المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: قبل فترة قصيرة، أعلنت حركة حماس عن مفاوضات مباشرة مع الإدارة الأمريكية وتوصلها إلى اتفاق للإفراج عن عِيدان ألكسندر، الأسير العسكري الأمريكي الإسرائيلي مزدوج الجنسية. بعد ذلك، أكد مسؤول رفيع في حركة حماس هذه المفاوضات المباشرة. فما هي خلفية هذا الحدث؟
جعفر قنادباشي ـ خبير في شؤون الشرق الأوسط
لطالما لعبت الولايات المتحدة دور الوسيط غير المباشر في المفاوضات الفلسطينية، لكن هذه المرة لم يكن أحد يتوقع أن تجري مثل هذه المفاوضات بين الأمريكيين وحركة حماس. في هذا السياق، طُرحت سيناريوهات مختلفة، أبرزها يرتبط بزيارة دونالد ترامب إلى المنطقة. فقد اتخذ ترامب قبل هذه الزيارة خطوتين غير متوقعتين: أولاً إيقاف الحرب في اليمن، وثانياً التفاوض مع حركة حماس. وبالتالي فإن السيناريو الذي تبادر للذهن مفاده أن الرئيس الأمريكي يُمهّد الأجواء لزيارته للمنطقة لكي يتمكن من توقيع أكبر الصفقات الاقتصادية مع الدول الغنية بالنفط المطلة على جنوب الخليج الفارسي.
في اليمن، تم التوسط عبر سلطنة عمان لمحاولة وقف الحرب بين الولايات المتحدة وأنصار الله في البحر الأحمر. وعلى الأرجح، كانت قطر هي الوسيط في المفاوضات مع حماس. ثم لاحقاً، أُعلن عن اتفاق الإفراج عن أسير أمريكي لدى حماس، مما أدت هذه المسائل بأن يُعرف ترامب لدى الشعوب العربية كشخص دخل في حوار مع حماس.
يرى أنصار هذا السيناريو أن الأخبار التي تحدثت عن عدم علم بنيامين نتنياهو بالمفاوضات بين حماس والولايات المتحدة والاتفاق على إطلاق سراح الأسير الأمريكي، هي مجرد فبركة إعلامية تهدف إلى استكمال السيناريو أمام الرأي العام. وقد نجحت هذه الإجراءات إلى حدّ ما، حيث تمكن ترامب من إظهار إنه ابتعد إلى حدٍ ما عن الأعمال الإجرامية للكيان الإسرائيلي واقترب من حماس. تلا ذلك إطلاق سراح الأسير الأمريكي، وإرسال عشرات الشاحنات المحمّلة بالمواد الغذائية إلى غزة المحاصرة.
وبالتالي، استطاع ترامب بعد هذه التمهيدات أن يوقع صفقات واتفاقات ضخمة مع ثلاث دول هي السعودية، والإمارات، وقطر. وإلّا، ولكون ترامب معروفاً بأنه أحد الداعمين الرئيسيين لنتنياهو وجرائمه في فلسطين، لكانت هذه الصفقات ستواجه اعتراضات داخلية خلال انعقادها في السعودية وحتى الدول العربية الأخرى.
كما وخلافاً لبعض الادعاءات، فقد كان الكيان الإسرائيلي على علم بإجراءات ترامب، إذ سمح بدخول الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية إلى غزة. يبدو أن هذا السيناريو كان قصير المدى، وينتهي على الأرجح بانتهاء زيارة ترامب. إذ إننا شهدنا يوم الجمعة هجمات عسكرية للكيان الإسرائيلي ضد اليمن، مما يدل على أن واشنطن قد تعود إلى سياساتها السابقة بعد ذلك. في هذا السياق، كان لدى ترامب تناقضات كثيرة في مواقفه تجاه غزة، فتارةً يدعو إلى التهجير الكامل للفلسطينيين، وتارة يتحدث عن إرسال قوات أمريكية إلى هناك، لكنه غالباً ما يدعم سياسات نتنياهو. هذا التغييرات الحادة في مواقف ترامب تعكس حالة من الارتباك في تبنّي سياسة صحيحة. لكن مع ذلك، يبدو أن موقف ترامب الغالب والأساسي هو متابعة وجهات نظر المحيطين به وكذلك الكونغرس، الذين يُعدّون من أشد الداعمين للكيان الإسرائيلي. لذلك، يجب الانتباه إلى أن العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي استراتيجية، ولن تغيّر هذه المسائل من سياسات الولايات المتحدة تجاه هذا الكيان.
من جهة أخرى، فإن الدول العربية لديها حساباتها ومصالحها الخاصة. فمنذ بداية عملية “طوفان الأقصى” قبل نحو عام وثمانية أشهر، اكتفى القادة العرب بتوجيه انتقادات خفيفة لسياسات الكيان الإسرائيلي. وفي هذه المرحلة، يسعى القادة العرب بالدرجة الأولى إلى تمهيد الطريق لزيارة ترامب بهدف إبرام صفقات تجارية طويلة الأمد، وفي الخطوة التالية ترغب هذه الدول أن تظهر بدور من يحظى بدعم أمريكي في مواجهة جبهة المقاومة. ونظراً لعلاقتهم الوثيقة بواشنطن، من غير المتوقع أن يُغيروا مواقفهم تجاه حماس بشكل كبير بعد انتهاء زيارة ترامب. القلق الأكبر لدى الولايات المتحدة، والأنظمة العربية، والكيان الإسرائيلي يتمثل في الاحتجاجات الشعبية التي تحدث في العالم العربي. وقد ثبت في الماضي أن المنطقة الآمنة من وجهة نظر الدول العربية تتحقق من خلال إضعاف جبهة المقاومة، وهي تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار دوماً في سياساتها. لذا، هي لا ترغب حالياً بأن تؤدي الإجراءات الأمريكية إلى تقوية حماس أو أنصار الله.
في المقابل، وبسبب الوضع الإنساني الصعب لأهالي غزة والجرائم التي ترتكبها الكيان الإسرائيلي، تشكّل في مجلس الأمن وفي أوروبا تيار مناهض لهذا الكيان قد يكون له تأثير ما. بل إن ضغوط الاحتجاجات الشعبية قد تدفع الولايات المتحدة إلى مطالبة الكيان الإسرائيلي بإنهاء هذا الوضع. ولهذا، يبذل الكيان الإسرائيلي في هذه الأيام كل ما بوسعه لزيادة وتيرة القتل والضغط على أهالي غزة قبل التوصل إلى أي اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار.
0 تعليق