المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال مسؤول قسم دراسات شبه القارة الهندية في معهد جريان للأبحاث إن نيودلهي ليس لديها أهداف عسكرية من خلال إبرام اتفاقية لاستيراد التكنولوجيا من الولايات المتحدة بل هي تتطلع إلى تهدئة إقليمية واسعة النطاق، مضيفاً: "الهند تبحث بقوة عن التكنولوجيات الجديدة وتتابع مبادرة تحت عنوان التقنيات الناشئة والحيوية (iCET) مع الولايات المتحدة، وهي تعي أنها تخلفت في المنافسة التكنولوجية مع الصين وعليها الآن التعويض عن هذا التخلف".
في حوار مع موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار أمين رضائي نجاد إلى الزيارتين المتزامنتين لوزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين إلى الهند والإعلان عن إحراز تقدم في العقود الدفاعية الرئيسية بين البلدين وتوقيع عقد بقيمة أكثر من ثلاثة مليارات دولار لشراء 31 مسيرة حربية، قائلاً: “كانت هذه الزيارة التاسعة التي يقوم بها لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي إلى المنطقة، والتي تم فيها على وجه الخصوص بحث قضايا وتطورات منطقة المحيطين الهندي والهادئ أو الإندو-باسيفيك الاستراتيجية. وقد توصل الجانبان خلال هذه الزيارة إلى إتفاقيات لإرسال التكنولوجيا العسكرية إلى الهند، كما ناقشا بعض الخطوات في سياق مبادرة التقنيات الناشئة والحيوية”.
وذكر أنه بناءً على هذه المبادرة، تهدف الهند إلى التطور في مجال التقنيات العسكرية، مضيفاً: “وزير الدفاع الأمريكي زار أيضاً كوريا الجنوبية وأبرم اتفاقيات لتوسيع التعاون العسكري معها. وخلال رحلته الإقليمية، شارك لويد أوستن كذلك في اجتماع ADMM Plus، وهو اجتماع مشترك للمجلس العسكري لرابطة دول آسيان مع روسيا والصين وأستراليا والهند واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية. في الحقيقة، نحن نرى دبلوماسية عسكرية نشطة في هذه المنطقة من قبل الولايات المتحدة، والتي لا تهدف فقط إلى احتواء الصين، ولكن أيضاً إلى استعادة مكانة الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ الاستراتيجية”.
أشار المحلل لقضايا شبه القارة الهندية إلى أن الولايات المتحدة شبه متأكدة من أنه لا يمكن أن يحدث ما يسمى احتواء الصين لكنها على الأقل يمكن أن تكون هناك منافساً للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ الاستراتيجية، وأشار إلى المنافسات والتوترات الحدودية للهند مع الصين وباكستان، مردفاً: “في ظل هذا الوضع، تحاول نيودلهي الاستفادة من الاستراتيجية الأمريكية المتمثلة في تكثيف الضغط على الصين من أجل استعادة دورها في المنطقة وخلق توازن تجاه بكين”.
وشدد رضائي نجاد على أن الهند كانت تبحث منذ البداية عن تهدئة إقليمية واسعة النطاق، وتابع: “إلى جانب تنافسها مع الصين، تحاول نيودلهي تطبيق سياساتها الخاصة، بالتزامن مع تعزيز المشاريع المشتركة مع الغرب، ودون التوجه نحو عسكرة المنافسة مع دول المنطقة، وهذه هي الاستراتيجية التي تبناها الحزب الحاكم في الهند منذ عام 2014”.
ولفت رئيس قسم دراسات شبه القارة الهندية في معهد جريان للأبحاث إلى طلب الولايات المتحدة من الهند التعاون لزيادة الدعم للكيان الصهيوني في الحرب ضد المقاومة الإسلامية في غزة، والتي تمثل حماس اللاعب الرئيسي فيها، وكذلك التخلي عن الادعاءات المتعلقة بالقتل المشبوه لزعيم سيخي في كندا، وذكر أن كلا الأمرين يمكن أن يتسبّبا في تكاليف بالنسبة للهند، قائلاً: “استمراراً للنهج الذي اتبعته الهند منذ عام 2014، تحاول حل التحديات التي تواجهها من خلال خلق توازن للقوى في المنطقة”.
