المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: تصاعُد الحديث عن موضوع تهدئة التوتر بين إيران وجيرانها الجنوبيين في منطقة الخليج الفارسي خاصة مع اللاعبَين الرئيسَين فيها، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يلقي الضوء على موضوع التجارة والتعاون الاقتصادي وضرورة تطوير الصادرات إلى دول الخليج الفارسي العربية على امتداد هذا المسار.
الدكتور كامران كرمي ـ خبير في شؤون الجزيرة العربية
في هذا الإطار، تبرز ثلاثة تساؤلات؛ هل طرأ تغيير على سياسات تلك الدول تجاه إيران؟ هل يمكن رسم آفاق جديدة للعلاقات بين الطرفين؟ كيف يمكن فتح هذه السوق أمام إيران والاستفادة منها؟
للإجابة عن السؤال الأول، يجب التأكيد على أن التغيير في سياسات السعودية والإمارات تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية يعود إلى العوامل والمتغيرات التي ظهرت على المستويات الثلاثة المحلية والإقليمية والدولية. تمثل إستراتيجية الإدارة الأمريكية لإحياء الاتفاق النووي وبالتزامن مع ذلك، خفض مستوى الدعم السياسي والعسكري للاعبَين المذكورَين متغيراً حاسماً جداً أثّر على تغيير وعي صناع القرار في الرياض و أبوظبي بشأن تلقي الدعم لتمرير سياسة خارجية هجومية.
العامل الثاني هو بلوغ الأزمات في بؤر التوتر الإقليمي ذروتها بعد فترة من التصعيد؛ الأمر الذي مهّد الأرضية للانتقال من الإستراتيجية الهجومية والداعية للحرب إلى إستراتيجية تثبيت النفوذ والمكاسب. أما العامل الثالث فهو ضرورة وجود استقرار سياسي لتطوير المشاريع الاقتصادية بعد فترة ركود جراء تراجع أسعار النفط وتفشي كوفيد-19، ما زاد من الحاجة إلى رفع وتنويع المداخيل أكثر مما مضي.
بناء على هذه الصورة، يمكن الرد على السؤال الثاني من خلال تبيين نقطة مهمة وهي: هل يؤدي تشابك هذه العوامل على المستويات الثلاث إلى فتح آفاق جديدة بين إيران وجيرانها العرب في منطقة الخليج الفارسي؟ للإجابة، يجب التأكيد على أن المسار الذي فُتح باتجاه تهدئة التوتر بين إيران والسعودية من جهة وإيران والإمارات من جهة أخرى، لا يزال في بدايته وهو هش بطبيعة الحال؛ خاصة، مسار تهدئة التوتر مع السعودية أكثر هشاشة بالنظر لكونه متعدد المستويات ومتأثراً بمتغيرات أخرى، وطالما لم يصل هذا المسار إلى استعادة العلاقات الثنائية والقيام بخطوة إلى الإمام في إطار عقد مذكرة تفاهم أمنية على الأقل، لن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل تصاعد حدة التوتر. فضلاً عن ذلك، إذا نجحت السعودية في المضي قدماً نحو إحياء علاقاتها مع إدارة بايدن الديمقراطية، فسيتراجع مستوى ضرورة إجراء السعودية الحوار مع إيران.
من هنا، يجب على إيران التنبه لدقائق المرونة في المحادثات مع السعودية وبذل مزيد من الجهود لاستعادة التجارة معها؛ لأنه في ظل تطور قطاع التجارة غير النفطية في السعودية نشأت أرضية مؤاتية للتخطيط من أجل الوصول إلى تجارة بحجم ملياري دولار بين البلدين. بلغ حجم التجارة بين إيران والسعودية إلى 800 مليون دولار في عام 2010، لكنه تراجع تدريجياً إلى 200 مليون دولار ولاحقاً إلى ما يقارب الصفر في السنوات الأخيرة على وقع العقوبات الدولية والتوترات الإقليمية.
لذلك، على افتراض أن تؤدي تهدئة التوتر إلى إعادة فتح السفارتين الإيرانية والسعودية وكذلك الارتقاء بالعلاقات بين إيران والإمارات من مستوى القائم بالأعمال إلى مستوى السفير، يتعين على إيران القيام بعدة خطوات مفصلية لتفعيل التجارة وتطوير التعاون الاقتصادي.
الخطوة الأولى؛ وضع إستراتيجية قائمة على التصدير في إطار سياسات الجيرة. في ظل تأكيد الحكومة الإيرانية الجديدة على سياسة “الجيران أولاً”، من الضروري أن تحدد متطلبات هذه الإستراتيجية في مجال الاقتصاد عبر التركيز على استغلال الطاقات المتاحة وكشف الفرص وتذليل القوانين والأنظمة التي تعيق ذلك.
الخطوة الثانية؛ التنسيق بين الأجهزة الاقتصادية التابعة للحكومة للتركيز على موضوع التصدير. في هذا السياق، يجب على معاونية الدبلوماسية الاقتصادية لوزارة الخارجية قيادة الاجتماعات والتنسيق بهذا الصدد.
الخطوة الثالثة؛ ربط الإستراتيجية القائمة على الصادرات والتنسيق بين الأجهزة الاقتصادية الحكومية مع القطاع الخاص لدعم التجار ورجال الأعمال الأعضاء في غرف التجارة والصناعة والمناجم والزراعة الإيرانية عبر تذليل العقبات والمشاكل التي تعيق عمله، والذي يوفر أرضية مناسبة لتعزيز مستوى التجارة.
الخطوة الرابعة؛ نظراً لأهمية موضوع جودة المنتجات المصدّرة ومعرفة حاجة الزبائن، يجب أن يضع القطاع الخاص نفسه وأن يعمل في أجواء أكثر تنافسية.
0 تعليق