المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: إن دعوة أحمد الشرع، الرئيس السوري المؤقت، لحضور القمة العربية، تُعدّ رسالة من الحكومة العراقية إلى العالم العربي مفادها أن بغداد تسعى للعب دور محوري في إعادة بناء العلاقات العربية والحد من التوترات الإقليمية. ومع ذلك، لا يبدو أن الطريق أمام بغداد سيكون سهلاً. فقد جاءت دعوة الرئيس السوري المؤقت، التي تمّت بوساطة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، واللقاء الأولي للسوداني مع الشرع بالدوحة في فبراير/شباط 2025، كمؤشر على عزم العراق على التوسط في النزاعات الإقليمية.
حسين أحمدي ـ خبير في شؤون غرب آسيا
حالياً، يسعى العراق، بعد عقود من الضعف بسبب الصراعات الداخلية، إلى كسب مكانة جديدة كلاعب رئيسي في الدبلوماسية العربية. ويمكن تحليل هذه الخطوة في إطار إعادة التمثيل الدبلوماسي، حيث تعيد الدول تعريف هويتها السياسية من خلال الاستفادة من العلاقات المتعددة الأطراف.
ومع ذلك، فإن دعوة الشرع تثير تساؤلات، بسبب ماضيه كقائد سابق لهيئة تحرير الشام وارتباطه بالجماعات المتطرفة،. ورغم سعي الشرع منذ عام 2017 إلى الانفصال عن ماضيه، فإن الاتهامات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والدول الغربية ـ التي لا تزال تعتبر هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية ـ تجعل الوثوق به أمراً صعباً. كما أن لقاء أحمد البدراني، وزير الثقافة العراقي، بنظيره السوري، والتركيز على التعاون الثقافي، يُظهر جهود بغداد في إطار الدبلوماسية العامة لبناء روابط حضارية مع دمشق ضمن نهج سياسي ـ أمني في غرب آسيا، لكن هذه المبادرات قد لا تؤتي ثمارها بسبب الشكوك المحيطة بالشرع. هذه الرسالة الدبلوماسية، التي تُدار بحذر واقعي، تُظهر سعي العراق للموازنة بين الطموحات الإقليمية والمخاطر الناجمة عن خيارات مثيرة للجدل مثل حضور الرئيس السوري المؤقت في العراق.
التداعيات السياسية الداخلية
دعوة الشرع هذه لها تداعيات سياسية داخلية كبيرة في العراق، خاصةً على حكومة محمد شياع السوداني. تشير الاحتجاجات الواسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى البيانات الصادرة عن قوى سياسية، مثل حركة عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، إلى الاستياء العميق من هذا القرار. وقد حذّر الخزعلي من أن وجود الشرع قد يؤدي إلى تنفيذ حكم اعتقال قضائي بحقه، وهو ادعاء يستند إلى اتهامات تتعلق بنشاطاته في العراق، بما في ذلك التعاون مع القاعدة وداعش في العقد الأول من الألفية. وتشير التقارير إلى أن الشرع استخدم خلال تلك الفترة اسماً مستعاراً هو “أمجد مظفر حسين”، منتحلاً صفة مواطن عراقي، وهو ما أثار غضب الكثير من العراقيين.
وتكشف هذه التوترات عن انقسامات عميقة في الساحة السياسية العراقية. فالقوى المعارضة ترى في حضور الشرع شرعنة لشخصية مثيرة للجدل وإهانة لضحايا العنف في الماضي وتطهيراً للإرهاب. في المقابل، تبرّر حكومة السوداني هذه الدعوة بأنها خطوة لتعزيز الاستقرار الإقليمي وعودة سوريا إلى الجامعة العربية. هذه المواجهة، التي تشتد مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، قد تؤدي إلى عدم استقرار سياسي داخلي. ويرى محللون مثل علاء مصطفى، الباحث السياسي العراقي، أن وجود حكم قضائي بحق الشرع قد يعرّض الحكومة للمساءلة القانونية، خاصة إذا تمت هذه الدعوة دون تنسيق مع الجهات القضائية.
من منظور إقليمي، فإن مشاركة الشرع المحتملة في قمة بغداد قد تعزز من مكانة الحكومة السورية المؤقتة في الجامعة العربية. فقد سبق للشرع أن شارك في القمة العربية الطارئة في القاهرة في مارس/آذار 2025، ومشاركته في قمة بغداد قد تسهم في تعزيز علاقات دمشق مع العالم العربي. ومع ذلك، فإن الشكوك بشأن التزامه الحقيقي بالإصلاح والقطيعة مع ماضيه، تضع هذه النتيجة الإيجابية في حالة من الغموض. كما أن قرار الشرع بتغيير اسمه والقطيعة الظاهرية مع القاعدة، يُنظر إليه في الغرب على أنه محاولة للحصول على الشرعية، مما أضعف الثقة فيه.
التحديات الأمنية
أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة العراقية، هي المخاوف الأمنية المرتبطة بالمشاركة المحتملة للشرع. فماضيه كشخصية مرتبطة بالجماعات المتطرفة زاد من خطر ردود الفعل العنيفة من قبل الجماعات المسلحة. وقد حذّر عمر محمد، الباحث في جامعة جورج واشنطن، من أن هذه الدعوة قد تؤدي إلى احتجاجات منظمة أو حتى عنف موجّه، خاصة من الجماعات التي ترى في الشرع تهديداً لأمن العراق. كما زادت مقاطع الفيديو التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يظهر فيها مواطنون عراقيون يهددون الشرع، من حدة هذه المخاوف.
ويقول الباحث السياسي فاضل أبورغيف إن الحكومة العراقية ملتزمة بضمان أمن الشرع وسائر القادة العرب. ومع ذلك، فإن التعقيدات الأمنية في العراق تضع هذا الالتزام أمام تحد حقيقي. وتشير التقارير إلى أن بعض الجماعات قد تحاول عرقلة أعمال القمة من خلال الترهيب أو تسريب معلومات للأحزاب المعارضة. وقد حوّلت هذه التهديدات ـ التي تُفسّر في سياق الجغرافيا السياسية المتوترة ـ مسألة تأمين القمة إلى اختبار لقدرات الحكومة الأمنية. وأفادت بعض المصادر على وسائل التواصل الاجتماعي أن الشرع قد يُرسل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بدلاً منه إلى بغداد بسبب هذه المخاوف، وهو ما قد يُخفف التوترات، لكنه سيُقلل من الأثر الدبلوماسي للقمة.
في النهاية، تمثل القمة العربية في بغداد فرصة نادرة للعراق لتثبيت دوره كفاعل إقليمي، لكن نجاحها يعتمد على قدرة الحكومة على إدارة التوترات الداخلية والأمنية. سواء حضر الشرع أم لم يحضر، بغض النظر عن النتيجة، فإن ذلك سيعكس تعقيدات السياسة الإقليمية والتحديات التي تواجه الجامعة العربية. ويمثل هذا التطور من جهة واقعية حذرة، ومن جهة أخرى نشاطاً دبلوماسياً من قبل حكومة السوداني، وقد يكون نقطة تحول في العلاقات بين العراق وسوريا، شريطة أن يُدار بحكمة وحذر. ومع ذلك، فإن ماضي الشرع المثير للجدل وغياب أدلة قاطعة على تغيّره الحقيقي، يضعان الحكومة العراقية في موقف صعب يتطلب تقييماً دقيقاً للتداعيات المترتبة على هذه الدعوة وتكاليفها وفوائدها والتي يبدو أنها تميل أكثر لصالح الشرع.
0 تعليق