وفيما يتعلق بمحاولة واشنطن بناء أداة قوية ضد الصين من خلال تمكين الهند، قال: “بالتأكيد، الولايات المتحدة لم تعد مُخرِج التطورات في المنطقة؛ بل تراجع مستواها إلى مستوى لاعب في المنطقة. بعد الحرب الباردة، لم تكن الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي بل المخرج الذي كان هو من يمنح الأدوار للممثلين ويعاقبهم أو يشجعهم. الاعتقاد بأن الهند هي ذراع الولايات المتحدة في المنطقة هو تقييم بعيد كل البعد عن الحقيقة والإنصاف، وهذا التحليل يقلل من شأن الهند. لقد كان النمو الاقتصادي في الهند أعلى من النمو الاقتصادي في الصين في بعض السنوات، كما أن الطبقة المتوسطة الاقتصادية في البلاد تنمو بسرعة، ويشهد هذا البلد ثورة في مجال الطاقة تحوله إلى أحد عمالقة الهيدروجين في العالم؛ ونتيجة لذلك، لم تعد ترغب في أن تُعرّف كأنها وكيل دولة أخرى في المنطقة؛ بل تريد أن تلعب دورها الخاص والذي يجب أن يكون بَنّاءً وبعيداً عن التوترات”.
وإذ أكد على أن الهند تدرك تمام الإدراك أن النمو الاقتصادي والتنمية يعتمدان على أمن الحدود والنهوض بالبرامج الاقتصادية المحلية وليس التورط في التوترات الخارجية، أشار رضائي نجاد: “حزب بهاراتيا جاناتا ركز على هذه الاستراتيجية ونفذها بشكل جيد. إن الاتفاقية العسكرية التي وقعتها الهند مع الولايات المتحدة لنقل التكنولوجيات الحيوية والناشئة تهدف إلى الاستفادة من الولايات المتحدة أكثر من أن تكون نيودلهي ذراعاً لها في المنطقة. لكن من الطبيعي أن تعزيز مكانة الهند في المنطقة، سواء بالاعتماد على القدرات المحلية أو بمساعدة من خارج المنطقة، سيؤدي بالتأكيد إلى تقسيم كعكة القوة بين الهند والصين ويجعل حصة الصين أصغر، ومن الطبيعي أن تصاحب هذا التطور تحديات بالنسبة للهند”.
وذكر أنه كلما زادت حصة الهند من القوة، قلت حصة الصين، موضحاً: “على الرغم من أن الولايات المتحدة ستتابع بدورها سياساتها الخاصة في هذه الأثناء، إلا أن النقطة المهمة هي قرار الهند في هذا الشأن. فالهند لا تسعى إلى تصعيد التوتر، ولا يمكن اعتبار اتفاقية الدفاع مع الولايات المتحدة بمثابة اتفاقية عسكرية بحتة. حتى أنهم أبرموا اتفاقاً آخر مع الأمريكيين يهدف إلى توزيع النظام البيئي للتكنولوجيات العسكرية بين الهند والولايات المتحدة. في الحقيقة، تبحث الهند بشدة عن التكنولوجيا، إدراكاً منها بأنها قد تخلفت في المنافسة التكنولوجية مع الصين وعليها الآن التعويض عن هذا التخلف”.
ووصف رضائي نجاد الجهود المبذولة لتطوير مراكز البحث والتقنية في الهند بأنها جزء من هذه الاستراتيجية مردفاً: “حتى ناريندرا مودي اختبر ذات مرة مدى تقدم هذه الاستراتيجية مع نتنياهو. هو كان أول رئيس وزراء للهند يزور الأراضي المحتلة؛ وبمجرد أن وطأت قدمه أرض المطار قال “إن الهند والكيان الصهيوني توأمان تكنولوجيان، مما يعني أنني جئت إلى هنا من أجل التكنولوجيا! لكنهم أصيبوا بخيبة أمل في هذا المجال، وحتى وسائل الأعلام الهندية ذكرت في تقارير انتقادية أن الهند ضحت بمصداقيتها للتحرك نحو الكيان الصهيوني، لكنه فعلاً لم يعط تكنولوجيا للهند”!
واختتم قائلاً: “تتابع الهند حالياً هذا المسار مع الولايات المتحدة للتعويض عن تأخرها التكنولوجي عن الصين في أسرع وقت ممكن. في الحقيقة، فيما يتعلق بمستوى العلاقات مع الولايات المتحدة ولعب نيودلهي الدور الذي تريده واشنطن منها، فإن الهند هي صانع القرار الرئيسي ولا يمكن تحليل تصرفاتها هذه بأنها تأتي فقط في سياق الإستراتيجية الأمريكية الكلية للحفاظ على سيطرتها على منطقة المحيطين الهندي والهادئ الإستراتيجية”.
0 تعليق