المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال خبير في الشؤون الآسيوية إن الأدلة الأخيرة تظهر تعميق علاقات باكستان مع الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي، مع التركيز على المساعدة الاقتصادية مقابل المساعدة العسكرية، مضيفاً: "تشهد منطقة الشرق الأوسط نظاماً أمنياً جديداً يستدعي تعزيز القدرات العسكرية، ويمكن تقييم توجه الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي نحو الشرق وباكستان في هذا السياق".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار بهروز أياز إلى العلاقات بين باكستان والإمارات والرحلة التي كان من المقرر أن يقوم بها محمد بن زايد إلى إسلام آباد، قائلاً: “في 25 يناير، التقى محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، بشهباز شريف رئيس وزراء باكستان، في زيارة غير رسمية إلى مدينة رحيم يار خان في ولاية البنجاب الباكستانية، لكن بعد أن كُشف عن هذا الخبر، تقرر أن يزور بن زايد إسلام آباد في 30 يناير”.
وذكر أن هذا اللقاء أتى بعد زيارة “عاصم منير”، قائد الجيش الباكستاني، للسعودية في 5 يناير ولقائه مع وزير الدفاع وولي العهد السعوديين، ولقائه بعد أيام برئيس دولة الإمارات، مضيفاً: ” تُقيَّم هذه الزيارات على أنها تتم في سياق النظام الجديد للشرق الأوسط أي التحول من الغرب إلى الشرق ويشير إلى بدء فصل جديد في علاقات باكستان مع الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي”.
وبيَّن الخبير في الشؤون الآسيوية أن باكستان تربطها علاقات طيبة منذ فترة طويلة بالدول العربية، وخاصة الإمارات، وهي علاقات برزت بشكل أكبر في ظل قيادة زعماء حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف، موضحاً: “لقد عمقت الإمارات وباكستان في العقد الماضي علاقاتهما. فقد زار شهباز شريف الإمارات ثلاث مرات في الأشهر الثمانية التي قضاها رئيساً للوزراء، وكان الطابع الرئيسي لتلك الزيارات اقتصادياً. خلال الفترة الحالية، تتم 90 رحلة جوية من الإمارات إلى المدن الباكستانية كل أسبوع، وهذا دليل واضح على المستوى العالي للعلاقات بين البلدين”.
وشدد أياز على أن ما يجب أخذه في الاعتبار في تقييم العلاقات الجديدة بين باكستان والإمارات هو الاحتياجات الاقتصادية لباكستان والمطالب السياسية والعسكرية للإمارات بصفتها لاعباً مؤثراً في الشرق الأوسط، مردفاً: “الاقتصاد الباكستاني هش ويعتمد على الزراعة،و بسبب موقعها الجغرافي لطالما كانت الفيضانات معضلة قاتلة بالنسبة لها. وهذا الأمر، إلى جانب عدد سكان البلاد الكبير والفساد الهيكلي السياسي والاقتصادي، قد أثر على اقتصادها”.
وتابع: “لطالما اعتمد الاقتصاد الباكستاني على المساعدات المالية الخارجية والقروض أكثر من اعتماده على الإنتاج المحلي. تعد باكستان من أكثر دول آسيا مديونية، حيث تبلغ ديونها الخارجية حوالي 127 مليار دولار، أي ما يقارب ثلث ناتجها القومي الإجمالي، وهو 348 مليار دولار. وتبلغ ديونها إلى الإمارات أكثر من ملياري دولار”.
وإذ أوضح أياز أن الإمارات هي ثالث أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط بعد السعودية وتركيا، كما تُعرَف اليوم أيضاً كلاعب ناجح في التقنيات الخضراء، تطرق للمزايا الاقتصادية للإمارات بالنسبة لباكستان والشركات التي من المحتمل أن تستثمر في باكستان.
