المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: بعد انتهاء زيارة جو بايدن الأخيرة لآسيا بوقت قصير، أجرت كوريا الشمالية في 24 مايو ثلاث تجارب صاروخية شملت وفق المراقبين صاروخين باليستيين قصيري المدى وصاروخ عابر للقارات. وكانت هذه هي الجولة السابعة عشر من تجارب كوريا الشمالية الصاروخية في عام 2022. وفي حال تأكيدها، ستكون التجربة الأخيرة لإطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات هي الثانية منذ شهر مارس. تشير هذه التطورات إلى أن كوريا الشمالية تتجه نحو إنهاء "التعليق الطوعي" الذي تبنته منذ عام 2018.
محمد جواد قهرماني ـ محلل الشؤون الآسيوية
يبدو أن عدة عوامل ساهمت في زيادة كوريا الشمالية تجاربها الصاروخية؛ من بينها عدم جدوى توجه التفاوض مع الولايات المتحدة الذي اعتمدته كوريا الشمالية في الأعوام الأخيرة. في هذا السياق، أكد كيم جونغ أون خلال المؤتمر العام الثامن للحزب الحاكم في يناير 2021 على تطوير القدرات الصاروخية والنووية؛ إذ ترى بيونغ يانغ أن هذه التجارب، فضلاً عن تطوير وتنويع قدراتها الصاروخية، تعزز موقع البلاد في أي مفاوضات دبلوماسية.
إلى جانب ممارسات كوريا الشمالية، زادت ردود أفعال الأطراف الأخرى من تفاقم الوضع في شبه الجزيرة الكورية. شهدت زيارة بايدن لكوريا الجنوبية واليابان وكذلك قمة كواد مناقشة سبل مواجهة تصرفات كوريا الشمالية. كما أنه بعد التجارب الأخيرة لبيونغ يانغ، أجرت الولايات المتحدة وحليفتاها الآسيويتان، كوريا الجنوبية واليابان، مناورات عسكرية مشتركة. في السياق نفسه، وخلال مباحثات جرت في سول، إذ استنكر مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، ونظيره الكوري الجنوبي سلوك كوريا الشمالية، أكدا على الالتزام بالتنسيق الوثيق بين البلدين.
في ظل هذه الظروف المعقدة، يتطلب استشراف التطورات المستقبلية في شبه الجزيرة الكورية أخذ عدة نقاط بعين الاعتبار:
النقطة الأولى هي رؤية كوريا الشمالية للتطورات الخارجية وإدراكها للتهديدات التي تحدق بها. قد أصبحت القدرات العسكرية المبنية بشكل أساسي على الأنشطة النووية والصاروخية جزءاً من هوية كوريا الشمالية الدفاعية، ومخاوفها من الخارج تحول دون إجراء تعديل جدي في سياستها الخارجية.
النقطة الأخرى هي نظرة سيول تجاه تطورات شبه الجزيرة الكورية. حيث أن الجهود التي بذلها الرئيس الكوري الجنوبي السابق، مون جاي إن، للتوصل إلى النتيجة المنشودة عبر الحوار مع كوريا الشمالية (وهو ما أثار انتقادات ضده في الداخل) أثبتت في نهاية المطاف، أن تسوية الأوضاع في شبه الجزيرة أصبحت صعبة للغاية. رغم تلك الجهود، أعلن الرئيس الكوري الجنوبي الجديد، يون سوك يول الذي تولى السلطة منذ 10 مايو، عزمه لإيلاء الأولوية لتطوير العلاقات مع الولايات المتحدة. في هذا السياق، أصدر مكتب الرئيس الكوري الجنوبي بياناً على خلفية التجارب الصاروخية الأخيرى لكوريا الشمالية أكد فيه على أن هذه الإجراءات لن تؤدي إلا إلى تعزيز الردع المركب الأمريكي – الكوري الجنوبي بشكل أقوى وأسرع، وزيادة عزلة كوريا الشمالية.
من جهة أخرى، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار السياسة الخارجية لإدارة بايدن تجاه كوريا الشمالية. فمع أن ترامب أجرى ثلاث جولات تفاوض مباشر مع زعيم كوريا الشمالية حتى بدون التأكد من نياته، تعلن إدارة بايدن أنها جاهزة للمضي قدماً في مسار الحوار لكنه مشروط بإجراءات عملية من بيونغ يانغ. وحتى مع افتراض أن الأزمة الأوكرانية قد أدت إلى تركيز الولايات المتحدة على أوروبا، فإن زيارة بايدن لآسيا انطوت على رسالة بأن واشطن لم تغفل عن هذه المنطقة الإستراتيجية وفرصها وتحدياتها.
العامل الآخر الذي من شأنه أن يؤثر على مستقبل شبه الجزيرة الكورية هو التنافس الذي ظهر بين القوى العظمى وقد يتبلور بشكل جلي في أوضاع شبه الجزيرة. على سبيل المثال، استخدمت الصين وروسيا الفيتو ضد مشروع قرار مدعوم من الولايات المتحدة لفرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية؛ الأمر الذي يدل على أن اشتداد التنافس بين هذه القوى يزيد من صعوبة تحقيق الولايات المتحدة الإجماع بشأن القضايا المختلفة. وهو ما قد يؤثر سلباً إلى حد ما على فرض العقوبات على بيونغ يانغ بطريقة فاعلة وناجحة.
كنتيجة ومع أخذ العوامل المذكور أعلاه بعين الاعتبار، يمكن القول إنه ليس من المتوقع أن تؤدي السياسات التي تتبناها كوريا الشمالية وباقي اللاعبين ورؤية تلك الأطراف لتطورات شبه الجزيرة الكورية وكذلك الظروف السائدة على النظام الدولي، إلى إرساء الاستقرار والهدوء في المنطقة؛ خاصة وأن بعض التقارير والصور تشير إلى استعداد كوريا الشمالية لإجراء سابع تجاربها النووية.
0 تعليق