المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: على الرغم من وجود العديد من الأسئلة والفرضيات حول سبب عودة الهند والاتحاد الأوروبي إلى طاولة المفاوضات الخاصة باتفاقية التجارة والاستثمار الشاملة بعد انقطاع طويل، يبدو أنه على الرغم من أهمية القضايا الاقتصادية والتجارية في السياسة الخارجية للطرفين، كانت قضية الحقائق الجيوسياسية الجديدة هي الدافع الأهم والرئيس لدلهي وبروكسل لإحياء المفاوضات ومحاولة الوصول إلى هذا الاتفاق.
حسين سياحي ـ باحث في القضايا الدولية
لأول مرة في عام 2007، تم تشكيل فكرة إبرام اتفاقية تجارة واستثمار شاملة بين أوروبا والهند. الموضوع الذي انتهى به الأمر في عام 2013 إلى الصمت بعد ما يقرب من 16 جولة من المفاوضات، بسبب بعض النزاعات التي كانت اقتصادية في معظمها، مثل اتفاقيات الاستثمار وأيضاً موضوع خفض التعريفات الجمركية على الواردات في الهند.
ولكن بعد ما يقرب من 9 سنوات، أعلنت الهند والاتحاد الأوروبي مؤخراً عن إجراء مفاوضات إيجابية للغاية وواعدة لإبرام اتفاقية تجارة حرة بين الجانبين. ومن المؤمل أن تؤدي المفاوضات إلى اتفاق بحلول نهاية عام 2023 ويمكن أن تغطي مجموعة واسعة من الجوانب الاقتصادية مثل التجارة والمؤشرات الجغرافية والاستثمارات الثنائية.
يمكن اعتبار مجموعة من العوامل السياسية والجيوسياسية كأسباب لتقارب دلهي وبروكسل من بعضهما. خروج إنجلترا من الاتحاد الأوروبي، حرب أوكرانيا، أزمة الاقتصاد والطاقة والغذاء في العالم بسبب ضعف سلسلة التوريد العالمية، فضلاً عن صعود الصين ومحاولة اكتساب المزيد من القوة على المستوى الدولي، يمكن اعتبارها من أهم هذه العوامل.
بالنسبة لأوروبا، يمكن اعتبار هجوم روسيا على أوكرانيا وصعود الصين واعتماد الاتحاد الأوروبي على هذا البلد من أهم هذه الحالات. أظهر هجوم روسيا على أوكرانيا، بصرف النظر عن القضايا العسكرية والأمنية التي ستتأثر بها أوروبا وحتى الهند بشكل كبير، آثاره على قطاعي الطاقة والغذاء. مثل هذه القضية جعلت أوروبا تصحو من سباتها.
تسببت صحوة بروكسل الآن إلى تحويل اعتماد هذه الكتلة على الصين والعجز التجاري الحاد مع هذا البلد الذي وصل إلى 249 مليار دولار في عام 2021، إلى قضية حيوية ومزعزعة للإستقرار في سلسلة التوريد في هذه المنطقة. لهذا السبب، كما تقول أورسولا فون ديرلاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، في الاستراتيجية الجديدة، ينبغي على الاتحاد أن يركز على بناء العلاقات مع الدول الصديقة.
من ناحية أخرى، على الرغم من شكوك الهند بسبب بعض مصالحها، مثل اعتمادها على روسيا في مجال الأسلحة والطاقة، فقد أظهرت الهند استعدادها للمشاركة بأكبر قدر ممكن في إطار وقواعد النظام الدولي الحالي. أظهرت الاتفاقيات الثنائية مع أستراليا والإمارات العربية المتحدة، وشراء الأسلحة من فرنسا والاتفاقية الأمنية مع المملكة المتحدة، وكذلك المفاوضات الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي، أن الغرب وحلفائه يشكلون اتجاه السياسة الخارجية والاستراتيجيات المستقبلية للحكومة الهندية إلى حد كبير.
المعوقات والمشاكل
من الواضح أن قضية احتواء الصين ومنع نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أصبحت استراتيجية مشتركة للجانبين. من ناحية، تحاول بروكسل تطوير نفوذها في هذه المنطقة، ومن ناحية أخرى، تحاول الهند لعب دور في عقيدة الاحتواء الصينية في هذه المنطقة.
ولكن فيما يتعلق بقضية اتفاقية التجارة الأخيرة، فإن فكرة احلال الهند مكان الصين في التجارة مع الاتحاد الأوروبي تبدو بعيدة إلى حد ما عن الواقع، على الأقل على المدى القصير. والسبب هو الكمية الكبيرة للتجارة والاستثمار بين الصين وأوروبا، والتي كانت في عام 2019 تقارب 200 مليار يورو مما تشكل نحو 3 أضعاف حجم التجارة بين دلهي وبروكسل في نفس العام تقريباً. بالإضافة إلى ذلك، فإن تنقّل البضائع بين أوروبا والصين أكبر 9 مرات من رقم تنقل البضائع مع الهند.
تشير هذه الأرقام إلى صعوبة احلال الهند مكان الصين للاتحاد الأروبي. لهذا السبب صرح إيمانويل لونا، السفير الفرنسي في الهند، أنه في إشارة إلى الضرر والتهديدات التي يمكن أن تجلبها التجارة مع الصين إلى أوروبا، أعلن بأن إعادة بعض المنتجات من الصين إلى أوروبا أو محاولة استبدال دول أخرى بالصين سوف تكبد أوروبا بعض التكاليف.
من ناحية أخرى، يبدو أنه نظراً لارتفاع حجم مشتريات الهند من الأسلحة من روسيا وكذلك حاجة دلهي إلى شراء الطاقة من موسكو، فإن أوروبا تواجه صعوبة في إقناع حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. ومع ذلك، في حالة عدم قدرة أوروبا على إقناع الهند، فقد أظهرت الظروف القاهرة والحقائق الجيوسياسية أنهما قادرتان حتى على دفع الأعداء القدامى تجاه بعضهم البعض.
0 تعليق