المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: نظراً لتعليق المفاوضات التي استمرت لأسابيع بين روسيا والولايات المتحدة بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، لم يتمكن دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، عملياً من إنهاء هذه الحرب في الإطار الزمني الذي كان يتوقعه؛ خاصة وأن مطالب ترامب لإنهاء هذه الحرب قد أحدثت صدمة كبيرة بين القادة الأوروبيين والحكومة الأوكرانية، حيث تم عملياً تجاهل مصالحهم وظروفهم السياسية والاقتصادية في هذه المفاوضات.
مرتضى مكي ـ باحث في الشؤون الأوروبية
خلال هذه الفترة، وبالتزامن مع المشاورات التي أجرتها الإدارة الأمريكية مع روسيا في عدة جولات من المفاوضات في الرياض وإسطنبول، دعمت الحكومات الأوروبية الحكومة الأوكرانية بعزيمة أقوى من السابق، وأقرّت حُزم جديدة من الدعم المالي والعسكري لمساعدتها. حتى إن الولايات المتحدة أوكلت مسؤولية مجموعة الاتصال الغربية المكونة من 50 دولة لدعم أوكرانيا إلى الحكومة البريطانية. وبالتوازي مع جهود مجموعة الاتصال الغربية لمساعدة أوكرانيا، شكّلت الحكومات الأوروبية تحالفاً جديداً باسم “تحالف أصدقاء أوكرانيا” لجذب المزيد من الدعم لكييف. فشل الولايات المتحدة في التقريب بين مواقف أوكرانيا وروسيا لإنهاء الحرب، أتاح للحكومات الأوروبية مجالاً للمناورة لأداء دور أكثر فاعلية في مسار مفاوضات وقف إطلاق النار. وفي هذا السياق، شهدنا مواقف أكثر صراحة وجدية من قبل الحكومات الأوروبية، خاصة من فرنسا وبريطانيا وألمانيا تجاه روسيا. وكانت زيارة الرئيس الفرنسي، والمستشار الألماني، ورئيس وزراء بريطانيا، ورئيس وزراء بولندا إلى كييف رسالة قوية من أوروبا إلى موسكو، بأن عدم قبولها وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً سيقابله فرض عقوبات مالية واقتصادية واسعة؛ عقوبات من شأنها أن تخلق قيوداً جديدة على وصول البنك المركزي الروسي وعدد من المؤسسات المالية والنقدية الروسية إلى نظام سويفت.
النقطة المهمة فيما يتعلق بتحركات ومشاورات الحكومات الأوروبية، هي سعيها لمرافقة ترامب في تشكيل جبهة موحدة ضد روسيا. حيث أجرى القادة الأوروبيون اتصالاً هاتفياً من كييف مع الرئيس الأمريكي، أطلعوه على وجهات نظرهم ومواقفهم تجاه روسيا والمهلة الزمنية لوقف إطلاق النار. تدرك الحكومات الأوروبية جيداً أنهم من دون الولايات المتحدة لا يمكنهم أن يلعبوا دوراً فاعلاً في إدارة أزمة أوكرانيا، فواشنطن تمثل العمود الفقري لحلف الناتو، وبدون الولايات المتحدة لا تمتلك الدول الأوروبية سوى قدر محدود من المناورة أمام روسيا.
من ناحية أخرى، ورداً على التحركات السياسية للحكومات الأوروبية، أعلن فلاديمير بوتين، خلال اتصال هاتفي مع رجب طيب أردوغان، عن استعداده للتفاوض مع الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، في إسطنبول. وقد رحب الرئيس الأوكراني باقتراح بوتين واعتبره خطوة إيجابية إلى الأمام، لكنه استبعد أي مفاوضات مع روسيا دون إعلان وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً.
أبدت روسيا رد فعل حذراً تجاه المهلة الزمنية لوقف إطلاق النار التي طرحتها الحكومات الأوروبية. وتشير مواقف ترامب تجاه هذه التحركات أن احتمال قبول روسيا لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً ليس مستبعداً. ذلك لأن روسيا، خلال الشهرين الماضيين، رغم أن ترامب كان مستعداً لتقديم تنازلات كبيرة لموسكو، بما في ذلك الاعتراف بشبه جزيرة القرم والمناطق المحتلة في شرق أوكرانيا، إلا أنها أفشلت عملياً كل تحركاته السياسية. إصرار بوتين المفرط على تحقيق أهدافه القصوى في أوكرانيا يمكن أن يسدّ الفجوة بين الولايات المتحدة وأوروبا، ويُقرّب ترامب من الحكومات الأوروبية.
وقد أعلن ترامب، يوم الأحد 11 مايو/أيار، أنه يوم مهم لكل من روسيا وأوكرانيا، وأعرب عن دعمه لمواقف وآراء الحكومات الأوروبية وأوكرانيا فيما يتعلق ببدء المفاوضات دون شروط مسبقة وقبول وقف إطلاق النار.
في ضوء مواقف وتحركات اللاعبين السياسيين في أزمة أوكرانيا، يبدو أن روسيا باتت في مأزق حقيقي لمواصلة الحرب. إذ كان بوتين يسعى، قبل أي وقف لإطلاق النار، إلى إضفاء الشرعية على ضم شبه جزيرة القرم وأجزاء من شرق أوكرانيا إلى روسيا. ولكن إذا وافق على الدخول في مفاوضات غير مشروطة وقبول وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً، فإنه عملياً سيفقد السيطرة على إدارة المفاوضات، إذ إن هذا الوقف قد يمهد الطريق لتسوية هشة وسلام مسلح بين روسيا والغرب.
أما الحكومات الأوروبية، فهي لا ترى مستقبلاً مشرقاً في علاقاتها مع روسيا؛ ولهذا إذا تمكنت من توفير الأرضية لوقف إطلاق نار مؤقت ثم دائم، فإنها تأمل أن تستمر في فرض العقوبات على روسيا. وعليه، يبدو أن روسيا لن تتمكن بسهولة من الخروج من هذه العقوبات الاقتصادية الشديدة دون تقديم تنازلات في أوكرانيا.
0 تعليق