المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: قد يؤدي بقاء القوات العسكرية الأمريكية في العراق تحت غطاء جديد إلى تفاقم الفجوة والخلافات الداخلية في هذا البلد مستقبلاً.
طهمورث غلامي ـ خبير في الشأن الأمريكي
بدأ الحوار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق في يونيو 2020، استناداً إلى الإتفاقية الإستراتيجية لعام 2008 المبنية على الصداقة والتعاون بين الشعبين العراقي والأمريكي. كان موضوع استمرار بقاء القوات العسكرية الأمريكية في العراق أو انسحابها منه إحدى القضايا الأساسية في الحوار الاستراتيجي والتي أثارت حساسية.
في النهاية، جرى الاتفاق على انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من العراق حتى نهاية شهر ديسمبر 2021وهو ما حصل في يوم الجمعة 31 ديسمبر. كما تم الاتفاق على بقاء قوات أمريكية غير قتالية لمهمة تدريب الجيش والشرطة وجهاز الأمن العراقي وكذلك التعاون الاستخباراتي. ما حصل فعلاً، هو انتهاء وجود القوات القتالية واستمرار بقاء قوات أمريكية في العراق لمهمة التدريب. السؤال الأساسي الذي يبرز هنا هو: لماذا لم تنتهِ مهمة القوات العسكرية الأمريكية بشكل كامل وما هو الأفق المتوقع لبقاء القوات الأمريكية في العراق لمهمة التدريب في ظل التطورات الداخلية في البلاد؟
ورد في البيان الختامي للحوار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق أن استمرار مهمة القوات الأمريكية للتدريب يتم بناء على إرادة متبادلة بين الطرفين؛ الأمر الذي نشأ عن حاجات لكل منهما:
الولايات المتحدة: أنفقت الولايات المتحدة مبالغ طائلة في العراق منذ العام 2003 وخلقت لنفسها الكثير من المصالح في هذا البلد؛ ما يعني أنها ليست مستعدة للتخلي بشكل كامل عن العراق.
من جهة أخرى، واجهت إدارة بايدن انتقادات كثيرة جراء الانسحاب من أفغانستان ولا يبدو أن تكون راغبة في تكرار نفس السيناريو في العراق. لذلك، تشعر الولايات المتحدة بضرورة استمرار مهمتها العسكرية في العراق للدفاع عن مصالحها.
العراق: عندما قررت الولايات المتحدة سحب قواتها العسكرية من العراق في عامي 2011 و 2021 لم تكن القوى السياسية العراقية متجانسة وتسبب الخلاف بين وجهات نظرها في بقاء القوات العسكرية الأمريكية تحت عنوان مهمة التدريب، في نهاية المطاف. في عام 2011 وعند رفض الحكومة العراقية آنذاك قبول شروط أمريكية مثل منح الحصانة القانونية للجنود الأمريكيين، كانت بعض القوى الداخلية مثل الأكراد مؤيدة لبقاء القوات الأمريكية. جراء سيطرة داعش على أجزاء من الأراضي العراقية، صوِّر الأمر على أنه حصل نتيجة انسحاب القوات العسكرية الأمريكية. لذلك، وبعد عودة القوات الأمريكية إلى العراق في عام 2014، ازدادت أعداد المؤيدين لبقائها وتخطى الأمر المكوّن الكردي.
على سبيل المثال، بعد اغتيال الفريق سليماني وأبو مهدي المهندس في يناير 2020، عندما عقد مجلس النواب العراقي جلسة استثنائية لإصدار قرار بإلزام الولايات المتحدة بالانسحاب من العراق، لم يحضر الجلسة سوى 170 نائباً من أصل 329 نائب. وبالرغم من المصادقة على هذا القرار وتحويله إلى قانون في نهاية الأمر، أبدى 159 نائباً رفضهم بشكل غير مباشر لانسحاب القوات الأمريكية من العراق من خلال عدم الحضور في الجلسة.
فضلاً عن هذه الخلفية وبغض النظر عن تجربة العراق، لا شك في أن تداعيات انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان ووصول طالبان للسلطة قد أثرت على رؤية النخب السياسية في العراق وذهنيتهم. لذلك، يمكن القول إن انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من العراق بشكل كامل لا يزال يواجه معارضة قوية داخل العراق.
إضافة لمجلس النواب، لم تكن الحكومة العراقية برئاسة الكاظمي عازمة على إخراج القوات العسكرية الأمريكية من العراق؛ لأنها لم تنفذ قرار مجلس النواب العراقي بهذا الشأن الصادر في يناير 2020.
مستقبل وجود القوات العسكرية الأمريكية في العراق
في 10 أكتوبر 2021، جرت الانتخابات البرلمانية العراقية الخامسة بعد إقرار الدستور العراقي في عام 2005. تكمن أهمية الانتخابات البرلمانية في العراق في أن مجلس النواب يختار رئيس الوزراء الجديد ورئيس الجمهورية الجديد ورئيس مجلس النواب الجديد، كما أنه يمنح الثقة للتشكيل الوزاري.
والسؤال الذي يبرز هو: هل ستكون لدى الحكومة المنبثقة من هذا المجلس حساسية تجاه موضوع انسحاب القوات الأمريكية من العراق وهل ستتخذ موقفاً بهذا الخصوص؟ توحي النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية الأخيرة والتحالفات التي أحرزت النصر فيها بأن تأكيد البرلمان الجديد على انسحاب القوات العسكرية من العراق سيكون أقل بكثير من البرلمان الرابع؛ لأن القوى التي تعارض الوجود الأمريكي في العراق لم تحصل على نتائج جيدة وأصبح موقف التيارات المؤيدة لخروج القوات العسكرية الأمريكية من العراق أضعف مقارنة بانتخابات عام 2018 التي انبثقت منها حكومة عادل عبد المهدي وقرار يناير 2020 بشأن ضرورة خروج القوات العسكرية.
فاز تحالف الصدر في الانتخابات العراقية الأخيرة والذي يزعم مسؤول سياسي فيه أن “التيار الصدري يعارض أي وجود للقوات الأجنبية في العراق؛ لكن إذا كان وجود القوات الأمريكية غير القتالية لغرض دعم وتدريب وتجهيز القوات العراقية، فيمكن القبول ببقائها في العراق”.
على أي حال، ينبغي القول إن بقاء القوات العسكرية الأمريكية في العراق تحت غطاء جديد قد يؤدي إلى تفاقم الفجوة والخلافات الداخلية في هذا البلد مستقبلاً.
0 تعليق