جدیدترین مطالب
أحدث المقالات
تحليل حول برنامج رؤية العراق 2050؛ التحديات والفرص المقبلة

قال محمدصالح صدقيان في حوار له مع الموقع الالكتروني للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية: “توقيت الإعلان عن هذا البرنامج، قبل أشهر قليلة من الانتخابات البرلمانية، يحمل رسالة واضحة”. ويرى أن “السوداني من خلال طرح أهداف طموحة يسعى لإرسال رسالة أمل إلى الرأي العام العراقي والنخب السياسية والاقتصادية. لكن الواقع الميداني العراقي وبنية السلطة المعقدة تحول دون تحقيق إنجازات ملموسة بسرعة”.
وأوضح الخبير في شؤون غرب آسيا أن “وسائل الإعلام والرأي العام العراقي لم يبدوا حماسة كبيرة تجاه رؤية 2050 بعد الإعلان عنها” ويرى أن “هذا الموضوع ليس فقط ناجماً عن ضعف الترويج وغياب التفاصيل من جانب الحكومة، بل أيضاً إلى اختلاف أولويات الشعب العراقي. ففي ظل معاناة الشعب العراقي من أزمة بطالة واسعة، وانتشار الفساد الإداري، وصعوبات المعيشة، والتحديات الأمنية، فإن مشروعاً طويل الأمد بأهداف عامة لا يمكن أن يلبّي هموم الناخبين الأساسية”. وأكد أن “في الأشهر السابقة للانتخابات، ينصب اهتمام الناس على القضايا العاجلة والملموسة؛ من مستقبل الحشد الشعبي وعلاقات بغداد وواشنطن، إلى أزمة البطالة والخدمات العامة في محافظات مثل البصرة والناصرية والنجف. وفي مثل هذه الأجواء، حتى وإن استُخدم مشروع “رؤية 2050″ أداة دعائية للحكومة، فإنه من المستبعد أن يكون عاملاً حاسماً في نتائج الانتخابات”.
ويعتقد هذا المحلل البارز في الشأن العراقي أن “السوداني يحاول من خلال هذه الخطوة إيصال رسالتين متوازيتين: الأولى استقطاب دعم النخب الأكاديمية والاقتصادية والاجتماعية لدعم الحكومة، والثانية تقديم صورة عن حكومة تستشرف المستقبل وتخطط لتنمية طويلة الأمد للعراق. لكن الواقع السياسي في العراق يكشف أن الخصوم السياسيين للحكومة يعملون على إبراز أوجه القصور، مثل العجز عن مكافحة الفساد، وحل أزمة البطالة، وتحسين الخدمات الحضرية، من أجل تقويض هذه الرسالة”.
وأشار صدقيان إلى بعض الإصلاحات والمشاريع العمرانية التي نفذتها الحكومة العراقية خلال السنوات الأربع الماضية، كتحسين شبكة الكهرباء، وبناء الجسور في بغداد، والتقدم في بعض المشاريع البنيوية، قائلاً: “رغم أهمية هذه الإنجازات، فإنها لم تغيّر بعد الصورة العامة عن فشل النظام السياسي والإداري في العراق”. وأضاف: “المشهد السياسي العراقي يجعل حتى الإنجازات الإيجابية للحكومة تتلاشى وسط غبار المنافسة الانتخابية، وتزداد الأنظار تركيزاً على الأزمات والإخفاقات”.
ويرى هذا الخبير في شؤون غرب آسيا أن “رؤية 2050” يمكن أن تتيح فرصاً كبيرة للتعاون الإقليمي، خاصة مع إيران. فالمشاريع مثل “ممر التنمية” الهادف إلى جعل العراق معبراً لـ 20% من تجارة آسيا وأوروبا ستخلق إمكانات غير مسبوقة في مجال النقل والتجارة. وبالنسبة لإيران، فإن مثل هذه المبادرات قد تفتح الطريق لتوسيع العلاقات التجارية، وتعزيز التعاون الأمني، وترسيخ الروابط السياسية مع بغداد”.
لكن صدقيان يضيف أن “تحقيق هذه الفرص يتطلب تجاوز العراق عقباته البنيوية”. ويرى أن “الأزمات البيئية، والنزاعات القومية والمذهبية، والتحديات الأمنية في المحافظات الحدودية، فضلاً عن الضغوط الخارجية على بغداد، يمكن أن تعرقل أو حتى تفشل أي برنامج تنموي”. وأكد أن “حكومة السوداني واجهت في الأشهر الأخيرة سلسلة من الضغوط، بدءاً من احتجاجات تتعلق بدفع رواتب الموظفين وصولاً إلى الانتقادات الواسعة لإدارتها الاقتصادية وملفات الفساد. وفي مثل هذه الأجواء، قد يكون إطلاق مشروع طويل الأمد محاولة لكسب اهتمام الرأي العام وخلق أجواء إيجابية قبل الانتخابات، لكنه على الأرجح لن يغير وحده مجريات السباق الانتخابي بشكل جوهري”.
وشدّد المحلل في الشأن العراقي في تقييمه على أن “حتى لو قُدّمت رؤية 2050 بتفاصيل أوفى وحظيت بدعم النخب الاقتصادية والأكاديمية، فإن تنفيذها من دون استقرار سياسي دائم أمر غير ممكن”. ويذكّر بأن “تجربة العراق خلال العقدين الماضيين أظهرت أن أي مشروع تنموي طويل الأمد معرض لتغيّر الحكومات، والخلافات البرلمانية، وضغوط القوى السياسية المختلفة”. وبالمحصلة، يرى صدقيان أن “رؤية 2050 قبل أن تكون برنامج تنفيذي عاجل، هو محاولة لرسم صورة لعراق جديد يسعى إلى التحرر من اقتصاد المنتج الواحد، والمشاركة في المعادلات الإقليمية والدولية، والانتقال من هامش الأزمات إلى مسار التنمية. غير أن تحقيق هذا الحلم يتطلب إصلاحات سياسية عميقة، واستقراراً أمنياً، وإجماعاً وطنياً، وهي شروط أساسية من دونها ستبقى حتى أفضل البرامج مجرد قائمة من الأمنيات غير المحققة”.
0 تعليق