المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال أحد محللي القضايا الدولية: رغم أن انتصار روسيا في حرب أوكرانيا سيعني هزيمة الناتو ومصداقيته في أوروبا؛ لكن مسار الحرب بلغ الآن مرحلة لم يعد أمام الغربيين فيها خيار سوى ممارسة الضغوط على أوكرانيا لحملها على وقف إطلاق النار وتنفيذ اتفاق السلام.
في حديثه مع الموقع الإلكتروني للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار سيدرضا ميرطاهر، إلى تقرير وسائل الإعلام الغربية بشأن المفاوضات السرية بين واشنطن وكييف لإقناع أوكرانيا بالتفاوض على وقف إطلاق النار وقبول بعض شروطه وقال: تطورات الأشهر القليلة الماضية في الحرب في أوكرانيا، وعلى وجه الخصوص، الفشل الواضح للهجمات التي وعدت بها أوكرانيا مسبقاً والتي اعتقدت الدول الغربية أنها ستكون ناجحة جداً، قد خلق الآن وضعاً يقال فيه إن الدول الغربية تريد إقناع كييف ببدء عملية مفاوضات مع روسيا للتوصل إلى وقف إطلاق النار.
وأشار إلى التركيز الأمريكي على الحرب بين الكيان الصهيوني وحماس بعد عملية “طوفان الأقصى” في قطاع غزة، وأضاف: “هذا الوضع أدى بطبيعة الحال إلى تقليص اهتمام مسؤولي حكومة بايدن بالحرب في أوكرانيا، وهذا اتجاه يحدث أيضاً في أوروبا في نفس الوقت.” إن وصول بعض القادة في سلوفاكيا وتدهور العلاقات بين أوكرانيا وبولندا دفعت هاتين الدولتين إلى قطع مساعداتهما العسكرية لأوكرانيا، والآن نشهد نوعاً من الفجوة بين الدول الأوروبية من حيث الاستمرار في إرسال المساعدات العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا.
وذكر هذا الخبير في القضايا الدولية، بأن الولايات المتحدة، باعتبارها القوة العسكرية الأولى في العالم، أرسلت عشرات المليارات من الدولارات كمساعدات عسكرية لأوكرانيا، واصفاً الوضع بالصعب بالنسبة للدول الأوروبية التي خفضت ميزانياتها العسكرية بشكل كبير في ما بعد الحرب الباردة، وتدنّت احتياطياتهم من الأسلحة والذخائر، وقال: في هذا الوضع، حيث لا يوجد مصير واضح متوقع للحرب، نشهد انخفاضاً كبيراً في الدعم الشامل لاستمرار المساعدات لأوكرانيا بين الدول الغربية.
وفي إشارة إلى انتقادات الرئيس زيلينسكي لتراجع الاهتمام بأوكرانيا بعد الحرب في غزة والقول إن الغرب نسي أوكرانيا، تابع ميرطاهر: من وجهة نظر عسكرية، تقريباً منذ شهر يونيو (حزيران) فصاعداً، عندما بدأت الهجمات المضادة لأوكرانيا، في غضون الأشهر الخمسة إلى الستة الماضية، لم يتمكن الأوكرانيون عملياً من تحقيق مكاسب عسكرية كبيرة، وعلى الرغم من المساعدات العسكرية الضخمة من الغرب، كانت النتيجة في ساحة المعركة كارثية. والآن، يزعم الروس أن الأوكرانيين تكبدوا ما لا يقل عن 70 ألف قتيل، وأن ما لا يقل عن نصف المعدات العسكرية الغربية المرسلة إلى أوكرانيا قد تم تدميرها.
وذكر: الآن، عشية فصل الشتاء، انخفضت قوة وإمكانات الهجمات المضادة لأوكرانيا إلى حد كبير، وقد خلق هذا الوضع فرصة للروس لإعادة تنظيم وتعزيز خطوطهم العسكرية والدفاعية في مناطق الصراع للاستعداد أكثر لتسديد ضربات عسكرية فعالة وهذا يعتبر نقطة ضعف أخرى بالنسبة لأوكرانيا.
ووصف هذا الخبير في القضايا الدولية اندلاع الحرب في غزة بأنه متنفس في البيئة الدولية لروسيا، ونتيجة لذلك تحول انتباه الحكومات والدول من الحرب في أوكرانيا إلى غزة وأضاف: بينما اخذت روسيا المبادرة السياسية والدبلوماسية إلى حد ما في المؤسسات الدولية خلال الحرب في غزة؛ مع حركة جديدة أضعفت موقف أوكرانيا بقوة في الحصيلة النهائية. قد أدى مزيج هذه العوامل ببعض الدول الغربية إلى التوصل إلى استنتاج مفاده أنه ينبغي عليها الضغط على الأوكرانيين في مجال المحادثات من أجل وقف إطلاق النار والسلام.
