المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: قد تحولت أوكرانيا خلال السنوات الأخيرة إلى إحدى أبرز بؤر التأزم في العلاقات بين روسيا والغرب.
محمد جواد قهرماني ـ خبير شؤون آسيا
قد اتخذ التوتر بين موسكو والغرب منحى تصاعدياً باندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2014 ثم ضم روسيا القرم لأراضيها. منذ ذلك الحين، بدأ الغرب يرد على خطوات موسكو بممارسة الضغوط عليها خاصة عبر فرض العقوبات، إلا أن انتشار القوات العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا في الآونة الأخيرة دق ناقوس خطر مواجهة عسكرية بين الطرفين أكثر من أي وقت مضى. وقد قوبل هذا التوجه العسكري الذي يراه مسؤولون غربيون مؤشراً على استعداد موسكو لشن هجوم عسكري بتهديدات قوية من مسؤولين أمريكيين وأوروبيين.
في هذا السياق، نشرت روسيا في 17 ديسمبر مسودة اتفاقيتين أمنيتين و دعت إلى لقاء عاجل مع مسؤولي الولايات المتحدة. طلبت موسكو في المسودتين من الناتو برفض إنضمام أوكرانيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق إليه. كما اقترحت عدم إرسال السفن والطائرات الحربية الأمريكية والروسية إلى المناطق التي تستطيع منها ضرب أهداف في أراضي الطرف الآخر. فضلاً عن ذلك، ورد ضمن مقترحات هاتين المسودتين وقف المناورات العسكرية للناتو بالقرب من حدود روسيا، وأي نشاط عسكري لروسيا والولايات المتحدة والناتو في أوكرانيا ودول أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في القوقاز وآسيا الوسطى.
تعكس هذه المطالب حساسية موسكو وجديتها تجاه توسع الناتو شرقاً خاصة في ظل الوضع القائم بشأن أوكرانيا. تؤكد روسيا أن الغرب أججت الأزمة من خلال ترويج مشاعر مناهضة لروسيا في أوكرانيا وتزويدها بالأسلحة. وقد اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، نشوب مواجهة في أوكرانيا تهديداً حيوياً لأمن روسيا.
لم تكن مواقف روسيا الأخيرة ومطالبها مقبولة من وجهة نظر أوروبا والولايات المتحدة ومع أنه قد يبدو في الوهلة الأولى أن الإلحاح عليها يسد الباب أمام أي محادثات، لكنه قد يكون مبادرة من روسيا لحضور طاولة المحادثات؛ مبادرة تعتمد على طرح مطالب لا يمكن القبول بها، لكنها تنتهي بعقد اتفاق مع الطرف الآخر بانتزاع قدر أكبر من المكاسب.
فضلاً عن ذلك، تعكس هذه المطالب جدية ورسيا في موضوع أوكرانيا. مثلما أقر مسؤولون روس، فإن تبني موسكو توجهاً خشناً يتسبب في أن تُسمَع مخاوفها. إذن، هكذا ترسم روسيا خطوطها الحمراء بكل وضوح؛ كما أعلن بوتين خلال لقاء بالدبلوماسيين الروس في شهر نوفمبر أن “تحذيراتنا الأخيرة لاقت آذاناً صاغية ولها تأثيرها المحدد”.
يبدو أن سلوك روسيا الحالي يعتمد على فهم قادتها من واقع النظام الدولي في الوقت الراهن والذي يفرض على موسكو اتخاذ توجه جديد في سياستها الخارجية. ويمكن تحليل بعض خطوات روسيا في السياسة الخارجية من هذا المنظور. بعبارة أخرى، تريد موسكو أن تظهر بمستوى قوة عظمى وأن تجعل الآخرين يعترفون بهذا الموقع. وعدا سياسات روسيا في دول محيطها، هناك مثال آخر على هذا التوجه وهو دخول سوريا الذي تمكّن موسكو من الظهور بمظهر لاعب مؤثر في الشرق الأوسط إلى جانب واشنطن وبكين. إذن، يريد الكرملين بكل حازم أن لا يتحول إلى مجرد محور من محاور التنافس بين الولايات المتحدة والصين.
من جهة أخرى، هناك دور لتراجع القوة الأمريكية والأولويات التي تحددها واشنطن حالياً لنفسها في تصعيد التوتر بين روسيا والولايات المتحدة. على سبيل المثال، أوصل الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان روسيا إلى قناعة بأن واشنطن ليست قادرة على العمل في عدة جبهات معاً. كما أنه من شأن التوترات في مناطق أخرى مثل تايوان أن تشجع روسيا على محاولة فرض مطالبها على الولايات المتحدة.
في حال تجاوب الولايات المتحدة مع بعض المطالب الروسية يمكن توقع تراجع حدة التوتر بين الطرفين. بالرغم من الفجوات الموجودة، قد يؤدي الحوار بين الطرفين إلى خفض التوتر تمهيداً لإبعاد روسيا عن الصين بصفتها هدف الولايات المتحدة البعيد المدى.
إذن، يبدو أن روسيا تريد انتزاع الاعتراف بهواجسها ومخاوفها الأمنية، وكذلك تثبيت موقعها كقوة عالمية عظمى في عالم أصبح من المنظور الروسي على أعتاب وضع جديد يتمثل في السير باتجاه نظام متعدد الأقطاب. لذلك وفي سياق الوصول إلى هذا الموقع لن تصل التوترات الحالية بالضرورة إلى مرحلة صدام عسكري قد يجلب على روسيا الكثير من التداعيات السلبية؛ كما أن وجود هذه التوترات لا يعني عدم التعاون بين الطرفين في مجالات أخرى.
0 تعليق