المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: على الرغم من أن تقسيم شبه الجزيرة الكورية عند خط عرض 38 درجة شمالاً مع نهاية الحرب العالمية الثانية واستسلام اليابان، كان يعتبر حيوياً وإستراتيجياً للقوتين العظميين في العالم ثنائي القطب، إلا أن تكاليفه ومصاعبه التي لا تنتهي وآثارها العميقة في منطقة شرق آسيا لا تزال قائمة.
حسين سياحي ـ باحث في السياسة الدولية
مع مرور ما يقارب سبعين عاماً، رسمت الحرب الكورية والعديد من الأزمات اللاحقة واقعاً مستعصياً على المصالحة بين البلدين في شمال وجنوب شبه الجزيرة الكورية. كما أدى انهيار الاتحاد السوفيتي، وصعود الصين، والتراجع التدريجي لقوة الولايات المتحدة إلى تعقيد الوضع. من خلال الحصول على أسلحة نووية، وضعت بيونغ يانغ سيول على شفا تهديد أمني خطير يشعر به المجتمع الكوري الجنوبي والنخب في هذا البلد بشكل متزايد يومياً، مما يجعل في بعض الأحيان التزام الولايات المتحدة بحماية ودعم كوريا الجنوبية في حالة وقوع هجوم من قبل الجارة الشمالية موضع شك. خلقت هذه الشكوك تدريجياً رغبة في تطوير برنامج أسلحة نووية في كوريا الجنوبية. من ناحية أخرى، تحاول الولايات المتحدة إظهار دعمها لكوريا الجنوبية؛ لأنها تعلم جيداً أن حل الأزمة في شبه الجزيرة الكورية ليس في توازن قوى قائم على الأسلحة النووية، وأن حصول سيول على هذا السلاح سوف يؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة.
مع ذلك، توصلت كل من واشنطن وسيول إلى قناعة بأن التدريبات البحرية المشتركة والالتزامات المعلنة وبرامج الردع السابقة لم تعد فعالة ضد كوريا الشمالية ولن تقنع الرأي العام في كوريا الجنوبية. لقد أثبت التاريخ أنه في ظل نشوب أزمات ومواجهات مثل الحرب الكورية (1950-1953) وأزمة سفينة بيبلو الحربية (1968) والأزمة النووية التي استمرت منذ عام 1993 حتى الآن، لا يمكن التفاؤل في تحسن العلاقات وفي هذا السياق، فإن الحفاظ على الاستقرار ومنع الحرب في شبه الجزيرة الكورية سيكون أعظم إنجاز ممكن.
وتجدر الإشارة إلى أنه من أجل تحقيق هذا الهدف، لم تعد الأساليب السابقة فعالة وإن نظرة على استراتيجيات الرؤساء السابقين للولايات المتحدة في مواجهة كوريا الشمالية تؤكد هذا الأمر. لم تنجح سياسة التعامل التي انتهجها جورج بوش الأب والتي أدت إلى الاتفاقية الأساسية في عام 1991 والإعلان المشترك بشأن نزع السلاح النووي في عام 1993، واندلعت الأزمة النووية الكورية الشمالية من جديد. أدت سياسة تعامل كلينتون أيضاً إلى إنشاء إطار عمل متفق عليه في عام 1994 والذي على الرغم من التقدم الأولي، تقدم ببطء ووصل في النهاية إلى طريق مسدود. لكن جورج بوش الابن سلك طريقاً آخر وأوصل التوترات إلى الذروة من خلال انتقاد سياسة كلينتون للتعامل مع كوريا الشمالة وتبني سياسة محور الشر. في السنوات التالية، لم يستطع الحوار السداسي حل العقدة، كما أن سياسة الصبر الإستراتيجي لأوباما المتمثلة في الحفاظ على الضغط وفتح الباب للمفاوضات وإستراتيجية الضغوط القصوى لترامب ثم لقائه التاريخي مع كيم جونغ أون في سنغافورة لم تؤد إلى نتائج. وتزامنت الإجراءات التي اتخذها الرؤساء الأمريكيون مع الأزمة النووية الأولى في 1993-1994، والتجربة النووية الأولى عام 2006، والثانية عام 2009، والتجربة الثالثة والرابعة والخامسة بين عامي 2013 و 2017. تشير الإحصاءات في هذا الصدد إلى أنه كلما زادت التدريبات المشتركة والإجراءات العقابية ضد كوريا الشمالية، تزداد اختبارات بيونغ يانغ النووية والصاروخية وإجراءاتها المضادة. لذلك، ليس غريباً أن يشعر الرأي العام داخل كوريا الجنوبية بالقلق على أمنه وأن يشكك في نفس الوقت في التزامات الولايات المتحدة.
