المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: اعتبر خبير في القضايا الدولية أن التشابك الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة يشكل عقبة أمام العودة إلى مرحلة شبيه بالحرب الباردة، قائلاً: "على الرغم من أن الجانبين متنافسان، إلا أنهما لا يريدان مواجهة بعضهما البعض. وتعتقد الولايات المتحدة أن تنافسها مع الصين ستتم متابعته في شكل تعاون، وفي هذا الإطار ستواصل احتواء الصينيين".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار الدكتور علي صفري إلى تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بأن بلاده تحاول تجنب حرب باردة مع الصين، موضحاً: “الولايات المتحدة تعتبر الصين تهديداً خطيراً في وثائقها الأساسية. في المجال الاقتصادي، أثارت الصين قلق واشنطن بنموها الهائل في المؤشرات ونفوذها حتى بين حلفاء الولايات المتحدة. في الجانب العسكري كذلك، أعلنت بكين أنها قررت زيادة ميزانيتها العسكرية من 60 مليار دولار إلى 300 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، يتزايد وجود البحرية الصينية في شرق آسيا يوماً بعد يوم”.
وأشار إلى الملاسنات بين الولايات المتحدة والصين قائلاً: “قررت الصين زيادة عدد رؤوسها النووية من حوالي 500 إلى حوالي 3000 رأس نووي. وهذا الرقم يعادل عدد الرؤوس النووية لدى روسيا والولايات المتحدة. تظهر صور الأقمار الصناعية الأمريكية أيضاً جهوزية الصين الجدية في المجال العسكري”.
وأضاف الخبير في الشؤون الدولية أن الصين بدأت تدخل في وساطات وساحات غير مسبوقة في المجال الدبلوماسي، مردفاً: “الوجه الجديد للصين يشكل تهديداً خطيراً للولايات المتحدة. في مجال التكنولوجيا والمواجهات السيبرانية أيضاً الأمر خطير جداً وأبعاده مثيرة للقلق. لا سيما أنه بإمكان الصين توظيف قدراتها في المجال السيبراني للتأثير في البلدان المستهدفة. تطرقت الولايات المتحدة صراحة في وثائقها الأمنية، الى التهديدات الناجمة عن الحروب الكهرومغناطيسية من قبل الصين واتهمت الصين بأنها تستطيع اختراق الأنظمة الإلكترونية وتعطيل أو تدمير أدائها من خلال تفجير نبضات كبيرة جداً”.
وذكر صفري: “على الرغم من كل هذه التهديدات التي تشعر بها الولايات المتحدة من ناحية الصين، فإن القضية المهمة للغاية هي أن الصين، على عكس الاتحاد السوفيتي السابق، لها علاقة قوية بالاقتصاد الأمريكي. على الرغم من أن الولايات المتحدة حدّت، في عهد ترامب، من العلاقات الاقتصادية مع الصين بحرب الرسوم الجمركية مما أدى إلى تغير الميزان التجاري لصالح الصين، إلا أنه لا يزال للصين دور مهم في الاقتصاد الأمريكي، وحتى أجزاء من الاقتصاد الأمريكي تضررت من جراء حرب التعريفات. من ناحية أخرى، لا يزال حوالي 80٪ من معاملات الصين تتم بالدولار واليورو”.
وأكد على أنه مهما كانت الصين تسير على طريق النمو، فإنها لا تزال بعيدة عن الولايات المتحدة في الوصول إلى موقع القوة الأولى مضيفاً: “على الرغم من كل المنافسات والتهديدات، نرى في الولايات المتحدة نهجين تجاه الصين هما “وضع القيود” و “ضرورة المنافسة القائمة على التعاون”؛ لأنه، على أي حال، لم تتمكن الصين من احتلال مكانة الولايات المتحدة في العديد من المجالات بالإضافة إلى التقنيات الجديدة، على الرغم من نموها الغريب والمذهل. تعتقد الولايات المتحدة أن تنافسها مع الصين ستتم متابعته في شكل نوع من التعاون يمكنها بموجبه كبح جماح الصين”.
