المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: أعلنت السويد وفنلندا مؤخراً أنهما تتقدمان بطلب الانضمام إلى الناتو، رغم أنهما كانتا تنتهجان بشكل تقليدي سياسة "عدم العضوية في أي تحالف" وظلتا ملتزمتين بها حتى في حقبة الحرب الباردة، في إطار سياسة الحياد التي كانت موسكو تعتبرها عاملاً مهماً لضمان الاستقرار في شمال أوروبا وكانت الدول الأوربية تعترف بها.
الدكتور محمد مهدي مظاهري ـ أستاذ جامعي
رغم ترحيب الناتو بما سماه تعميق التعاون مع فنلندا والسويد، اعتبر المسؤولون الروس أن هذه الخطوة استعداء علني لروسيا. في ظل هذه الظروف، يبرز سؤالان بشأن أسباب تقدم السويد وفنلندا بهذا الطلب والتداعيات الإستراتيجية المترتبة عليه؟
رداً على السؤال الأول ينبغي القول إنه رغم المحاولات الإعلامية لإظهار الهجوم الروسي على أوكرانيا السبب الوحيد وراء مخاوف البلدين وقرارهما الإنضمام إلى الناتو، لا يشكل هذا الأمر سوى جزء من الحقيقة؛ فإذا نظرنا إلى اللعبة الإستراتيجية للقوى الدولية من منظور أوسع، سندرك أنه بعد تغيير الولايات المتحدة إستراتيجيتها للأمن القومي ونقل تركيزها من الشرق الأوسط والخليج الفارسي نحو الصين وروسيا، قد تحول السعي إلى تعزيز الناتو وتوحيد أوروبا أمام روسيا من أجل إضعاف أحد الخصمين (روسيا) إلى أولوية إستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة.
لذلك، يجدر الانتباه إلى أن تعبير الدولتين الإسكندنافيتين عن رغبتهما في العضوية في الناتو ليس مجرد قرار داخلي ناجم عن حاجاتهما الأمنية، بل تم ذلك بتوجيه ودعم من الولايات المتحدة. إبرام فنلندا صفقة مع الولايات المتحدة في فبراير 2021 لشراء 64 مقاتلة إف – 35 خير دليل على هذا الأمر. فعليه، في حال انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، ستعزز أوروبا – في إطار الناتو – صفها أمام روسيا وستضع على جدول أعمالها ممارسة ضغوط شاملة على موسكو وهو ما يريده بالتحديد المسؤولون الأمريكيون؛ أي إضعاف روسيا على نفقة الحلفاء. على أساس ذلك، وفي ظل توسع الناتو وتعزيز القدرات العسكرية للجناح الأوروبي للناتو، ستتعزز الشراكة الأوروبية لاحتواء روسيا، ما يمنح الولايات المتحدة حرية أكبر للتركيز على احتواء الصين.
وأما رداً على السؤال عن التداعيات الإستراتيجية لانضمام السويد وفنلندا للناتو، فينبغي القول إن هذه الخطوة ستؤدي إلى زيادة توسع الناتو وتعزيز قدراته العسكرية وتضييق الخناق على روسيا، ما سيفضي بطبيعة الحال إلى تشديد الأجواء الأمنية وتصعيد التوترات في شمال أوروبا. رغم أن أعداد سكان السويد وفنلندا ونفقاتهما العسكرية ليست ملحوظة، لكنهما تمتلكان جيوشاً حديثة وبنى تحتية صناعية – تكنولوجية جيدة، فضلاً عن أنهما زادتا من نفقاتهما العسكرية خلال السنوات الأخيرة بسبب مخاوفهما من التهديد الروسي. فعلى سبيل المثال، بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا رفعت فنلندا ميزانيتها العسكرية من 3 إلى 5 مليارات دولار والسويد من 5 إلى 7 مليارات دولار. إذن، ستؤدي عضوية البلدين في الناتو إلى تعزيز الحلف وزيادة شموليته.
يرى الروس بوضوح أن عضوية السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي تمثل خطراً جدياً على بلادهم و في حال إنضمامهما للحلف فمن المتوقع أن نشهد اصطفافاً سياسياً – عسكرياً بين روسيا والغرب في مستقبل ليس ببعيد. في هذا السياق، فإن نشر الكرملين صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية على حدود روسيا مع فنلندا وباقي الدول الأوروبية، وغزو الدول الأوروبية الصغيرة المجاورة لروسيا، وقطع إمدادات الطاقة أو رفع أسعارها كأداة ضغط على الدول الأوروبية، وكذلك سعي الكرملين إلى استقطاب أنصار وتشكيل حلف عسكري مضاد محتمل، هي من الإجراءات التي قد تتخذها روسيا رداً على انضمام السويد وفنلندا للناتو.
لذلك، فإن توسع الناتو من جديد، لن يجلب الأمن والاستقرار للدول الأوروبية، بل يضعها في مواجهة روسيا ويحول أوروبا إلى أداة لتحقيق أهداف ومصالح الولايات المتحدة ويعرقل التطور السياسي والاقتصاي في القارة الخضراء ويجعل من منطقتي شرق وشمال أوروبا بؤرة جديدة للأزمات على خريطة العالم الجيوسياسية.
0 تعليق