المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: في السنوات الأخيرة ومع تنامي قوة الصين، يمكن ملاحظة أن أنشطة الصين في مناطق مختلفة من العالم قد اتسعت بوضوح. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، أنشطة بكين في القطب الجنوبي. فعلى الرغم من أنها قامت ببناء أربع محطات أبحاث في القارة القطبية الجنوبية في العقود الماضية، إلا أن بناء محطة خامسة سيكون مهماً من بعض الجوانب.
محمد جواد قهرماني ـ خبير في الشأن الصيني
رغم عقود من النشاط الصيني في القارة القطبية الجنوبية، أي منذ عام 1983 عندما انضمت الصين إلى نظام معاهدة القارة القطبية الجنوبية، فإن بعض الدول القريبة من المناطق القطبية، وكذلك الدول الغربية، تشكك في أهداف الصين. التوترات والمنافسة بين الصين والولايات المتحدة جعلت واشنطن مصممة على تقديم صورة سلبية عن نوايا الصين في مختلف المجالات والمناطق، فضلاً عن جمع شركاء لمواجهة هذا البلد. لا يقتصر نطاق التنافس على المناطق الجغرافية، بل يمكن رؤيتها أيضاً في مجال التقنيات الجديدة والفضاء وما إلى ذلك. في مثل هذا الوضع، يحاول كل من الطرفين وبالتزامن مع العمل على تعزيز قدراته، جعل سرديته للتطورات السردية السائدة.
يضاف إلى هذا الموضوع أن بعض التطورات في سياسات الصين كان لها أثر في زيادة الاهتمام بسياسات بكين في المناطق القطبية. لقد أولت الصين مزيداً من الاهتمام لهذه المنطقة منذ وصول شي جين بينغ إلى السلطة. ولأول مرة في عام 2015، اقترح شي جين بينغ مصطلح “القوة العظمى القطبية”، ونشرت الصين وثيقة سياسة القطب الشمالي في عام 2018. بالإضافة إلى ذلك، في الاجتماع التشاوري الأربعين لمعاهدة القارة القطبية الجنوبية في مايو/أيار 2017، والذي عقد في بكين لأول مرة، تم إصدار الكتاب الأبيض حول أنشطة الصين في القطب الجنوبي.
تسعى الصين لتحقيق أهداف مختلفة من خلال توسيع أنشطتها في القارة القطبية الجنوبية. أولاً، مجرد النشاط في المناطق القطبية يمكن أن يكون رمزاً لتحول هذه الدولة إلى قوة متفوقة العالم. وبهذا المعنى، تسعى الصين الآن من خلال تواجدها في المناطق القطبية إلى نيل الاعتراف بنفسها كقوة متفوقة من قبل الآخرين، بغض النظر عن المكاسب المادية. ومن المؤكد أن تطور أنشطة بكين العلمية في هذا المجال سيساعد في هذا الأمر.
وتدرك الصين أنه مع التطورات الجديدة، بما في ذلك تطوير التقنيات الجديدة، فإن شروط ومضمون المعاهدات والاتفاقيات السابقة المتعلقة بالقارة القطبية الجنوبية قد لا تكون مناسبة للظروف الجديدة وكذلك للظروف التي ستنشأ في المستقبل. لذلك، لا تريد بكين أن تكون بعيدة عن الاتفاقيات الجديدة المحتملة أو عملية صياغة المعايير الجديدة المتعلقة بالأنشطة في هذه المنطقة الجغرافية.
المسألة الأخرى هي أنه على الرغم من أن بروتوكول مدريد لعام 1998 بشأن حماية بيئة القطب الجنوبي يحظر جميع الأنشطة المتعلقة بالموارد المعدنية في القطب الجنوبي، باستثناء البحث العلمي، لكن مع الأخذ في الاعتبار أن الفترة الزمنية الممتدة لمدة 50 عاماً (حتى عام 2048) والمحددة لإحداث تغيير أو تعديل فيه تحدَّد بموافقة جميع الأعضاء، تسعى بكين من خلال تطوير الأنشطة العلمية إلى الاستعداد لأي تغيير في هذا البروتوكول واحتمالية السماح بالأنشطة الاستخراجية في هذه المنطقة بعد انقضاء هذه الفترة.
إلى جانب هذه الأهداف، ينبغي الإشارة كذلك إلى فرص الصين لممارسة أنشطة مراقبة. تقع محطة الأبحاث الصينية الجديدة المعروفة باسم تشينلينغ في جنوب أستراليا ونيوزيلندا، مما سيمكن بكين من جمع المعلومات من هاتين الدولتين. ومع تقدم التقنيات الجديدة، تنمو القدرات أكثر في هذا المجال.
بشكل عام، ينبغي القول إنه في الوقت الذي يزيد الغرب من ممارسة الضغوط على الصين، ستواصل هذه الدولة جهودها للعب دور في القارة القطبية الجنوبية. وستكون هذه ورقة يمكن لبكين استخدامها في علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول المعنية في المنطقة. كما أن تطور أنشطة الصين سيعني أن هذا البلد سيكون جهة فاعلة ستمنع أي تغيير في ضوابط العمل في المنطقة، بما في ذلك من خلال صياغة معايير محتملة جديدة، دون الأخذ في الاعتبار ملاحظات بكين.
0 تعليق