وشدّدت الفقرة الثانیة من المادة السادسة للبیان المذکور علی اوجه التعاون علی مدی 25 سنة القادمة وخلال تلک الزیارة التی ُطرحت فیها هذه الخطة کان من المقرر انجاز التخطیط اللازم للتوقیع علی هذه الوثیقة الشاملة ولکن غطّی موضوع الأتفاق النووی الذی کان قد تم التوقیع علیه آنذاک علی مشروع المشارکة الأستراتیجیة الشاملة بین ایران والصین علی ارض الواقع . بینما من خلال المتابعات اللاحقة بین الجانبین ومواصلة المحادثات وتبادل نص مسودة المشروع فیما بینهما تم اخیراً فی الخامس والعشرین من مارس 2021 م التوقیع علی هذه الوثیقة علی مدی 25 سنة القادمة بین وزیری خارجیة البلدین .

مجالات الوثیقة :

ان مبادرة (( طریق واحد ـ حزام واحد )) یعّد المجال الرئیسی لتشکیل وثیقة التعاون الأستراتیجیة الشاملة بین ایران والصین . فالأستراتیجیة العالمیة الصینیة تم ترسیمها فی اطار هذه المبادرة وتـُعتبر احدی صور نشوء قدرة الصین حدیثة النشوء التی تربط قارات آسیا واوروبا وافریقیا الثلاث واکثر من 70 دولة ببعضها البعض . کما ان المبادرة اعلاه تضم فی طیاتها 65بالمائة من سکان العالم وثلاثة ارباع مصادر الطاقة العالمیة واکثر من 40 حتی 60 بالمائة من اقتصاد العالم وتتضمن نحو 39 % من مساحة الکرة الأرضیة و30 الی 40 بالمائة من اجمالی الأنتاج العالمی . وقد وقعت لحد الآن 125 دولة و 29 منظمة دولیة علی اکثر من 173 اتفاقیة للتعاون معها فی مسار هذا المشروع.  فضلا عن ذلک استثمرت البلدان الواقعة فی نطاق هذا المشروع 6 تریلیون دولار الذی وفر بدوره 250 الف فرصة عمل للصین .

المعارضون والناقدون :

ان ردود الفعل الأولی لامریکا وبعض الدول الأوروبیة وکذلک الکیان الصهیونی وعدد من الدول العربیة حیال التوقیع علی هذه الوثیقة والتی نشأت من خلال الأنباء وافتعال الشایعات وتحریض الرأی العام تُعبـّر عن مخاوفها الجاده تجاه هذه الوثیقة .

1ــ امریکا وبعض الدول الأوروبیة :

تأتی امریکا علی رأس قائمة الدول المعارضة لهذه الوثیقة حیث أبدی البیت الأبیض رد فعله بمجرد التوقیع علیها وفی اعلی المستویات بحیث اجاب بایدن الرئیس الأمریکی علی سؤال احدی المراسلین حول مدی قلقه لاوجه التعاون الایرانی ـ الصینی بالقول : نحن قلقون منذ سنة علی هذا الموضوع .

وهنا ینبغی دراسة معارضة الولایات المتحدة وبعض الدول الأوروبیة بما فیها فرنسا والمانیا وبریطانیا لهذه الوثیقة التی تدوم 25 عاما بین ایران والصین والبحث عن جذورها . اذ من البدیهی ان هذه الدول بالنظر الی علاقاتها المدمرة مع ایران والمواجهة معها لاسیما فی السنوات الأخیرة ومن خلال استراتیجیة الضغوط القصوی الأمریکیة تبحث عن انهیار الأقتصاد الأیرانی ولذلک اعربت عن معارضتها لوثیقة انطلاق الشراکة الأستراتیجیة الشاملة بین ایران والصین ثانی اکبر قوة اقتصادیة علی مستوی العالم وانها لم تـدّخر ای اجراء للحیلولة دون تنفیذ هذه الوثیقة سواء علی المستوی الأعلامی والنفسی او فی المجالات السیاسیة والأمنیة .

ان وثیقة الخمسة والعشرین عاماً القادمة من خلال هذا المنظار وکما تقول بعض وسائل الأعلام الأمریکیة هی ( طعنة جسیمة ) لامریکا لانها برهنت علی ان الجمهوریة الأسلامیة یعتبر بلداً قویاً یمتلک اصدقاء أقویاء علی الصعید الدولی حیث انهم جاهزون للأنضمام بالمشارکة الأستراتیجیة الشاملة معها وهذا یُعبّر عن فشل السیاسات الأمریکیة لعزل ایران علی مستوی العالم . فضلا عن ذلک فأن وثیقة الخمسة والعشرین عاماً القادمة اذا ما تم ترجمتها عملیا سوف تُفضی الی تصاعد التنسیق والتنظیم لکتلة ضغط دولیة ازاء سیاسات الولایات المتحدة الأمریکیة المدمرة واجهاض حق الفیتو الأمریکی لاستغلال اداة الحظر ضد ایران فی منظمة الأمم المتحدة . کما تقر نشرة نیوزویک الأمریکة علی ان التوقیع علی اتفاق الشراکة الأستراتیجیة علی مدی الخمسة والعشرین القادمة بین ایران والصین هو مظهر لتفعیل الطاقات العملانیة الکامنة فی العلاقات الثنائیة بین طهران وبکین لانها ازعجت بحد ذاتها الولایات المتحدة علی ارض الواقع . کذلک یری ایلان برمن المساعد الأعلی لمرکز الفکر العائد لمجلس السیاسة الخارجیة الأمریکیة فی جزء من مذکراته بشأن وثیقة الخمسة والعشرین عاماً مایلی :

ان الأتفاق الأستراتیجی علی مدی 25 عاما تضع الجمهوریة الأسلامیة الأیرانیة علانیة فوق اعلی برامج مهمة الصین الأقلیمیة مما یؤدی اخیرا بشکل أو بآخر علی تعزیز وتمتین قوة ایران بصورة باهرة فی المنطقة .