وذكر ميرطاهر أنه في أمريكا، باعتبارها الداعم الرئيسي لأوكرانيا، هناك صراع كبير بين الجمهوريين في الكونجرس والبيت الأبيض، وأوضح قائلاً: قبل ذلك، كان لدى الجمهوريين احتجاجات كثيرة حول حجم ونوعية المساعدات اللافتة لأوكرانيا وقد طالبوا بتحديد ووضع شروط لذلك. خلال حرب غزة الأخيرة، قدمت إدارة بايدن حزمة مساعدات بقيمة 106 مليار دولار إلى الكونجرس، منها 14.3 مليار دولار مخصصة للكيان الصهيوني و 61.7 مليار دولار لأوكرانيا. وفي خطوة غريبة، أقر الجمهوريون بشكل مستقل مشروع قانون المساعدة للكيان الصهيوني في مجلس النواب، وبالتالي، خلافاً للتهديد الذي أطلقته إدارة بايدن والبيت الأبيض بأن بايدن سيستخدم حق النقض ضد مشروع القانون إذا تم تمريره بشكل مستقل.
وتابع: إذا ذهب مشروع قانون المساعدات المستقلة هذا للكيان الصهيوني إلى مجلس الشيوخ، فلن تتم الموافقة عليه بسبب أغلبية الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، وإذا تمت الموافقة عليه فسيستخدم حيال ذلك حق النقض، كما وعد بايدن. لذلك، يوجد الآن داخل الولايات المتحدة نوع من الصراع بين الجمهوريين والبيت الأبيض، في مجال المساعدات العسكرية المتزامنة للكيان الإسرائيلي وأوكرانيا، وبالأساس لا يريد الجمهوريون أن تستمر المساعدات الأمريكية لأوكرانيا مثلما يجري حالياً.
وقال ميرطاهر، إنه لأول مرة في التاريخ الأمريكي، سيستخدم البيت الأبيض حق النقض (الفيتو) ضد مسألة تقديم العون للكيان الصهيوني، وقال: إن إصرار إدارة بايدن على ضرورة النظر إلى الحرب في غزة وأوكرانيا في إطار حزمة واحدة ونهج واحد، تحول الآن إلى تحدٍ كبير داخل الولايات المتحدة والبيئة السياسية الداخلية لهذا البلد، كما جعل الحكومة الأوكرانية أكثر خيبة أمل تجاه الولايات المتحدة. هذه الظروف لا تخلق منظوراً إيجابياً لحكومة كييف ذات التوجه الغربي لمواصلة الحرب مع روسيا، وعاجلاً أم آجلاً سوف تتوصل إلى نتيجة مفادها أن عليها التفاوض من أجل السلام مع روسيا في الظروف الحالية.
وبحسب هذا الخبير في القضايا الدولية، في هذه الظروف لن يكون هناك نقاش حول عودة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا، وعلى الأرجح يريد الروس الحفاظ على مكاسبهم من الأراضي، والتي تبلغ حوالي 100 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الأوكرانية.
وقال ميرطاهر: أن الهدف الأساسي لأمريكا كان إضعاف روسيا بشكل عام، وخاصة إضعاف اقتصادها من خلال فرض نحو 13 ألف عقوبة على هذه الدولة. وبعد ذلك سعت أمريكا إلى إضعاف القوة العسكرية لروسيا والحد من القدرات الوطنية لهذا البلد في خضم الحرب. وفي كل الأحوال فإن انتصار روسيا في حرب أوكرانيا سوف يعني هزيمة حلف شمال الأطلسي ومصداقيته في أوروبا؛ لأن الناتو لم يتمكن فعلياً من وقف التقدم الروسي، وسنرى فعلياً تغييراً في التوازن الجيوستراتيجي في أوروبا. وبطبيعة الحال، هذه القضية ليست محبذة ولا سائغة بالنسبة للغربيين. ولكن على الرغم من الأهداف المحددة للغرب، فقد وصل مسار الحرب الآن إلى مرحلة لم يعد أمام الغربيين فيها خيار سوى الضغط على أوكرانيا لوقف إطلاق النار وتنفيذ اتفاق السلام.
0 تعليق