المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: صرح خبير في الشؤون الدولية بأن إظهار وحدة الناتو في مواجهة العدوان وتعزيز الردع كان من أهم أهداف المناورات الجوية الأضخم لحلف الناتو، قائلاً: "قد تكون أوروبا قادرة على الوقوف ضد روسيا على المدى القصير لكن في النهاية، فإن الترابط الإقليمي بين أوروبا وروسيا والاحتياجات المتبادلة تجعل الدول الأوروبية غير قادرة على تشكيل جبهة موحدة ضد روسيا على المدى الطويل".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أوضح أمير حسين عسكري أن أكبر مناورة جوية لحلف شمال الأطلسي تجري باسم “الدفاع الجوي 23” في ألمانيا بعد أربع سنوات من التحضير حيث تشارك فيها 25 دولة من بينها فنلندا والسويد واليابان، قائلاً: “تعتبر هذه أكبر مناورة جوية من نوعها منذ تأسيس حلف الناتو العسكري. فقد تم نشر 250 طائرة في ستة مطارات عسكرية ألمانية، وأرسلت الولايات المتحدة وحدها 100 طائرة إلى هذه المناورات”.
وتابع: “تم افتراض أجواء شمال ألمانيا وبحر الشمال، وشرقها وقطاع أصغر في جنوبها، منطقة متأزمة وقرر الناتو إظهار أنه قادر على الدفاع عن مجاله الجوي حتى في هذه المنطقة الجوية المزدحمة دون إخلال يذكر”.
وصرح مدير مركز الدراسات الأوروبية البحثي – الإخباري أنه على الرغم من أن هذه المناورات تحمل رسالة رادعة، لكن يقال إنه تم التخطيط لها بعد الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من مطار كابول في عام 2021، قائلاً: “في هذه المناورات، بالإضافة إلى اختبار كيفية تواصل طائرات الدول الأعضاء في الناتو مع بعضها البعض وتنسيق أطقم رحلات طائرات الشحن والوقود وكلتاهما تستخدم على نطاق واسع في الحرب في أوكرانيا، جرى التدريب أيضاً على إخلاء أحد المطارات. كان هذا الإجراء رداً مباشراً على الإخلاء الفوضوي للولايات المتحدة لمطار حامد كرزاي الدولي في كابول في أغسطس 2021”.
وتابع عسكري بالقول إن إظهار وحدة الناتو في مواجهة العدوان وتعزيز الردع كان من أهم أهداف هذه المناورات، مضيفاً: “في هذا السياق، قال مسؤول عسكري ألماني إن الغرض من اقتراح هذه المناورات في 2018 كان إنهاء ضم شبه جزيرة القرم. لذلك، بينما يُظهر الحلف قدراته وتضامنه، يؤكد أنه إذا حاولت موسكو مهاجمة أعضائه فإنه سيدافع عنهم”.
وأردف قائلاً: “في هذه المناورات، قامت ألمانيا بمحاكاة الهجوم من الشرق؛ هجوم يحاول التقدم نحو بحر البلطيق حيث قام الناتو بتفعيل مادته الخامسة والدفاع عن الدولة التي تعرضت للهجوم. على الرغم من أن حرب روسيا ضد أوكرانيا قد عززت الناتو، خاصة جناحه الشرقي، فإن حاجة الحلف لتعزيز قوته العسكرية واضحة لأعضائه. في هذا السياق، التزمت ألمانيا مؤخراً بإجراء تغيير كبير في سياستها الدفاعية وزيادة ميزانيتها العسكرية”.
وذكر محلل الشؤون الدولية: ” على الرغم مما يقال من إن هذه المناورات ليست ضد روسيا، لكن تحدّث خلالها مسؤولون عسكريون مراراً وتكراراً عن رد حاسم على روسيا وبوتين نفسه. مع ذلك، لم تشمل المناورات أي طلعات جوية بالقرب من حدود روسيا أو فوق خطوط مثل كالينينغراد المتاخمة للدول الأعضاء في الناتو، بولندا وليتوانيا”.
