المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ تقرير تحليلي: تلعب الأتربة والغبار دوراً مهماً في النظام البيئي، حيث تؤثر على العمليات الكيميائية للغلاف الجوي والمناخ، وخصائص الماء والتربة، وحركة العناصر الغذائية ودورة الغذاء في البيئة البحرية والبرية. يمكن أن تؤدي أيضاً إلى إتلاف المحاصيل وتؤثر سلباً على إنتاج الغذاء. يقلل الغبار من جودة الهواء ويخفض مدى الرؤية وقد يكون له آثار صحية ضارة، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي.
زهراء أصغري ـ باحثة في العلاقات الدولية
تعد الأتربة والغبار ظاهرة ناشئة تمثل نتاجاً للتطور الصناعي والاستخدام المفرط للموارد المائية، فضلاً عن تفاقم الجفاف والتغير المناخي وقلة هطول الأمطار التي أثرت على العديد من البلدان، بما في ذلك إيران، على الأقل في العقد الماضي. بطبيعة الحال، فإن هذه الظاهرة أكثر شدةً في دول غرب آسيا منها في بلدان أخرى؛ ولذلك خلقت العديد من المشاكل لهذه المنطقة. وتشير الدراسات إلى وجود حوالي 330 مليون هكتار من مصادر الأتربة والغبار في غرب آسيا وآسيا الوسطى، بعضها يرتبط بمراكز منخفضة الكثافة وبعضها يرتبط بمراكز عالية الكثافة. وفي هذه الأثناء، فإن حوالي 270 مليون هكتار من هذه المراكز عبارة عن مراكز غبار عالية الكثافة وتولد حوالي 147 مليون طن من الغبار سنوياً، وهي جزيئات يقل حجمها عن 10 ميكرون وهي فعالة جداً في تعريض صحة الناس للخطر.
في السنوات الأخيرة، وبسبب المشاكل المتزايدة التي واجهتها إيران في هذا الصدد، خاصة مع جيرانها الغربيين والجنوبيين، بما في ذلك العراق، اتخذت العديد من الإجراءات للتعامل مع الأتربة والغبار، ولكن بما أن دول الجوار لم تتعاون كما ينبغي في هذا الشأن وربما حتى هذه القضية لم تكن من أولوياتهم، لذلك اتجهت إيران نحو تطوير الدبلوماسية البيئية مع دول العالم لتقاسم القلق والحاجة الضرورية لإيجاد حل للتغلب على أزمة الغبار.
وبعد عقد الاجتماع الإقليمي حول الأتربة والغبار عام 2022 في إيران، اختارت الأمم المتحدة طهران لاستضافة الاجتماع الدولي حول التعامل مع العواصف الرملية والترابية. وعقد هذا الاجتماع في طهران يومي 9 و 10 سبتمبر/أيلول 2023 بحضور ممثلين عن 50 دولة و 15 منظمة دولية وخبراء وأساتذة جامعات وممثلي المؤسسات التنفيذية والبحثية والتعليمية.
تجدر الإشارة إلى أن جهود إيران في التعامل مع ظاهرة الأتربة والغبار بدأت في أواخر التسعينيات. وفي عامي 2018 و 2019، تم تشكيل اللجنة الوطنية لهذا الغرض، وعملت في الخطوة الأولى على تحديد مصادر الأتربة والغبار الداخلية والخارجية، وفي الخطوة الثانية، وضعت الخطط التشغيلية الداخلية والخارجية على جدول الأعمال الذي كان من بين تدابيرها تحديد أضرار الغبار وتعليمات الإعلان العام وغيرها من التدابير البرمجية. وأيضاً، بناء على اقتراح الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تم تخصيص يوم 12 يوليو/تموز من كل عام ليكون اليوم العالمي لمكافحة العواصف الرملية والترابية ووافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبعد ذلك قامت إيران بالعديد من الإجراءات والمشاورات في مجال دبلوماسية الغبار والتدابير للتصدي إزاءه داخل البلاد. وعلى وجه التحديد، تابعت منظمة حماية البيئة في ايران هذا الموضوع، وقامت إدارة هذه المنظمة بالعديد من الرحلات إلى دول العراق وسوريا وقطر والإمارات والكويت. وأدت هذه الإجراءات الواسعة إلى عقد مؤتمر الغبار الإقليمي في يوليو/تموز 2022 بحضور 11 دولة و 6 مؤسسات دولية، وتم في البيان الختامي عرض خطط العمل الإقليمية التي كانت مبادرة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وكان إنشاء صندوق إقليمي بشأن ظاهرة الأتربة والغبار من أهم الإجراءات التي تم اتخاذها بناء على اقتراح الرئيس الإيراني الراحل سيد إبراهيم رئيسي، وقد أرسل هذا الاقتراح إلى الأمم المتحدة بعد المؤتمر والبيان الختامي.
في 9 سبتمبر/أيلول 2023 انعقدت في إيران القمة الدولية للتعامل مع العواصف الرملية والترابية بحضور ممثلين عن 50 دولة، وحققت نتائج جيدة على صعيد نظرة العالم إلى ظاهرة العواصف الرملية والترابية حيث أن العالم كله توصل إلى أن الأتربة والغبار ظاهرة عالمية ويجب على جميع الدول التعامل معها معاً، في حين تم الاعتراف بإيران كمرجع لهذه القضية في العالم.
