المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: بين عام 2012 حيث أعلنت "جبهة النصرة" الإرهابية تأسيسها و21 نوفمبر 2017 حيث أعلن "الشهيد سليماني" بشكل رسمي في بيان إنهاء وجود داعش، مرت سوريا بأصعب أيامها السياسية والأمنية والاقتصادية و... منذ الاستقلال.
حميد خوش آيند ـ خبير في الشؤون الإقليمية
إن الحروب التي أثارتها الجماعات الإرهابية والتكفيرية، والضغوط، والدعم الأجنبي غير المحدود من الولايات المتحدة والسعودية وتركيا والإمارات وما إلى ذلك لداعش وجماعات المعارضة الأخرى، قد وضعت سوريا في وضع خطير لم يكن يتصور سوى القليل من الناس أنه من الممكن أن تتحرر البلاد من هذا الوضع المعقد وتعود إلى حياتها الطبيعية. لكن حصل ذلك اليوم وبعد سنوات، وصلت سوريا إلى استقرار نسبي واستعادت جزءاً كبيراً من أراضيها.
إن العودة التدريجية إلى ظروف ما قبل الأزمة جعلت سوريا من جديد، خاصة في الأسابيع الأخيرة، في بؤرة اهتمام الدول الأجنبية خاصة الإمارات وتركيا. حيث زار وزير الخارجية الإماراتي قبل أيام سوريا للمرة الثانية خلال العام الماضي، والتقى ببشار الأسد وتحدث معه.
خلال سنوات الأزمة، كانت الإمارات من مؤيدي الإطاحة ببشار الأسد وأحد الداعمين الماليين والسياسيين للجماعات الإرهابية والمعارضة في سوريا. كما لعب هذا البلد دوراً مهماً في طرد سوريا من جامعة الدول العربية.
بالإضافة إلى ذلك، تبنت الحكومة التركية في الأشهر الأخيرة لهجة وسياسة “تصالحية” تجاه سوريا من أجل تطبيع العلاقات. حتى أنه خلال هذه الأشهر، اجتمع المسؤولون الأمنيون والعسكريون والسياسيون في البلدين عدة مرات بشكل رسمي وغير رسمي، واقترح أردوغان أيضاً لقاء نظيره السوري.
تظهر التطورات السياسية الأخيرة أن الإمارات، بمشاركة تركيا وروسيا، في طور تشكيل “علاقات جديدة” تتمحور حول سوريا.
بالنظر إلى ما ورد، ينبغي أن تؤخد في الاعتبار بعض النقاط المهمة:
النقطة الأولى؛ منذ عام 2016 وبعد فشل جهود السلام السابقة في سوريا، بما في ذلك خطة الجامعة العربية وأصدقاء سوريا والمبادرة الروسية وخطة كوفي عنان وعمليتي جنيف وفيينا وغيرها، يجري الحوار بشأن القضية السورية بمختلف أبعادها في إطار عملية تسمى “أستانة”.
والسؤال الآن هو، على الرغم من “عملية أستانة” التي أظهرت فعاليتها إلى حد كبير وعقدت 7 جولات من اجتماعاتها على مستوى القادة و 19 اجتماعاً على مختلف المستويات الأخرى، والروابط التي نشأت في إطار هذه العملية بين البلدان المستفيدة الرئيسية، ما هي الضرورة أو الحاجة لتشكيل عمليات أو علاقات أخرى فيما يتعلق بالقضية السورية؟ وما هي الدوافع العلنية والخفية لهذه التحركات والمبادرات؟
إن تأسيس أي عنوان جديد آخر لحل أزمة أو مشكلة يبدو منطقياً ومعقولاً ومبرراً في حالتين فقط؛ اولاً، في حالة أن الآليات السابقة لم تكن فاعلة ومثمرة وانتهت دون إنجازات كبيرة. ثانياً، يجب أن تكون للعملية الجديدة خبرات جديدة وضمانات تنفيذ أقوى وفاعلية أكثر من الآليات السابقة، بحيث تحقق قدراً أكبر من الفوائد لسوريا في أقصر وقت ممكن وبتكلفة منخفضة.
إن تجارب وفاعلية عملية أستانة، فضلاً عن الثقة القائمة في حلولها وآلياتها لدى دول المنطقة، تجعل تشكيل أي إطار جديد حول سوريا تحت أي عنوان أمراً غير مبرر، ألا أن يكون “عملاً موازياً” أو أن تكون هناك أهداف وراء الكواليس تتجاوز الملف السوري.
النقطة الثانية؛ في حال تشكيل عملية جديدة ما زالت دوافعها وأبعادها وأهدافها الحقيقية غير واضحة من جهة، ولا توجد أخبار عن مشاركة الداعم الأهم والأكثر فاعلية للحكومة السورية على المستوى السياسي والميداني والداخلية أي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهل سنرى فعلاً انفراجاً ملحوظاً في الشأن السوري؟!
الإجابة عن هذا السؤال بسيط وسهل. مع وجود عملية أستانة باعتبارها “النموذج الأكثر فاعلية” التي تتفق عليها العديد من الجهات الفاعلة في الأزمة السورية، فلا داعي لخلق إطار عمل آخر. أستانة هي عملية مجربة وناجحة. ونتيجة لذلك، لا يمكن البحث عن أي بديل لها.
النقطة الثالثة؛ التحركات الدبلوماسية الأخيرة حول سوريا بدور من روسيا وتركيا والإمارات، لها “جانب بارز” وهو “غياب” الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟!
الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي أهم حليف لسوريا. لعبت المساعدة الاستشارية والاستخباراتية والفنية والسياسية الإيرانية “دوراً أساسياً” في منع سقوط بشار الأسد، والقضاء على داعش، واستعادة وحدة الأراضي والسيادة الوطنية السورية.
إذن لا يمكن تجاهل دولة لها علاقات مميزة مع سوريا ولعبت دوراً رئيسياً في تجاوز هذا البلد الأزمة الداخلية، في أي تحرك لحل مشاكل سوريا وخلق ترتيبات إقليمية ودولية محتملة فيما يتعلق بها. بالطبع، من الواضح تماماً أن البعض في المنطقة، كل لأسبابه الخاصة وبما يتماشى مع مصالحه الخاصة، يفضلون أن يكون وجود إيران في عملية حل الأزمة السورية ضعيفاً أو محدوداً؛ لأنهم يعرفون أن وجود إيران سيعني تعزيز موقف الحكومة السورية.
النقطة الأخيرة هي أن السياسة التصالحية لبعض الدول العربية وغير العربية، بما في ذلك الإمارات وتركيا، التي كانت حتى وقت قريب في صفوف معارضي النظام السياسي السوري وسعت لإسقاط بشار الأسد، هي سياسة صحيحة ترحب بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية. مع ذلك، فإن العلاقات الخارجية لسوريا هي أمر خاضع لقرار الحكومة السورية، رغم أن دمشق دائماً ما أخذت بعين الاعتبار تحفظات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذا الصدد.
تتبع الجمهورية الإسلامية الإيرانية سياسة ثابتة ومستدامة تجاه سوريا، تشتمل على الخطوط العريضة التالية وتدعم أي آلية في هذا الإطار: 1- الحفاظ على السيادة وسلامة الأراضي والبنية السياسية في سوريا 2- التسوية السياسية للأزمة السورية بالحلول الداخلية والإقليمية. 3- المشاركة في إعادة إعمار سوريا. 4- التعاون في إرساء وضمان الأمن والاستقرار في هذا البلد. 5- محاولة استعادة مكانة سوريا في المنطقة والعالم الإسلامي وبين الدول العربية.
0 تعليق