أكد الدكتور سيد كمال خرازي، خلال الدورة الرابعة لمؤتمر الحوار الإيراني ـ العربي التي انعقدت في الدوحة تحت عنوان "علاقات قوية ومنافع مشتركة"، على ضرورة التضامن الإقليمي لمواجهة التحديات المشتركة، مؤكداً: أن الأمن الجماعي ليس أمراً مستورداً، بل يجب أن ينبع من الداخل دون تدخل خارجي.
وأشار رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، خلال مراسم افتتاح الدورة الرابعة لمؤتمر الحوار الإيراني ـ العربي، والتي أُقيمت يوم أمس بمبادرة ومشاركة مشتركة بين المجلس ومركز الجزيرة للدراسات، إلى الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، محذراً من أن الكيان، بدعم من الغرب، لا يواصل عمليات القتل الممنهج بحق الفلسطينيين فحسب، بل يستخدم المجاعة كسلاح حرب من خلال حظر الغذاء والدواء.
كما أشار الدكتور خرازي إلى النزعة التوسعية للكيان الصهيوني استناداً الى الشعار القديم “من النيل إلى الفرات”، قائلاً إن احتلال أراضي سوريا ولبنان بهدف تفكيك هذين البلدين، هو دليل على تنفيذ هذه السياسة، وعلى دول المنطقة الوقوف بوجه هذه السياسة.
واعتبر رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية أن الدبلوماسية النشطة وتشكيل منتدى حوار إقليمي هما الحل الأساسي لتقليل التوترات، داعياً الدول العربية إلى توحيد جهودها من أجل وقف فوري لإطلاق النار وملاحقة جرائم حرب الكيان الصهيوني قانونياً.
وفي جزء آخر من كلمته، الذي ركّز فيه على القضايا الاقتصادية، شدد الدكتور خرازي على أهمية التعاون التكميلي في مجالات الطاقة، والبيئة، والنقل، والسياحة، واقترح أن تستفيد دول المنطقة من إمكانات بعضها البعض في إطار التعاون المشترك للتنمية المستدامة بدلاً من التنافس.
وفي ختام كلمته، أشار إلى أن إيران مدت يد الصداقة دائماً إلى جيرانها، قائلاً: مستقبل المنطقة يجب أن يُبنى على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
يذكر أن الدورة الرابعة لمؤتمر الحوار الإيراني – العربي ستستمر بمشاركة مسؤولين وخبراء إيرانيين وعرب حتى 12 من مايو/أيار الجاري في الدوحة.
وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَصْحَابَ الْمَعَالِي وَالسَّعَادَةِ، الزُّمَلَاءَ الْأَعِزَّاءَ، السَّيِّدَاتِ وَالسَّادَةَ،
يُشَرِّفُنِي أَنْ أَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْجَمْعِ النُّخْبَوِيِّ، لِأَعْرِضَ وُجْهَاتِ نَظَرِي حَوْلَ التَّطَوُّرَاتِ الرَّئِيسِيَّةِ فِي الْمِنْطَقَةِ. فِي الْبِدَايَةِ، أُودُّ أَنْ أُعَبِّرَ عَنْ تَقْدِيرِي وَامْتِنَانِي لِحُسْنِ الاسْتِقْبَالِ وَكَرَمِ الضِّيَافَةِ لِقَطَر حُكُومَةً وَشَعْبًا، وَلِلإِجْرَاءَاتِ الَّتِي قَامَ بِهَا مَعْهَدُ الْجَزِيرَةِ لِلدِّرَاسَاتِ فِي تَنْظِيمِ هَذَا الِاجْتِمَاعِ. وَآمُلُ أَنْ تُسْهِمَ حِوَارَاتُنَا وَتَبَادُلَاتُنَا فِي هَذَا الِاجْتِمَاعِ فِي تَحْقِيقِ عُنْوَانِهِ الْقَائِمِ عَلَى مَبْدَأ “علاقات قوية ومنافع مشتركة”.