كما أنه في الاجتماع السادس لجمعية الأمم المتحدة للبيئة الذي عقد في نيروبي في الفترة من 26 فبراير/شباط إلى 1 مارس/آذار 2024، تمت الموافقة على قرار للتعامل مع الأتربة والغبار بناء على اقتراح إيران، وهو ما يمكن أن يكون مثالاً على سعي إيران لجذب اهتمام المجتمع الدولي نحو أهمية هذا التحدي المشترك. وبناء على هذا القرار، أصبحت الدول والمؤسسات الدولية الأخرى ملتزمة بالقيام بواجبها في قضية الأتربة والغبار.
وفي القرار المذكور، تمت دعوة البلدان الأعضاء وبنوك التنمية الإقليمية إلى استخدام الموارد المالية في الخطط والمشاريع الإقليمية ودون الإقليمية للتعامل مع العواصف الرملية والترابية. كما تمت دعوة البلدان الأعضاء إلى خلق القدرات اللازمة في مجال البحوث والنمذجة وأنظمة الإنذار المبكر بهدف التقليل إلى أدنى حد من آثار العواصف الرملية والترابية على المنظومات البيئية وحياة الناس. وبالإضافة إلى ذلك، كان التركيز على المشاركة في تنفيذ خطط العمل على المستويين الإقليمي ودون الإقليمي من بين أحكام هذا القرار، ودُعيت البلدان الأعضاء إلى تطوير التعاون البحثي والتقني والعلمي بين المراكز الإقليمية القائمة، لإنشاء مركز لزيادة إعداد وتنفيذ خطط العمل المذكورة. كما طُلب من المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة عقد ورشة عمل تدريبية، بمشاركة الدول الأعضاء وأعضاء الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة والمؤسسات التقنية والمالية وغيرها من المنتفعين المعنيين في جمعية الأمم المتحدة للبيئة، حول موضوع المراجعة الفنية للعواصف الرملية والغبار وآثارها السلبية على المستوى الإقليمي ودون الإقليمي.
وفي الإطار نفسه، أقيمت يوم الجمعة 12 يوليو/تموز في الأمم المتحدة، مراسم إحياء الذكرى الثانية ليوم مكافحة العواصف الترابية، التي استضافتها البعثة الدائمة للجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى الأمم المتحدة. وفي هذا الحفل الذي أقيم بحضور ممثلي مختلف الدول وخبراء البيئة ومختلف مؤسسات الأمم المتحدة، قام المتحدثون بدراسة وتحليل الأبعاد المختلفة للعواصف الترابية ومناقشة آثار هذه الظواهر على البيئة والزراعة والصحة العامة. ومع تعداد الأضرار الناجمة عن العواصف الترابية بمختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، أكد المشاركون على ضرورة التعاون الإقليمي والدولي.
وكان أحد المحاور الرئيسية لهذا الاجتماع هو البحث في طرق حديثة للتنبؤ بالآثار المدمرة للعواصف الترابية والحد منها. وفي هذا الصدد، عرض ممثلو مختلف الدول تجاربهم وإنجازاتهم في مجال مشاريع الحد من العواصف الترابية. كما تم استعراض قرارات الأمم المتحدة بشأن مكافحة العواصف الترابية والتأكيد على تنفيذها بشكل أكثر فعالية. وشدد الممثلون على أهمية التثقيف العام وزيادة وعي الناس بالمخاطر التي تسببها العواصف الترابية وطرق الوقاية منها.
والحقيقة أن حوالي ملياري طن من الأتربة والغبار يدخل الغلاف الجوي سنوياً، مما يؤثر على أكثر من 150 دولة في جميع القارات ويشكل تهديداً لتحقيق 11 هدف من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر والأهداف المرتبطة بها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تصل الخسائر الاقتصادية الناجمة عن العواصف الرملية والترابية إلى ملايين الدولارات. كما يشمل التغير المناخي تغيرات في درجات الحرارة ومستويات هطول الأمطار وانخفاض الغطاء النباتي ومستوى مخاطر العواصف الرملية والترابية وزيادة المخاطر المرتبطة بها في بعض المناطق. وسيواجه أولئك الذين يعتمدون على الزراعة في المناطق القاحلة، عواصف رملية وترابية أكثر تكراراً وانتشاراً وشدة.
ويأتي الاحتفال السنوي باليوم الدولي لمكافحة العواصف الرملية والترابية كمحاولة لزيادة الوعي العام بأهمية مكافحة العواصف الرملية والترابية من أجل تعزيز صحة الإنسان وتعزيز الاستخدام والإدارة المستدامة للأراضي وزيادة الأمن الغذائي والمقاومة تجاه التغيرات المناخية وتعزيز سبل العيش المستدامة.
ومن ناحية أخرى فإن التعاون الإقليمي في حل مشكلة العواصف الرملية والترابية وآثارها أمر ضروري باعتبار أن هذه العواصف عابرة للدول.
0 تعليق