وفي إشارة إلى أهمية الشرق الأوسط بالنسبة لباكستان، ذكر أن شهباز شريف قام بـ 10 رحلات رسمية، 8 منها كانت إلى الشرق الأوسط، مصرحاً: “تعتبر القوى العاملة الباكستانية ثاني أكبر جالية مقيمة في الإمارات بعد الهنود. يعمل الباكستانيون أيضاً في السعودية والعملة الأجنبية التي يجلبونها للبلاد مهمة جداً لباكستان”.
وأكد أياز: “زاد الميزان التجاري للبلدين من 5 مليارات ونصف المليار في العام الماضي إلى أكثر من 10 مليارات ونصف المليار. ويخطط البلدان لزيادة الميزان التجاري بينهما إلى 15 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة و 40 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة. لهذا السبب ترى باكستان في الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي، خاصة الإمارات والسعودية، نقطة ارتكاز مهمة لإنقاذ اقتصادها”.
وذكر أنه في العقد الماضي، تحولت الإمارات من لاعب معتدل وغير فاعل إلى لاعب نشط يتدخل في المجالين السياسي والاقتصادي، نتيجة التغيرات الهيكلية والنظام الأمني في العالم والشرق الأوسط، مضيفاً: “ما يسمى بتطورات الربيع العربي وسلوك الولايات المتحدة مع هذه الدول، وكذلك ما حدث في العراق وأفغانستان، كانت تجربة مفيدة لدول الخليج الفارسي، خاصة الإمارات والسعودية، لتفهم أن الولايات المتحدة ليست سنداً موثوقاً فيه ويجب عليها إيلاء المزيد من الاهتمام إلى “تحسين الذات” والتوجه إلى الشرق ويمكن تقييم التعاون مع روسيا والصين في هذا السياق”.
وقال الخبير في الشؤون الآسيوية: “في العام الماضي، أثار الكشف عن منشآت عسكرية صينية في الإمارات غضب واشنطن. وهذا دليل على اهتمام الإمارات بالشرق وتحسين الذات، خاصة بعد أن رفضت الولايات المتحدة بيع الطائرة المقاتلة المتقدمة من طراز 35-F إلى الإمارات”.
واعتبر أياز العلاقات الإماراتية الحالية مع إسلام آباد، لا سيما زيارات “عاصم منير” الأخيرة إلى الإمارات والسعودية، في إطار المساعدات العسكرية الباكستانية للإمارات مقابل مساعدات اقتصادية وإرساء نظام جديد في المنطقة، قائلاً: “بالإضافة إلى هذا، هناك احتمال لأن تحاول أبوظبي تطبيع العلاقات بين باكستان والكيان الصهيوني دون اعتراف رسمي”.
وأشار إلى إلغاء زيارة محمد بن زايد إلى إسلام آباد بحجة الظروف الجوية، موضحاً: “يبدو أن الظروف الأمنية، وخاصة الهجوم الإرهابي الأخير، كانت السبب الرئيسي لذلك؛ لأن جماعة تحريك طالبان وجدت فرصة حالياً للفت الانتباه إلى نفسها وانتزاع مطالبها. مع ذلك، فإن الأدلة الأخيرة تظهر تعميق العلاقات الباكستانية مع الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي مع التركيز على قضايا المساعدات الاقتصادية مقابل الأسلحة العسكرية والتوجه نحو الصين والعلاقة المحتملة مع الكيان الصهيوني”.
واختتم المحلل للشؤون الآسيوية قائلاً: “بإمكان باكستان أن تلعب دوراً مهماً في توسيع العلاقات بين بكين وأبوظبي. إذا اطمأنت باكستان من تلقي المساعدات الاقتصادية من الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي، فمن المحتمل أن تضع خفض العلاقات مع الولايات المتحدة على جدول أعمالها، وهذه مسألة تدركها الدول العربية، إلى جانب روسيا والصين. تشهد منطقة الشرق الأوسط نظاماً أمنياً جديداً يتطلب تعزيز القدرات العسكرية أكثر ويمكن لباكستان أن تلعب في هذا المجال دوراً مهماً. كما يمكن تقييم توجه الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي نحو الشرق في هذا السياق”.
0 تعليق