أَصْحَابَ الْمَعَالِي وَالسَّعَادَةِ،
ازْدِهَارُ أَيِّ مَنْطِقَةٍ يَتَطَلَّبُ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، الْتِزَامًا جَمَاعِيًّا مِنْ أَعْضَائِهَا بِالسَّلَامِ وَالِاسْتِقْرَارِ. وَيَجِبُ أَنْ يُبْنَى مُسْتَقْبَلُ أَيِّ مَنْطِقَةٍ عَلَى أَيْدِي دُوَلِهَا، عَلَى أَسَاسِ الِاحْتِرَامِ الْمُتَبَادَلِ، وَتَكَافُؤِ السِّيَادَةِ، وَالشُّعُورِ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ، لِأَنَّ الْأَمْنَ الْجَمَاعِيَّ لَا يُسْتَوْرَدُ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُنْشَأَ مِنَ الدَّاخِلِ، دُونَ تَدَخُّلٍ خَارِجِيٍّ.
تَدْعَمُ الْجُمْهُورِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الْإِيرَانِيَّةُ إِيجَادَ بِيئَاتٍ شَامِلَةٍ وَمُسْتَدَامَةٍ لِلْحِوَارِ بَيْنَ دُوَلِ الْمِنْطَقَةِ مِنْ أَجْلِ تَعْزِيزِ السَّلَامِ وَالِاسْتِقْرَارِ وَالِازْدِهَارِ. نَحْنُ نُؤَكِّدُ عَلَى الدِّبْلُومَاسِيَّةِ النَّشِطَةِ، وَالتَّسْوِيَةِ السِّلْمِيَّةِ لِلْخِلَافَاتِ. وَمِنْ وُجْهَةِ نَظَرِنَا، الْجِيرَانُ لَيْسُوا مُنَافِسِينَ، بَلْ هُمْ شُرَكَاؤُنَا الْأَسَاسِيُّونَ فِي الْوُصُولِ إِلَى مُسْتَقْبَلٍ يَسُودُهُ السَّلَامُ. إِيرَان مُسْتَعِدَّةٌ لِإِجْرَاءِ حِوَارَاتٍ ثُنَائِيَّةٍ وَمُتَعَدِّدَةِ الْأَطْرَافِ لِتَعْزِيزِ الشَّفَافِيَّةِ وَالثِّقَةِ، وَتَقْلِيلِ سُوءِ الْفَهْمِ. وَفِي هَذَا السِّيَاقِ، أُؤَكِّدُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ إِنْشَاءِ مُنْتَدًى لِلْحِوَارِ الْإِقْلِيمِيِّ، كَمَا كُلِّفَ بِهِ الْأَمِينُ الْعَامُّ لِلْأُمَمِ الْمُتَّحِدَةِ فِي الْقَرَارِ ٥٩٨ الصَّادِرِ عَنْ مَجْلِسِ الْأَمْنِ.
الزُّمَلَاءُ الْأَعِزَّاءُ،
فِي الْمَجَالِ الِاقْتِصَادِيِّ، تَمْتَلِكُ إِيرَانُ رُؤْيَةً لِتَقَدُّمِ الْمِنْطَقَةِ قَائِمَةً عَلَى التَّعَاوُنِ الْجَمَاعِيِّ وَالتَّنْمِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ. منْطِقَتُنَا الْغَنِيَّةُ بِالْمَوَارِدِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَالَّتِي تَضُمُّ شَبَابًا نَشِطِينَ، وَتَقَعُ جُغْرَافِيًّا بَيْنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، تَمْلِكُ إِمْكَانِيَّاتٍ وَطَاقَاتٍ كَبِيرَةً، لَكِنَّ هَذِهِ الْإِمْكَانِيَّاتِ بَقِيَتْ بِمُعْظَمِهَا دُونَ الِاسْتِفَادَةِ بِسَبَبِ التَّوَتُّرَاتِ الْجُيُوْسِيَاسِيَّةِ وَالسِّيَاسَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ غَيْرِ الْمُتَنَاسِقَةِ.
تَدْعَمُ إِيرَانُ الِاقْتِصَادَاتِ الْمُكَمِّلَةَ فِي الْمِنْطَقَةِ بَدَلًا مِنَ الِاقْتِصَادَاتِ الْمُتَنَافِسَةِ، وَتُرَحِّبُ بِالْمُقْتَرَحَاتِ الَّتِي تُعَزِّزُ التِّجَارَةَ الْإِقْلِيمِيَّةَ الْبَيْنِيَّةَ وَالِاسْتِثْمَارَ فِي مَجَالَاتٍ مِثْلَ: الطَّاقَةِ، وَالنَّقْلِ، وَالْخِدْمَاتِ اللُّوجِسْتِيَّةِ، وَالسِّيَاحَة. تَنْوِيعُ اقْتِصَادِ الْمِنْطَقَةِ هَدَفٌ مُشْتَرَكٌ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ إِلَّا مِنْ خِلَالِ التَّعَاوُنِ.
