المجلس الاستراتيجي أونلاين - مذكرة: فرضت الصين مؤخراً عقوبات على سبع مؤسسات ومواطنين أمريكيين، من بينهم وزير التجارة في إدارة ترامب ويلبر روس. وتأتي هذه العقوبات رداً على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على سبعة مسؤولين صينيين. في الواقع، يمكن اعتبار رد الفعل هذا استمراراً للحرب التجارية بين البلدين خلال فترة إدارة ترامب؛ لكن السؤال هو، ما هي أدوات الضغط والإمكانيات لدى البلدين تجاه بعضهما البعض، وكيف ستستمر هذه المواجهة؟
رضا مجيدزاده – باحث في الاقتصاد السياسي للتنمية
تتضح أهمية المواجهة الصينية الأمريكية عند مقارنة تجارتها النسبية مع دول مختلفة من العالم. وفقاً لإحصاءات التجارة، فخلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، انعكست العلاقات التجارية للصين والولايات المتحدة تقريباً مع دول العالم؛ أي أنه في عام 2000، كانت للصين تجارة واسعة تقتصر فقط على أجزاء من آسيا وإفريقيا وجزء صغير من أمريكا اللاتينية، وكان باقي العالم شريكاً تجارياً للولايات المتحدة، ولكن في عام 2020، اصبح للصين حضوراً قوياً إلاّ في أمريكا الشمالية حيث كان الحضور باهتاً. هذه الظروف هي جزء من رؤية “صنع في الصين 2025″، التي تقوم على تمويل السلع (خاصة في أمريكا الجنوبية وأفريقيا) وتحقيق مديونية الدول التي تتعامل معها تجارياً. حتى الآن، كانت العقوبات هي الإستراتيجية الأمريكية الرئيسية ضد الصين، لكن الصين ركزت بشكل أكبر على الكارتلات والهيمنة الاقتصادية؛ لكن خيارات البلدين في هذه المواجهة تتجاوز هذين الخيارين.
من ناحية، ركزت الصين بشكل أكبر على الخيارات الثلاثة وهي خلق تحالفات أو تكوين كارتلات، والهيمنة الاقتصادية والتعامل بالمثل، ومن ناحية أخرى، تميل الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات، وإيجاد أرضية جديدة للعب، والتحالف أو الكارتلات. وإذا افترضنا أن كلا البلدين لديهما معلومات شاملة عن إجراءات وخيارات السياسة الخارجية العملية لبعضهما البعض، يمكن عندئذ تحديد سيناريوهات مختلفة للمواجهة المستقبلية بينهما بناءً على خيارات كل منهما. على الرغم من أن اكتساب الخبرة من خلال المواجهة يمكن أن يضع استراتيجيات أو خيارات جديدة امام أي دولة. بشكل عام، فإن الهيمنة الاقتصادية وتوسيع النفوذ الاقتصادي في مختلف دول العالم هي الأولوية الأولى للصين، وفي المقابل، فإن العقوبات هي الأداة الأمريكية الرئيسية في هذه المواجهة. وفقاً لذلك، من المحتمل أن تنجرّ هذه المواجهة إلى المواقف التالية:
- تزامناً مع الهيمنة الإقتصادية للصين، تقوم امريكا بفرض المزيد من العقوبات، ولكن نظراً لخطة نفوذ الصين واعتماد الدول في مختلف المناطق عليها، فستكون مكاسب وإنجازات الصين أكثر من الولايات المتحدة. و قد تكون هذه المكاسب أقل مقارنةً بالوضع دون عقوبات، لكن التأثير الاقتصادي للصين يزيد من التكلفة التي تتحملها الدول الثالثة عند التزامها بالعقوبات الأمريكية.
- تزامناً مع الهيمنة الاقتصادية للصين وفرض العقوبات، تقوم امريكا بخلق أرضية لعب جديدة على الساحة الدولية. قد يشير انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وإشارة أمريكا الى عزمها الانسحاب من العراق بحلول نهاية هذا العام، إلى تحول في أرضية الاستراتيجية الدولية للولايات المتحدة من الشرق الأوسط إلى أجزاء أخرى من العالم ذات علاقات اقتصادية استراتيجية قوية مع الصين، أو أنها علامة دالة على تغيير الملعب في نفس المنطقة باستخدام مصادر غير عسكرية. في هذه الحالة أيضاً، ستظل الصين تتفوق على الولايات المتحدة في الإنجازات، وبالنظر إلى نهج السياسة الخارجية غير العدوانية لبايدن مقارنةً بترامب، يبدو أن القوة التفاوضية للصين قد ازدادت بسبب عقدين من ازدياد نفوذها المالي والاقتصادي في العالم.
- بما أن أياً من السيناريوين الأكثر احتمالية أعلاه لا يتمتعان بتوازن مستدام، فمن المتوقع أن تتوسع أرضية المواجهة في الوضع الحالي ولكن بشكل تدريجي، واعتماداً على تعاون مجموعة الدول السبع مع الولايات المتحدة وحلفاء الصين مع هذا البلد، بما في ذلك روسيا، عندها من المحتمل أن تحقق حالات أخرى يعتمد حدوثها بشكل كبير على المعادلات الاقتصادية لفترة ما بعد كورونا وعودة العالم إلى الوضع الطبيعي.
على الرغم من أن كلا البلدين لديهما استراتيجيات مباشرة لهذه المواجهة، فإن تغيير التوازنات والمسارات المستقبلية المحتملة لا يعتمد فقط على البلدين نفسيهما، ولكن تصرفات الفاعلين الدوليين ذوي التوجه المماثل وكذلك الشركات الكبرى عبر الوطنية والتطورات العالمية من حيث التكنولوجيا والموارد الاستراتيجية سيكون لها تأثير كبير على المسار المستقبلي لهذه اللعبة.
0 تعليق