المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: الانخفاض غير المسبوق في منسوب مياه بحر قزوين أصبح في الآونة الأخيرة أحد الأخبار المهمة في الأوساط الإعلامية والسياسية والبيئية. بدأ الانخفاض المستمر والسريع في مستوى بحر قزوين في عام 1996 واستمر حتى يومنا هذا.
برسام محمدي ـ خبير القضايا الإقليمية
انخفض منسوب المياه في بحر قزوين، وهو أعمق من الخليج الفارسي، بحوالي متر واحد في السنوات الأخيرة وقد ينخفض بمقدار 9 إلى 18 متراً أخرى بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، مما يفقد ربع مساحته، ما يعادل 93 ألف كيلومتر مربع وفي العامين الماضيين، حدث تراجع بحوالي 60 سم في السواحل الإيرانية. وعلى الجانب الكازاخستاني، يبلغ هذا الرقم عشرات الكيلومترات. ويكون الانخفاض في مستوى بحر قزوين أكثر وضوحاً في شواطئه الشمالية الضحلة.
أكدت وزارة البيئة الكازاخستانية أن المساحة المائية لبحر قزوين انخفضت بأكثر من 22 ألف كيلومتر مربع، ينتمي أكثر من نصفها إلى الجزء الشمالي من بحر قزوين، أي 7% في كازاخستان.
وفيما يتعلق بأسباب انخفاض منسوب مياه بحر قزوين، يمكن تحديد ثلاث فئات من العوامل الطبيعية والبشرية:
العامل الأول هو التغير المناخي، مثل ارتفاع درجة حرارة الجو، وقلة هطول الأمطار، وزيادة التبخر وغيرها، والتي يوجد حولها خلافات بين العلماء، حتى أن البعض لا يعتبر هذا العامل أحد الأسباب الرئيسية.
أما العامل الثاني، وهو في الواقع السبب الأساسي في هذا الصدد، فهو بناء السدود الروسية على نهر الفولغا. يتم إمداد بحر قزوين بمياهه من خلال حوالي 130 نهراً، 85% منها تنتمي إلى نهر الفولغا، وهو أطول نهر في أوروبا حيث يبلغ طوله 3700 كيلومتر، ويمر عبر 20 مدينة رئيسية في روسيا. وفي السنوات الأخيرة، قامت روسيا ببناء 40 سداً على هذا النهر ويجري بناء 18 سداً آخراً. تلعب هذه المشكلة دوراً مهماً في تقليل تدفق المياه الداخلة إلى بحر قزوين.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي ذكر تطوير ميناء أكتاو، الذي كان في السابق مدينة، باعتباره العامل البشري الثاني. هذا الميناء، الذي كان في الأصل مدينة صغيرة لتعدين اليورانيوم، تم تحويله إلى مدينة صغيرة مع إنشاء محطة جديدة للطاقة النووية ومحطة لتحلية المياه، ويتم توفير غالبية المياه الصناعية فيه من بحر قزوين. كما يعد التلوث الناجم عن التنقيب عن النفط أحد الأسباب الأخرى في هذا المجال.
إذا لم يتم النظر في حل مبدئي وصحيح لمنع انخفاض مياه بحر قزوين، فإن هذه الظاهرة يمكن أن تكون لها عواقب اقتصادية وديموغرافية خطيرة، بالإضافة إلى تراجع كبير في مياه البحر وارتفاع منسوب الأرض والساحل، خاصة في دول المنبع (روسيا وكازاخستان) وجفاف الأراضي الرطبة والمناطق المحمية، والجغرافيا السياسية والأمن للمنطقة بأكملها، وخاصة لدولها الساحلية الخمسة.
في المجال البيئي والاقتصادي، يمكننا عد زيادة ملوحة مياه البحر وتكثيف الآثار الضارة لمياه الصرف الصحي المنطلقة في البحر، والتصحر، وتعريض صحة سكان البلدان الساحلية للخطر من العواصف الترابية والمعادن، وانقراض الأنواع الحيوانية و سلسلة الحياة، والتحديات التي تواجه تشغيل الموانئ والشحن، ونتيجة لذلك، عرقلة المسارات الاقتصادية والصناعية، والانخفاض الحاد في الدخل من صيد الأسماك، وما إلى ذلك، كعواقب مهمة لانخفاض مياه بحر قزوين.