وَفِي قِطَاعِ الطَّاقَةِ تَحْدِيدًا، هُنَاكَ الْعَدِيدُ مِنَ الْفُرَصِ لِلتَّعَاوُنِ فِي الْمِنْطَقَةِ، لَيْسَ فَقَطْ فِي مَجَالِ النِّفْطِ وَالْغَازِ، بَلْ أَيْضًا فِي كَفَاءَةِ اسْتِخْدَامِ الطَّاقَةِ وَتَطْوِيرِ التِّقْنِيَّاتِ الْحَدِيثَةِ وَالْمُتَجَدِّدَةِ. وَمِنْ خِلَالِ مُوَاءَمَةِ سِيَاسَاتِنَا، يُمْكِنُنَا تَعْزِيزُ دَوْرِ مَنْطِقَتِنَا فِي أَمْنِ الطَّاقَةِ الْعَالَمِيِّ.
السَّيِّدَاتُ وَالسَّادَةُ،
الْأَوَاصِرُ الثَّقَافِيَّةُ هِيَ حَجَرُ الْأَسَاسِ لِلتَّضَامُنِ الْإِقْلِيمِيِّ. التَّارِيخُ الْمُشْتَرَكُ، وَتَقَارُبُ اللُّغَاتِ، وَالتَّقَالِيدُ الْفَنِّيَّةُ وَالثَّقَافِيَّةُ الْغَنِيَّةُ، تُعَبِّرُ عَنْ تَنَوُّعِنَا وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ وَحْدَتِنَا. وَالتَّبَادُلُ الثَّقَافِيُّ أَدَاةٌ فَعَّالَةٌ لِلْفَهْمِ الْمُتَبَادَلِ، وَالتَّفَاهُمِ، وَالِانْسِجَامِ الِاجْتِمَاعِيِّ.
التَّعَاوُنُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّكْنُولُوجِيُّ يُمَثِّلُ مَجَالًا مُهِمًّا آخَرَ مِنْ مَجَالَاتِ الْمَصَالِحِ الْمُشْتَرَكَةِ. إِيرَان مُسْتَعِدَّةٌ لِتَقَاسُمِ تَجَارِبِهَا، وَتَعَلُّمِ الدُّرُوسِ مِنْ إِنْجَازَاتِ جِيرَانِهَا. إِنَّ الدِّبْلُومَاسِيَّةَ الْعِلْمِيَّةَ أَدَاةٌ لِبِنَاءِ الْقُدُرَاتِ وَالثِّقَةِ. وَنَحْنُ نُقْتَرِحُ إِنْشَاءَ مَرَاكِزَ أَبْحَاثٍ مُشْتَرَكَةٍ، وَتَعْزِيزَ التَّعَاوُنِ بَيْنَ الْجَامِعَاتِ، وَآلِيَّاتِ تَبَادُلِ الْبَيَانَاتِ بَيْنَ دُوَلِ الْمِنْطَقَةِ.
أَصْحابَ المَعالِي وَالسَّعادَةِ،
مِنْطَقَتُنا تُواجِهُ تَحَدِّياتٍ عَميقَةً وَعاجِلَةً، وَعَلى رَأْسِها الكارِثَةُ الإِنْسانِيَّةُ المُسْتَمِرَّةُ في قِطاعِ غَزَّةَ. فَالْكِيانُ المُحْتَلُّ، وَبِاسْتِخْدامِ الأَسْلِحَةِ الغَرْبِيَّةِ، يُواصِلُ ارْتِكابَ جَرائِمَ ضِدَّ الشَّعْبِ الفِلَسْطينِيِّ بِشَكْلٍ مُمَنهَج وَيَقْتُلُ الْمَدَنِيِّينَ يَوْمِيًّا، بِمَن فيهِمُ الأَطْفالُ وَالنِّساءُ وَكِبارُ السِّنِّ، كَما يَسْتَخْدِمُ الْمَجاعَةَ كَسِلاحِ حَرْبٍ مِنْ خِلالِ مَنْعِهِ دُخولَ الْماءِ وَالطَّعامِ إِلى غَزَّةَ.
