جدیدترین مطالب
أحدث المقالات
تداعيات الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي ضد جرائم الكيان الإسرائيلي على النظام القانوني والسياسي العالمي

في حوار مع الموقع الالكتروني للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية حول الرأي الأخير الصادر عن محكمة العدل الدولية قال الدكتور محسن جليلوند: “أن هذا الرأي ليس مجرد رأي استشاري، بل هو إعلان صريح عن المسؤولية الدولية للكيان الصهيوني في انتهاكه للقانون الإنساني”. وأضاف: “أكدت المحكمة بوضوح غير مسبوق أن الكيان الإسرائيلي لا يزال قوة احتلال في غزة، وأن أي مبرر أمني لا يمكن أن يبرر الحصار الإنساني أو منع إيصال المساعدات”.
ويرى هذا الخبير في الشؤون الدولية أن “مثل هذا الرأي يُنشئ عملياً إطاراً جديداً لمساءلة الكيان الإسرائيلي قانونياً في المنظمات الدولية، إذ أكدت المحكمة للمرة الأولى على الصلة المباشرة بين مسؤولية الدولة المحتلة وحق المدنيين في الحياة، وفسرت هذا الأمر ضمن الالتزامات القانونية الملزمة”.
وأوضح جليلوند أن “هذا الرأي يمكن أن يشكل أساساً لإجراءات لاحقة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة وربما مجلس الأمن، خصوصاً إذا ما قامت الدول الإسلامية والعربية باستخدامه لطرح مسألة رفع الحصار عن غزة رسمياً على جدول أعمال المجلس”. وذكّر بأن “المحكمة ألزمت في نص رأيها الكيان الإسرائيلي بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية بحرية، والامتناع عن أي إجراء ضد موظفي ومكاتب الأمم المتحدة”. وقال إن “هذا الفقرة تعني ضمنياً الاعتراف بالمكانة القانونية للأونروا وبالحصانة الدولية للأنشطة الإنسانية، وتطعن في مساعي تل أبيب لإغلاق مكاتب هذه الوكالة في القدس الشرقية”.
ردود الفعل الدولية وبداية مرحلة جديدة في الدبلوماسية القانونية
أكد جليلوند أن “الرأي الجديد للمحكمة أثار موجة من ردود الفعل العالمية؛ إذ رحب به كل من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والأمين العام للأمم المتحدة، وعدّوه خطوة في سبيل إحياء المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان. في المقابل، سعت تل أبيب وحلفائها المقربون إلى تصوير هذا الرأي على أنه سياسي فقط، غير أن الحجج القانونية القوية والاستناد المتكرر إلى اتفاقية جنيف الرابعة سدت الطريق أمام أي تأويل سياسي”.
وأشار هذا المحلل إلى أن “أي خطوة مستقبلية من قبل الكيان الإسرائيلي لعرقلة المساعدات الإنسانية يمكن أن تُعد انتهاكاً ممنهجاً للقانون الدولي، وتمهد لملاحقة قانونية في المحافل الدولية”. وأضاف: “كما أن هذا الرأي يفرض التزاماً أخلاقياً وسياسياً على الدول الثالثة؛ فالدول التي تواصل دعم حصار غزة بشكل مباشر أو غير مباشر قد تواجه مستقبلاً ضغوطاً متزايدة من الرأي العام وربما تهديدات بالملاحقة القضائية”.
ويرى جليلوند أن “الأثر الفوري لهذا الرأي هو تعزيز الشرعية الدولية للقضية الفلسطينية ضمن إطار القانون الدولي، ولا سيما في وقت سعت فيه كثير من الدول إلى حصر قضية غزة في بعدها الإنساني فقط لا القانوني”. وأردف قائلاً: “الآن عادت فلسطين لتصبح قضية قانونية وأخلاقية على جدول أعمال المجتمع الدولي، الأمر الذي يضع المصداقية السياسية للكيان الإسرائيلي في المحافل الدولية موضع تساؤل”.
تقييد هامش المناورة للكيان الإسرائيلي على الساحة الدولية
وتحدث جليلوند عن التداعيات السياسية لرأي المحكمة على الكيان الإسرائيلي قائلاً: “لقد وضع هذا القرار الكيان الصهيوني في موقف لم يعد فيه استمرار الوضع القائم ممكناً؛ فتل أبيب تواجه من جهة ضغوطاً متزايدة من المؤسسات الدولية، ومن جهة أخرى تراجعت أيضاً الحماية التقليدية التي كانت توفرها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية بسبب الثقل القانوني للقرار وضغط الرأي العام”.
وأضاف: “ستتبع الولايات المتحدة سياسة مزدوجة تجاه هذا الرأي؛ فهي لن تنتقد المحكمة رسمياً، لكنها عملياً ستعمل على تعطيل تنفيذ بنوده بالكامل، لأن أي قبول صريح بهذا الرأي يعني الإقرار باحتلال الكيان الإسرائيلي وانتهاكه لالتزاماته الإنسانية، وهو ما ستكون له تبعات سياسية ثقيلة على واشنطن”.
وأوضح الأستاذ الجامعي أن “قرار المحكمة الجديد هذا يأتي امتداداً لقرار العام الماضي الذي قضى بعدم شرعية احتلال فلسطين، ويشكل معاً أساساً قانونياً مشتركاً لإجراءات لاحقة من قبل المؤسسات الدولية”. وأشار إلى أن “المحكمة شددت في هذا القرار على مفاهيم مثل حظر تجويع المدنيين، والتهجير القسري، وتقييد المساعدات الإنسانية، وهذه كلها تشكل أمثلة واضحة على جرائم الحرب، ويمكن أن تفتح الباب لإحالة ملف الكيان الإسرائيلي إلى المحكمة الجنائية الدولية”.
وأكد هذا المحلل أن “مثل هذه التطورات ستجعل الكيان الإسرائيلي في موقع دفاعي ومعزول أكثر فأكثر على الساحة الدولية”. ويعتقد جليلوند أن “العالم اليوم يشهد تحولاً من الخطاب الأمني للكيان الإسرائيلي إلى خطاب المسؤولية الدولية، أي أن التذرع بالأمن لم يعد غطاءً قانونياً لانتهاكات حقوق الإنسان”.
وفي ختام الحوار شدد قائلاً: “إن رأي محكمة العدل الدولية، إذا ما جرى متابعته بجدية من قبل الدول المستقلة والمؤسسات الإقليمية، يمكن أن يتحول إلى وثيقة تاريخية تمهد لإنهاء حصار غزة وإحياء دور الأمم المتحدة تجاه فلسطين. وقد أثبت هذا الرأي أن القانون الدولي، وإن كان بطيئاً، ما زال قادراً على الصمود في وجه القوة والسياسة”.
			
			
			
			
			
			
			
			
0 تعليق