2ــ الکیان الصهیونی وبعض الدول العربیة

ان المواقف السلبیة والمعارضة للکیان الصهیونی وبعض  الدول العربیة بما فیها السعودیة تجاه وثیقة الخمسة والعشرین عاماً تحمل بشکل أوبآخر طابع المعارضة الأمریکیة  وهذا مما لاشک فیه . اذ ان هذه الأتفاقیة لاتنتهی الی توازن القوی الأقلیمیة لمصلحة ایران فحسب بل تؤدی الی انتفاع الجمهوریة الاسلامیة بالمصالح الأقتصادیة والسیاسیة والعسکریة والأمنیة و غیرها من هذه الوثیقة وسوف تسفر عن انتعاش المؤشرات الأقتصادیة الأیرانیة التی ینوی الکیان الصهیونی والسعودیة علی اضعافها علی الدوام .

ولکن وثیقة التعاون بین الصین وایران یُعد منعطفاً استراتیجیاً لأسرائیل ولهذا اصدرت نشریــــــة ( اسرائیل هیوم ) الأسرائیلیة تقریراً جاء فیه : ان هذه الأتفاقیة تضم فی طیاتها تداعیین عاجلین من المنظار الأسرائیلی : اولها یتمیز بجوانب عملانیة حیث ان الوحدة الجدیدة لایران والصین تضع اولاً خیارات جدیدة تحت تصرف طهران لتنمیة القدرة النوویة لدیها وثانیا بعد الأتفاق الأستراتیجی بین الصین وایران لیس امام اسرائیل حلاً الاّ الغاء اتفاقیة تنمیة میناء حیفا مع بضعة مشاریع تحتیة مع الصین وکذلک صفقات التعاون العلمی والتقنی مع هذه البلاد وهی نفس الشرکات الصینیة التی من المقرر انشاء البنی التحتیة ومنها خطوط السکک الحدیدیة لاسرائیل وقد التزمت الآن بأنشاء مشاریع مماثلة لأیران . لذلک فان الخطر یداهم بکل وضوح المشاریع التحتیة المهمة لأسرائیل من الناحیة الأمنیة

ویؤکد منوشه امیر مسؤول قسم التحریر لدی اذاعة اسرائیل فی مقابلة علی ان السلطات الأسرائیلیة تعمل حالیاً علی دراسة وثیقة التعاون الأیرانی ــ الصینی لان أداة التهدید الأسرائیلیة ضد ایران قد سُلبت عبر هذه الأتفاقیة الأقتصادیة والأستراتیجیة .

کذلک یصف دن شوفتان المحلل ورئیس خطة الأمن الدولی فی جامعة حیفا لدی مذکرته فی نشرة ( اسرائیل هیوم ) بان الوثیقة الأستراتیجیة للتعاون الأیرانی ــ الصینی تُعتبر خطراً علی الوجود الأسرائیلی ویمثل ُ مدی هاجس الصهاینة تجاه الوثیقة المذکورة .

الأستنــــــــــتاج :

رغم ان التوقیع علی وثیقة الخمسة والعشرین عاماً جاءت متاخرة لعدة سنوات ولکن یجب التفاؤل بها لان تقدمها وتحقیق التطور بها یمکن ان تضع فرص هامه امام ایران . فلیس من المغالاة اذا قلنا بان التوقیع علی اتفاقیة الخمسة والعشرین عاما ً القادمة تـُعد منعطفا هاماً فی تاریخ العلاقات الایرانیة المعاصرة لأنها اول اتفاقیة مع قدرة دولیة عظمی بعد الثورة لحد الأن وتتمیز بطابع ( الشراکة الأستراتیجیة الشاملة ) وتـُلحق الجمهوریة الأسلامیة الأیرانیة الأیرانیة بصفقات ربح ــ ربح علی ارض الواقع . بعبارة اخری فأنها المرة الأولی التی توقع خلالها الجمهوریة الأسلامیة الأیرانیة وثیقة شاملة مع قوة عالمیة عظمی وسوف تتابع بموجبها آفاق جوانب علاقات البلدین الشاملة علی المدی الطویل .

یجب الأخذ بنظر الأعتنبار علی ان الشراکة الأستراتیجیة الشاملة تعبّرعن مواصفاتها الثلاثیة الأبعاد حیث ان بعدها الأول یدلّل علی ان علاقات البلدین ( تشارکیة ) لاتنافسیة . البعد الثانی ( میزتها الأستراتیجیة ) ای ان رؤیة الجانبین الی بعضهما البعض هی رؤیة طویلة الأجل واستراتیجیة والبعد الثالث ( شمولیتها ) بمعنی ان رؤیة البلدین الی العلاقات لاتقتصر فی حقل واحد وانما تضم شتی الجوائب الأساسیة ( السیاسیة والأقتصادیة والعسکریة والجامعیة والثقافیة وما الی ذلک ) .