزة والتي انتهت بانتصار المقاومة الفلسطينية.
بعد حرب غزة التي نتجت عن هزيمة جيش الكيان الصهيوني أمام المقاتلين الفلسطينيين، شهدت الهيكلية السياسية لهذا الكيان تحولات أساسية أدت إلى خروج رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، من السلطة. وربما حدثت التحولات التي حصلت في هرم القوة وإزاحة حزب الليكود المتطرف عن السلطة بإيعاز من فريق جو بايدن؛ لأن الرئيس الأمريكي الديمقراطي، على عكس الرئيس السابق دونالد ترامب، لا يتمتع بنظرة إيجابية تجاه الأحزاب الصهيونية المتطرفة. حيث كان ترامب قريباً جداً للأحزاب الصهيونية المتطرفة وحتى انسحب من الاتفاق النووي تحت ضغوط اللوبي الصهيوني.
منذ تلقي الأحزاب المتطرفة الصهيونية الهزيمة، واجه هذا الكيان عزلة سياسية شديدة في الداخل؛ لأن تراكم المشاكل الداخلية وخسارة الحرب الأخيرة ضد غزة، خلفت ظروفاً متأزمة جداً للحكومة الجديدة. حالياً يبدو أن الحكومة الجديدة في الكيان الصهيوني برئاسة نفتالي بينيت تتبنى سياسة أكثر حذراً مقارنة بحكومة نتنياهو. في هذا الإطار، يسعى بينيت لإعادة بناء الجسور المنهارة بين تل أبيب وواشنطن وأن لا يرتكب ما يثير غضب البيت الأبيض. في نفس السياق، اختار الكنيست الصهيوني بـ 87 صوتاً موافقاً من أصل 120 صوتاً إسحاق هرتصوغ بصفته الرئيس الحادي عشر للكيان الصهيوني في خطوة تنطوي على رسالة مهمة.
فالرسالة التي يتضمنها هذا التغيير هي أن هيكلية الحكم في إسرائيل قد تغيرت وفقاً للسياسات الجديدة في البيت الأبيض وأن الحكومة الجديدة لن تقوم بأي خطوة سياسية وميدانية بدون التنسيق مع فريق جو بايدن. ومن الطبيعي أن هذه التغييرات ستكون بمعنى نوع من التنسيق بين تل أبيب وواشنطن؛ لأن فريق جو بايدن لا يرغب في دفع أثمان سياسية ودولية باهظة بسبب مغامرات الكيان الصهيوني.
0 تعليق