وتأكيداً على أهمية التعاون مع الصين للاقتصاد الأمريكي، خاصة في مجال العمالة وتفضيل الشركات الأمريكية الكبيرة تجميع بضائعها في الصين، أضاف الخبير في القضايا الدولية: “هذا المستوى من التشابك الاقتصادي يمنع نشوء حرب باردة. يسعى الطرفان إلى التنافس مع بعضهما البعض، لكنهما في نفس الوقت لا يريدان الانزلاق إلى مواجهة. في حين أن حقبة الحرب الباردة شهدت مواجهة ومنافسة”.
وقال صفري إن الحرب في أوكرانيا بمثابة نعمة للصين، لأنها وجهّت الأنظار والاهتمام نحو روسيا وانخفض التركيز على الصين إلى حد كبير، مضيفاً: “حتى المسؤولون الصينيون يذكرون في مواقفهم أنهم على طريق التنافس مع الولايات المتحدة. بل ويعترفون بأنه من عادات الولايات المتحدة أن تنصب الفخاخ لمنافسيها في هذا الطريق وبالنظر إلى تجربة روسيا الأخيرة، يجب أن تكون الأولوية الأكثر أهمية للصين هي عدم الوقوع في هذه الفخاخ الأمنية. الآن، تحاول الصين ببعد نظر عدم الوقوع في هذا الفخ الأمني فيما يتعلق بتايوان”.
وشدد: “ستستخدم كل من الولايات المتحدة والصين الوسائل التقليدية في تنافسهما لإدارة هذه المنافسة. حتى عودة الولايات المتحدة إلى منظمة اليونسكو بعد خمس سنوات قد اعتبرت خطوة بهدف عدم التخلف عن الصين. على الرغم من أن اليونسكو هي منظمة ثقافية، لكن على أساس تقييم أن تهديد الصين سيصبح أكثر خطورة على المدى الطويل، يجب ألا تتجاهل الولايات المتحدة أي أداة في هذه المنافسة”.
وأشار محلل الشؤون الدولية إلى محاولة الولايات المتحدة وضع قيود واسعة في مجال التكنولوجيا ضد الصين وإنشاء العديد من الشبكات بهدف استبعادها من أسواق التكنولوجيا الجديدة وتابع: “على الرغم من هذه المنافسة والتهديدات، تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للدخول في تعاون مع الشركات الصينية وتعتقد أنه من أجل منع تحول التقدم التكنولوجي إلى أداة في يد الصين، يجب أن تدخل في نوع من التعاون والتفاعل والأخذ والعطاء في هذا المجال. مع ذلك، منذ عام 2020، اشتد زخم العقوبات في واشنطن وأصبحت أشباه الموصلات ساحة للمنافسة الجيوسياسية الجادة”.
وأكد صفري على أن العقوبات الأمريكية على صناعة التكنولوجيا المتنامية في الصين قد اشتدت منذ أن وصل بايدن إلى السلطة في أوائل عام 2021، قائلاً: “هذه العقوبات تشمل حظر التصدير للحد تقريباً من جميع جوانب تطوير الرقائق في الصين، وقد ألحقت إضراراً به فعلاً. على الرغم من أن نمو قطاع تصنيع الرقائق في الصين كان مثيراً للإعجاب في السنوات الثلاث الماضية، إلا أنه لا يزال بعيداً عن الاكتفاء الذاتي، ويبدو من غير المحتمل أنه سيكون قادراً على بناء خط إنتاج كامل يمكنه العمل بسهولة دون مساعدة من الموردين الأجانب. وفقاً للإحصاءات، إذا استمرت القيود المفروضة على الشركات الصينية فلن يتمكن المصنعون المحليون الصينيون إلا من توفير 33٪ من إجمالي الطلب المحلي بحلول عام 2030، بدلاً من التوقعات السابقة البالغة 52٪”.
وفي الوقت نفسه، أشار الخبير إلى الزيارة الأخيرة لاثنين من المستثمرين الأمريكيين المهمين في مجال التكنولوجيا إلى الصين والاجتماعات التي عقداها مع كبار المسؤولين الصينيين، وأكد على أن المنافسة الحالية لا ينبغي اعتبارها حرباً باردة وأن هناك فوارق كثيرة بين الاتحاد السوفياتي والصين، قائلاً: “الحرب الباردة تنطوي على مفهوم المواجهة، لكن الولايات المتحدة والصين تعيشان الآن فترة من المنافسة الشرسة دون مواجهة مباشرة أو بالوكالة. كما أن الصين لا تنوي خوض مواجهة خشنة مع الولايات المتحدة وحلفائها”.
0 تعليق