مع تنامي هذه المخاوف، ظهر الشعور بالحاجة إلى إطلاق مبادرة جديدة أكثر من أي وقت مضى. كما ورد، تعارض واشنطن أي تحرك لسيول نحو التسلح النووي، لكن اجتماع رئيسي البلدين في الذكرى السبعين للتحالف بين جمهورية كوريا والولايات المتحدة أدى إلى توقيع ستة اتفاقيات، يحظى بالأهمية من بينها “إعلان واشنطن” بسبب ما يتضمنه من مبادرات نووية جديدة.
في إعلان واشنطن، شدد بايدن و “يون سوك يول” على إنشاء آلية نووية جديدة تشبه بعض الشيء مركز الإدارة النووية المشترك لحلف الناتو، وستؤدي إلى ضم كوريا الجنوبية إلى آلية القوة النووية الإقليمية. كما سيتم زيادة الاستعداد والتنسيق لإرسال رسائل ردع فورية والاستجابة في أقصر وقت ممكن، وسيزداد التحضير للتشاور بين سيول وواشنطن في أوقات الأزمات. على الرغم من أن مثل هذا الردع الواسع لا يزال غير قادر على منع أعمال بيونغ يانغ العنيفة بشكل فعال، إلا أنه سيقلل من مخاطر الإجراءات الناجمة عن سوء التقدير. كما شددت كوريا الجنوبية في إعلان واشنطن على تنفيذ أكبر عدد ممكن من البرامج المشتركة في المستقبل ودعم العمليات النووية واتفق الجانبان على زيادة الأنشطة التدريبية خاصة في مجال استخدام الردع النووي. بالإضافة إلى ذلك، تحاول الولايات المتحدة وضع إمكانياتها الإستراتيجية على جدول الأعمال، بما في ذلك زيادة القوات العسكرية وتواجد وزيارات الغواصات النووية إلى الموانئ والتي لم تجر منذ عام 1981.
وفقاً لاستطلاعات الرأي، يؤيد 70٪ من الكوريين الجنوبيين البرنامج النووي المحلي، ويُعتقد أن البنود المذكورة في قرار واشنطن يمكن أن تقلل مخاوفهم إلى حد ما. من ناحية أخرى، أعلن بايدن أن أي هجوم نووي من قبل كوريا الشمالية على جارتها الجنوبية سيقابل برد سريع وصريح وحاسم.
رغم ذلك، من الواضح أن قرارات مثل قرار واشنطن وإجراءات الردع الأخرى لا يمكن أن تغير سلوك كوريا الشمالية بشكل دائم. وكانت البرامج العقابية والتدريبات العسكرية والتدريبات والمناورات المشتركة بين سيول وواشنطن مصحوبة دائماً برد قوي من بيونغ يانغ. تُظهر المبادرة النووية الجديدة بين الحليفين في شرق آسيا بوضوح أن برنامج الولايات المتحدة في شرق آسيا لا يزال قائماً على الردع والحفاظ على الاستقرار وإقامة التوازن الإقليمي.
0 تعليق