وفي إشارة إلى استكمال الوجود الأمريكي الدائم في أوروبا في ظل الوضع الحالي وتعزيز وجود الناتو في أوروبا وتداعياته، قال عسكري: “إن هذه المناورات تجري فيما يدعي الناتو زيادة وجود الطائرات الروسية على حدوده ويزعم أن طائراته المقاتلة نفذت في الأيام الأخيرة عدة مهام لرصد الطائرات العسكرية الروسية المجهولة فوق بحر البلطيق”.
وإذ بيّن أن حلف شمال الأطلسي والغرب ينتهجان إستراتيجيتين اثنين ضد الشرق، اعتبر التهديد العسكري ضد روسيا والحصار الجيوسياسي ضد الصين خاصة في المسارات التي تهمها في مبادرة الحزام – الطريق خطوات في هذا السياق، مضيفاً: “في هذا الجانب، يسعى الغرب إظهار أنه لا يزال القوة المهيمنة ويؤمن باستخدام القوة وإذا لزم الأمر فإنه سيضع حلف شمال الأطلسي ضد روسيا والصين وحلفائهما. في الحقيقة، البعد العسكري مكمل ومنسجم مع الجهود التي تبذل لفرض حصار جيوسياسي على الصين”.
وأكد الخبير في القضايا الدولية أن هذه التدريبات المشتركة يمكن أن ترسل رسالة وحدة الناتو إلى خصومه، مضيفاً: “قد تكون أوروبا قادرة على الوقوف ضد روسيا على المدى القصير لكن في النهاية، فإن الترابط الإقليمي بين أوروبا وروسيا والاحتياجات المتبادلة تجعل الدول الأوروبية غير قادرة على تشكيل جبهة موحدة ضد روسيا على المدى الطويل. الآن في المجر وحتى في فرنسا هناك مواقف انتقادية ضد الوضع الحالي. بالنظر إلى أن أزمة الطاقة قد تتكرر لأوروبا هذا الشتاء، فإن هذا التحالف هش للغاية”.
وأضاف عسكري: “الرسالة التي يحاول حلف الناتو والولايات المتحدة بشكل خاص إيصالها إلى بوتين وشي جين بينغ ليست متماسكة تماماً؛ لأنه خلال أيام المناورات نفسها، سُمِعَت أصوات معارضة في فرنسا والمجر وبولندا. هذه الفجوات في طور الاتساع في الغرب. قد تبدو أوروبا موحدة في المظهر لكن في الممارسة العملية، هذه الوحدة الكاملة لن تتحقق”.
وإذ أشار إلى التحذيرات من احتمال اتساع رقعة الحرب في أوكرانيا في حال تعزيز النزعة العسكرية في أوروبا أو إرسال قوات الدول الأعضاء في الناتو إلى أوكرانيا لمواجهة روسيا، قال: “على الرغم من أن بولندا دولة معادية لروسيا وبوتين تماماً، لكن عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا اعترض المزارعون البولنديون بشدة على استيراد القمح الأوكراني وحتى منح وظائف للأوكرانيين. هذه الفجوات موجودة حتى في المجتمعات المحافظة مثل بولندا. كما أن هذا الوضع موجود بين الدول الأوروبية الأخرى أيضاً”.
وقال عسكري إن نشر الأسلحة النووية الروسية في بيلاروسيا تزيد من تكاليف الغرب وأضاف:” تتزايد عسكرة أوروبا إذ تفرض الولايات المتحدة بسهولة وبتوظيف رهاب روسيا في أوروبا تكاليف الناتو العسكرية على الدول الأوروبية، وهو ما يُقيَّم لصالح الولايات المتحدة فقط. مع ذلك، هناك عوامل مهمة في أوروبا تؤثر بشكل مستمر في تقوية الفجوات والتباعد بين أطراف التحالف المناهض لروسيا”.
0 تعليق