إِنَّ مُمارَساتِ الْكِيانِ الصِّهْيَوْنِيِّ في الْمِنْطَقَةِ لا تَقْتَصِرُ عَلى احْتِلالِ غَزَّةَ عَسْكَرِيًّا، بَلْ يَسْعى هَذا الْكِيانُ لِتَحْقِيقِ أَطْماعِهِ التَّوَسُّعِيَّةِ تَحْتَ شِعارِ “مِنَ النِّيلِ إِلى الْفُراتِ”، وَيَقُومُ بِعُدْوانِهِ الْمُسْتَمِرِّ عَلى لُبْنانَ وَسورِيَا بِهَدَفِ تَقْسِيمِ تِلْكَ الدُّوَلِ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرى، فَإِنَّ الْيَمَنَ، بِسَبَبِ دَعْمِهِ لِفِلَسْطينَ، يَتَعَرَّضُ لِهَجَماتٍ مُتَكَرِّرَةٍ مِنْ قِبَلِ الْوِلاياتِ الْمُتَّحِدَةِ وَالْكِيانِ الإِسْرائِيلِيِّ، وَقَدْ تَمَّ تَدْمِيرُ بُنْيَتِهِ التَّحْتِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ.
أَمامَ هذِهِ الأَزَماتِ، لا بَدِيلَ عَنْ تَعْزِيزِ التَّضامُنِ وَالتَّنْسِيقِ الإِقْلِيمِيِّ. يَجِبُ عَلى دُوَلِ الْمِنْطَقَةِ تَوْحِيدُ جُهُودِها الدِّبْلُوماسِيَّةِ، وَالْمُطالَبَةُ بِوَقْفٍ فَوْرِيٍّ لِإِطْلاقِ النّارِ، وَتَفْعِيلُ الآلِيّاتِ الْقانونِيَّةِ الدُّوَلِيَّةِ لِمُواجَهَةِ جَرائِمِ الْحَرْبِ الَّتي يَرْتَكِبُها الْكِيانُ الإِسْرائِيلِيُّ.
كَذلِكَ، يَجِبُ إِنْشاءُ مِنَصّاتٍ مُشْتَرَكَةٍ لِلْمُساعَداتِ الإِنْسانِيَّةِ، وَصُنْدُوقٍ لِدَعْمِ النّازِحينَ، وَإِعادَةِ إِعْمارِ الْمَناطِقِ الْمَنْكوبَةِ بِالْحَرْبِ. فَالسَّلامُ وَالْعَدالَةُ وَالتَّنْمِيَةُ لا تَتَحَقَّقُ إِلّا مِنْ خِلالِ الْعَمَلِ الْجَماعِيِّ.
وَفِي الْخِتامِ، أُؤَكِّدُ أَنَّ الْجُمْهُورِيَّةَ الإِسْلامِيَّةَ الإِيرَانِيَّةَ مُلْتَزِمَةٌ بِإِيجادِ مِنْطَقَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، مُزْدَهِرَةٍ، وَمُتَماسِكَةٍ. إِنَّ نَهْجَنا يَقُومُ عَلى احْتِرامِ سِيادَةِ الآخَرينَ، وَالتَّعاوُنِ مِنْ أَجْلِ الْمَصالِحِ الْمُشْتَرَكَةِ. مُواجَهَةُ التَّحَدِّياتِ الْمُعَقَّدَةِ تَتَطَلَّبُ الْوَحْدَةَ وَالثِّقَةَ وَالْعَمَلَ الْمُشْتَرَكَ.
فَلْنَبْنِ الْمُسْتَقْبَلَ عَلى أَساسِ التَّعاوُنِ، لا كَفاعِلينَ مُتَفَرِّقينَ، بَلْ كَجِيرانٍ مُتَّحِدينَ. إِيران تَمُدُّ يَدَ الصَّداقَةِ، وَتَدْعُو جَميعَ الشُّرَكاءِ الإِقْلِيمِيّينَ إِلى الانْضِمامِ إِلى هذَا الْمَسارِ.
شُكْرًا لِحُسْنِ اهْتِمامِكُمْ.
0 تعليق