المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: بعد عدة عقود من الارتباك والضبابية في العلاقات الإيرانية - المصرية، منذ عام تقريباً بدأ البلدان يرسلان إشارات عن رغبتهما في استئناف العلاقات، وقد رحب مؤخراً رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية باقتراح العراق وأكد اهمية العلاقات بين طهران والقاهرة.
الدكتور حسين إبراهيم نيا ـ خبير في الشؤون المصرية
ما يعزز ضرورة متابعة هذه الرسائل المتتالية من الجانبين، هو الثقل المؤثر للبلدين في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا من أجل حل بعض القضايا العصية على الحل والتي تتطلب بشكل جدي حل المشاكل بين إيران ومصر. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الفجوة القائمة في العلاقات بين البلدين لا يمكن إصلاحها بسهولة، ومن الضروري التركيز أولاً على القضايا الصعبة في المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية لكلا الجانبين، لتكون نقطة انطلاق للمباحثات الإستراتيجية بين البلدين؛ خاصة وأن مصر حددت سياستها الخارجية في إطار عربي وليس في إطار إفريقي، مما يزيد من تعقيد تفعيل رغبة الجانبين في استئناف العلاقات.
هذا التعقيد ناتج أيضاً عن التحديات القائمة فيما يتعلق بدول الخليج الفارسي ومسألة العلاقة بين إيران والسعودية، والتي ستؤثر بشكل مباشر على هذه العملية. في الحقيقة، لطالما أخذت القاهرة في الاعتبار القضايا الحساسة بالنسبة للدول العربية في المنطقة في سياستها الخارجية فقد كانت حريصة على علاقات إستراتيجية مع هذه الدول. على الرغم من أن العوامل المذكورة تزيد من تعقيد وصعوبة بدء العلاقة بين البلدين، إلا أنه في الوقت الحاضر يمكن لكل من إيران ومصر أن تحل بشكل مشترك بعض الأزمات في منطقتهما، خاصة في المجال الأمني والسياسي، بالتفاهم والإدراك المتبادل وبترك ما تبقى من خلافات الماضي. كما أنه من خلال إقامة العلاقات، يجب أن تشخصا مجالات التوافق وكيفية توسيع وتعميق مجالات التعاون المشترك، ومن ثم توفير مزايا وفرص وامتيازات سياسية وثقافية واقتصادية لبعضهما البعض. كما يمكن أن يكون لهذا التقارب تأثير إيجابي على التطورات في غرب آسيا وشمال إفريقيا، لا سيما في المجال الأمني. على سبيل المثال، تقع إيران ومصر في نقطتين جيوسياسيتين مهمتين في العالم.
يعد مضيق هرمز في الخليج الفارسي وقناة السويس في البحر الأحمر ممرين إستراتيجيين في العالم. إن موقع إيران الجغرافي في منطقة الخليج الفارسي، وقربها من دول آسيا الوسطى وجمهوريات القوقاز، وامتلاكها لموارد ضخمة من النفط والغاز، وتأثيرها الإقليمي، هي من بين العوامل التي تُظهر أهمية إيران لمصر. من ناحية أخرى، فإن موقع مصر الجغرافي عند ملتقى قارتين، إفريقيا وآسيا، يوضح أهمية هذا البلد بالنسبة لإيران، خاصة في مجال النفوذ في إفريقيا باعتبارها قارة المستقبل من منظور السياسة العالمية. في الوقت نفسه، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن تطورات النظام الدولي للفترة من 2025 إلى 2030 تسير في اتجاه سيؤدي إلى تغييرات واسعة بحلول ثلاثينيات هذا القرن؛ لذلك، فإن الفاعلين في النظام الدولي، سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي، يحاولون من خلال اتخاذ إجراءات وردود أفعال محددة إلى استكمال هذه الحقبة بأقل المشاكل. بمعنى أنهم يسعون إلى تقليل وإدارة الآثار المدمرة لهذه التطورات على مصالحهم وأمنهم القومي؛ ويمكن تقييم الإشارات التي يطلقها البلدان باتجاه بدء مباحثات، في هذا السياق. في الحقيقة، في ظل التطورات الحالية والمستقبلية في العالم، تضطر إيران ومصر لإدارة ضغوط النظام الدولي من خلال إنشاء أرضية مناسبة ومدروسة عبر بناء تحالفات جديدة. في هذا الإطار، ستكون للعوامل الثلاثة: الأمن والاقتصاد والسياسة أكبر تأثير على هذه المحادثات؛ على سبيل المثال، في مجال الاقتصاد، تبحث الدولتان الواقعتان في قارتين مختلفتين عن أسواق جديدة.
لذلك، على الرغم من وجود العديد من التعقيدات الخارجية والداخلية التي تحول دون تقارب البلدين، من المتوقع أن تبدأ إيران ومصر مباحثات إستراتيجية في المستقبل القريب من منطلق المصالح المتبادلة وضغوط العوامل الإقليمية والدولية. حالياً، توصلت طهران والقاهرة إلى رؤية واقعية بأنه في العديد من قضايا المنطقة، بما في ذلك قضايا الأمن والإرهاب وإرساء الاستقرار السياسي والأسواق الاقتصادية، لديهما مصالح جيوسياسية مشتركة، وهما بالنسبة لبعضهما البعض نقطة اتصال في المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية في المنطقة. لا شك في أن تعزيز التعاون بين البلدين باعتبارهما دولتين لهما تاريخ حضاري عريق سيكون له تأثير على دورهما وقوتهما في المنطقة.
0 تعليق