منذ بدء أول اقتراح بشأن التعاون الإقتصادي بین دول أوراسیا في عام 1994 الداعي إلی تشکیل إتحاد اقتصادي أوراسي في عام 2015، لخلق التقارب الإقتصادي في منطقة أوراسیا، تم اتخاذ تدابیر مختلفة من أجل تسهیل العلاقات الإقتصادیة من بینها تشکیل المجتمع الإقتصادي الأوراسي لتوسیع وتنسیق النشاطات الإقتصادیة والإتحاد الجمرکي وخلق الأجواء الإقتصادیة المشترکة بین دول المنطقة. الإتحاد الإقتصادي الأوراسي هو کتلة اقتصادیة تتشکل من خمس دول هي أرمینیا، وروسیا، وکازاخستان وقیرغیزستان وبیلاروسیا، التي تتمتع حوالي 183 ملیون نسمة نشطة، و 1900 ملیار دولار الناتج المحلي الإجمالي و تحتل المرتبة الأولى في إنتاج النفط، والمرتبة الثانیة في إنتاج الغاز، والمرتبة الرابعة في انتاج الطاقة الکهربائية و تعتبر إحدی الأسواق الإستثماریة المزدهرة في العالم.

من جهة أخری، یمکن أن یکون التعاون التجاري والسیاسي والثقافي بین ایران و هذه الدول جذاباً للغایة بسبب قرابة المعنى العميق لایران مع الدول الأوراسیة، والتي تعد احیاناً جزءاً من الحضارة الإیرانیة القدیمة و لها طقوس وتقالید مشترکة. وبعد إنهیار الإتحاد السوفیتي، أقیمت علاقات تجاریة جیدة بین ایران ومعظم الدول فی آسیا الوسطی والقوقاز، ولکن مع مرور الوقت، تأثرت هذه العلاقات بالمتغیرات المتداخلة وإنخفضت بشدة.

لعب الکیان الصهیوني في جنوب القوقاز وأيضاً السعودیة، وترکیا والصین فی آسیا الوسطی، قلّصت نظرة وترکیز دول الجوار الشمالية نحو إیران تدریجیاً و دفعتها نحو هذه الجهات الفاعلة، حتی أن مستوی و حجم علاقات دول مثل طاجیکستان وترکمانستان في اسیا الوسطی تجاه إیران ـ الدولتان اللتان لهما قرابة ثقافية وتقالید اكثر مع إيران ـ، انخفض بنسبة الخمس أو أقل منه خلال السنوات الـ 10 الماضیة، کما أضحت جمهوریة اذربیجان في جنوب القوقاز، التي لها قرابة عرقية أكثر مع ایران، ساحة للصهاینة.

ومع وصول الحکومة الـ 13 إلی السلطة، أصبحت سیاسة “الجیران أولا” فی أولویة السیاسة والتجارة الخارجية.

فضلاً علی العلاقات الثنائیة، یمکن للعلاقات الإقلیمیة و ربط المصالح الإقتصادیة لـدول الجوار الشمالية بقدرات ایران، تحقیق المزید من الإنجازات للبلد. العضویة الدائمة لإیران في منظمة شنغهاي تستغرق سنتین إلی ثلاث سنوات، ومن الأفضل استخدام قدرة الإتحاد الإقتصادي الأوراسي في إطار إتفاقیة التجارة التفضیلیة في هذه الفرصة.

الأهمیة الإقتصادیة لهذا الإتحاد کبیرة لدرجة أنه مع تشکیله، أعربت الدول المختلفة عن رغبتها بالعضویة فیه. يبلغ حجم التبادل التجاري بین الإتحاد الأوراسي و دول العالم حوالي850 ملیار دولار. ویتعلق 331 ملیار دولار من هذا الحجم بـالإستیراد. وحصة إیران من حجم هذا التبادل التجاري تبلغ حوالي 2.5 ملیار دولار حيث ملیار و 600 ملیون دولار منه يتعلق بالتورید و 823 ملیون دولار يتعلق بالتصدیر.

علی الأقل 80 بالمئة من الصادرات الأوراسیة إلی ایران، هي محاصيل زراعیة، خاصة الحبوب، و 68 بالمئة من صادرات ایران إلی أوراسیا هي أيضاً محاصيل زراعیة، خاصة الفواکه والمکسّرات. ومع ذلک، یجب الإنتباه و تبیین هذه الفرصة للتجار بأن إتفاقیة التجارة التفضیلیة بین ایران واعضاء الإتحاد الإقتصادي الأوراسي، أعطت الإمکانیة لجمیع المنتجین والمصدرین الإیرانیین بأن یمکنهم تصدیر أکثر من 500 نوع من منتجاتهم برسوم جمرکیة تصل إلی الصفر أو القریب من الصفر بالمئة إلی خمسة دول رئیسیة عضوة هي: روسیا، وبیلاروسیا، وارمینیا، و کازاخستان و قرغیزستان. من جهة أخری، تنفیذ إتفاقیة التجارة التفضیلیة مع الإتحاد الإقتصادي الأوراسي أدی إلی تسهیل الخطوات الأولی نحو التجارة الحرة مع هذه البلدان بالنسبة للخطوات المسبقة.

بالإضافة إلی تجارة البضائع، یجب علی إیران بسبب قدراتها الجیوسیاسیة والجیوإقتصادیة العالمیة أن تنشط وتستعد للتعاون مع دول أوراسیا في مجال الخدمات لاسیما في مجالات السیاحة والعبور. تطویر هاتین الصناعتین، ستوفر الأرضیة لربط إقتصاد دول الجوار بـالجغرافیا والجغرافیا السیاسیة لإیران. وفي هذا الإتجاه، یتمتع الإنتهاء من خطوط السکك الحدیدية لمدینة رشت ـ انزلي و زاهدان ـ تشابهار بأهمیة کبری. فالدول غیر الساحلیة في أوراسیا، بحاجة ماسة للحصول علی المیاه الجنوبیة الحارة. علاوة علی ذلک، الطریق الأقصر، والأکثر اقتصادیاً و الأکثر أمناً للهند للوصول إلی اسیا الوسطی و القوقاز و ثم أوروبا هو عبر ایران.

ویشیر وجود الکثیر من دور الإقامة في جمیع انحاء ایران إلی أن بلدنا عبر التاریخ، کان مکاناً للعبور واختیاره من قبل التجار للبیع، بسبب خصائصها الجیوسیاسیة الفريدة والحصریة و یجب تعزيز هذا الدور التقلیدي والعريق. لکن النقطة المهمة التي یجب الإهتمام بها هي إعادة النظر في القوانین الجمرکیة والضرائب، فضلاً عن تسهیل عملیة التفتیش الجمرکي عند نقاط الدخول والخروج فی البلاد.

والترکیز علی السیاحة والعبور، یوفر الفرصة لإیران لربط إقتصاد دول الجوار بجیوسیاستها، وبالتالي سيترتب على عاتق الغرب إزدياد تکلفة العقوبات علی ایران في ساحة العلاقات الدولیة. فالیوم، تدفع ایران تکلفة العقوبات بنفسها و إذا تعتمد المصالح الإقتصادیة لجیران إیران علی جغرافیتها، التي تشمل في المستوی الأول على 15 بلد، فإن أي حصار أخر ضد ایران لن یواجه معارضة ایران فقط فحسب بل سترد علیها فوراً علی الأقل الدول الـ 15 الأخری، وهذا یعتبر أقل إنجازات ایران من حیث قدراتها الجیوسیاسیة والجیواقتصادیة.