وعلى الصعيد السياسي والأمني، فإن انخفاض مياه بحر قزوين لا يخلو من تداعيات. مع الأخذ في الاعتبار أن الأزمات البيئية بطرق مختلفة مثل تدمير الأراضي الزراعية، وإغلاق الصناعات التحويلية، وانخفاض رفاهية السكان، والهجرة، وتراجع صناعة السياحة، وانخفاض الدخل البحري لسكان المناطق الساحلية، وانتشار البطالة وانتشار الأمراض المختلفة وغيرها لها تأثير مباشر على الحياة والاقتصاد ومعيشة الناس في البلدان الساحلية، وبالتالي على المدى المتوسط، بسبب عدم ثقة الجمهور في أداء الحكومات والدول، فإن تأجيج الاحتجاجات الشعبية يمكن أن يؤدي إلى مشاكل أمنية وسياسية مختلفة، بما في ذلك تحديات في إدارة الوضع الداخلي وإضعاف وتهديد الوجود الوطني لهذه الدول، خاصة في منطقة المنبع، ويعرض أمنها القومي للخطر في نهاية المطاف.
وعلى الساحة الجيوسياسية، يمكن أن يؤدي انخفاض مياه بحر قزوين إلى توسيع الصراعات الجيوسياسية في المنطقة مع جهود الدول الساحلية، وخاصة في المنبع، لتجنب المخاطر الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن هذه القضية والحفاظ على خطوط الترانزيت والشحن.
وفي النهاية، ونظراً لأهمية التهديدات المتأثرة بانخفاض مياه بحر قزوين وضرورة التحرك الفوري ووضع استراتيجية للتعامل معها، يتم اقتراح الحلول التالية:
الأول؛ الجهد الخاص الذي تبذله البلدان الساحلية لتنفيذ اتفاقية إطار حماية البيئة البحرية لبحر قزوين المعتمدة في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2003.
الثاني؛ السيطرة الصارمة على الموارد المائية لنهر الفولغا من خلال إلزام وممارسة الضغوط السياسية والقانونية وحتى الاقتصادية على روسيا، مع التشاور مع الدول المعنية، والفهم الفعال لهذه القضية لموسكو بأن أداء هذه الدولة في أراضيها ينبغي أن يتماشى مع مبدأ “منع الإضرار” والاستغلال المعقول والعادل لنهر الفولغا وتجنب الحاق الخسائر على البلدان الأخرى؛
الثالث؛ بذل جهود منسقة بين الدول المطلة على بحر قزوين لتنفيذ نهج مشترك لإدارة مستجمعات المياه مع فهم أفضل للتغيرات المناخية في بحر قزوين بحيث يمكن إعداد النماذج للتنبؤ بشكل أفضل بمستوى ومساحة بحر قزوين.
الرابع؛ مراقبة صارمة مع ضمان التنفيذ على استخدام مياه هذا البحر للأغراض الزراعية والصناعية؛
الخامس؛ إغلاق الطريق المائي إلى خليج قره بوغاز كول في تركمانستان للحد من التبخر البحري؛
السادس؛ تقديم التوصيات للصناعات الساحلية بشأن التدابير التحضيرية مثل التجريف لحماية البنى التحتية الحيوية؛
السابع؛ إن زيادة الوعي العام وخلق خطاب حول الأزمة التي نشأت يمكن أن يمهد الطريق لإعادة التوازن وتنشيط بحر قزوين من خلال ممارسة ضغط الرأي العام على الحكومات في البلدان الساحلية؛
الثامن؛ استقطاب المشاركة الجادة للمنظمات الدولية من خلال التعاون المتخصص وتخصيص الموارد المالية في إدارة الأزمة البيئية لبحر قزوين.
0 تعليق