المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: في الأسابيع الأخيرة، أصبحت متانة العلاقة بين ترامب ونتنياهو موضع تساؤل، ويبدو أن الطرفين يختلفان جوهرياً بشأن آليات التعامل مع القضايا الحساسة والتحديات القائمة في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بإيران، حماس، غزة، واليمن.
حميد خوش آيند ـ خبير في الشؤون الإقليمية
من الواضح حالياً أن رئيس الولايات المتحدة لا يولي اهتماماً كبيراً لاعتبارات الكيان الصهيوني في سياساته التي ينتهجها في المنطقة، لدرجة إنه يُقال احياناً بأن العلاقات بين واشنطن وتل أبيب قد أصابها التوتر.
تصريحات ترامب الأخيرة في البيت الأبيض، بأن وقف إطلاق النار الذي أبرمه مع حركة أنصار الله اليمنية يهدف فقط إلى منعهم من مهاجمة السفن الأمريكية، وأن إدارته لا تعارض أي هجمات مستقبلية قد يشنها اليمنيون على الأراضي الفلسطينية المحتلة، قد عزز الفكرة القائلة بأن الولايات المتحدة قد نأت بنفسها عملياً عن الكيان الصهيوني في صراعه مع أنصار الله، بل وأبقت تل أبيب بعيداً عن دائرة اتخاذ القرار التي تتمحور حول غرب آسيا وإيران.
تعود الخلافات بين ترامب ونتنياهو في الغالب إلى اختلاف وجهات نظرهما بشأن القضايا الرئيسية في السياسة الخارجية والأساليب التكتيكية للتعامل مع التحديات الإقليمية التي يواجهها الطرفان. فخلال فترة قصيرة، وبتناقض واضح مع مواقفه السابقة، قام ترامب بعدة خطوات وإجراءات دون التنسيق مع الكيان الصهيوني في ثلاث قضايا مهمة وهي البرنامج النووي الإيراني، العلاقات مع حماس التي أسفرت مؤخراً عن إطلاق سراح أسير أمريكي، وكذلك وقف إطلاق النار مع حركة أنصار الله في اليمن.
على سبيل المثال، فيما يتعلق بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، رغم أن الطرفين يعارضان إيران النووية ويعتبرونها تهديداً لأمنهما ومصالحهما القومية، إلا أن نتنياهو في الغالب يؤيد اتخاذ إجراءات استباقية وحاسمة كشن هجمات على المنشآت النووية، بينما لا يميل ترامب لمهاجمة المنشآت النووية ويفضل مزيجاً من الضغوط القصوى والدبلوماسية، وهو نهج ينتقده نتنياهو بشدة. بتعبير أدق، يرى نتنياهو ضرورة تدمير البرنامج النووي الإيراني بأي وسيلة ممكنة، في حين يؤكد ترامب بشكل أساسي بأن البرنامج النووي الإيراني يجب ألا يتضمن أبعاداً عسكرية، ويعتبر أنه من الممكن التعايش مع برنامج نووي سلمي في إيران.
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه رغم كل الاختلافات في الرؤية بين الإدارة الأمريكية ونتنياهو، فإن هذه الاختلافات لها أبعاد تكتيكية فقط، وهي متأثرة نوعاً بوجهات نظر ترامب الشخصية والمختلفة في مواجهة تحديات السياسة الخارجية في المنطقة.
وعلى الرغم من هذه الخلافات ـ حيث يعمل نتنياهو عمداً على عرقلة سياسات ترامب في المنطقة، بما في ذلك الاتفاق مع إيران ـ إلا أنه من الواضح أن هذا الأمر لا يؤثر، على المستوى الكلي، على الأسس الاستراتيجية للعلاقات بين تل أبيب وواشنطن، ولا يقلل من التزام الولايات المتحدة بدعم الكيان الصهيوني.
واللافت أن الطرفين لا يزالان لا يعترفان بهذا الاختلاف في وجهات النظر كـ “خلاف”، حيث ينفي أشخاص مثل ديفيد فريدمان، السفير الأمريكي السابق لدى الكيان الصهيوني، وجود أي خلافات بشكل كامل. فيما صرّح نتنياهو خلال جلسة مغلقة للجنة الأمن والشؤون الخارجية في الكنيست بأنه؛ لا يوجد أن انقسام بيننا وبين الأمريكيين.
كما صرّح “ستيف ويتكاف”، مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، في حديثه لوكالة بريتبارت قائلاً: بعض الخلافات البسيطة والعادية، التي لا أهمية لها على الإطلاق، يجري تضخيمها في وسائل الإعلام، ويُصوَّر الأمر كأنه أزمة كبرى، وهذا أمر سخيف.
النقطة المهمة هي أنه رغم الخلافات القائمة، إلا أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة لديهما مصالح مشتركة كثيرة، لا سيما في مواجهة التهديدات الإقليمية وضمان أمن الكيان، وهذه المصالح المشتركة لطالما كانت عاملاً أساسياً في الحفاظ على العلاقات الوثيقة بين الجانبين، بغض النظر عن الخلافات الشخصية بين القادة.
وقد أظهر ترامب مراراً بأنه داعم قوي للكيان الصهيوني، وهذا الدعم يمكن أن يساهم في خفض التوتر مع نتنياهو. ومع ذلك، يدرك ترامب تماماً أنه لا يستطيع التصرف أو اتخاذ إجراء بشأن قضايا الكيان الإسرائيلي خارج الإطار العام للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه هذا الكيان. إذ إن دعم الكيان الصهيوني والسعي لضمان أمنه تحت أي ظرف، هو من الثوابت الراسخة والمستدامة في السياسة الخارجية الأمريكية، والتي تلتزم بها جميع الإدارات بغض النظر عن توجهاتها، ما يدل على الدور والنفوذ القوي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.
ولا يُستثنى ترامب من هذه القاعدة، فهو، رغم خلافاته الشخصية، مضطر لإعطاء الأولوية للمصالح الاستراتيجية الأمريكية، والحفاظ على علاقات رفيعة المستوى مع الكيان الصهيوني. في المقابل، يدرك نتنياهو جيداً أن الحفاظ على علاقات طيبة مع الولايات المتحدة أمر حيوي لهذا الكيان، ولا خيار أمامه سوى الحفاظ والاستمرار في العلاقات الطيبة مع إدارة ترامب.
0 تعليق