المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال دبلوماسي سابق: على الرغم من أن الادعاءات الإقليمية التي طرحها دونالد ترامب لن تشكل تهديداً جادّاً للحكومة الكندية الجديدة، إلا أن موضوع حرب الرسوم الجمركية قد يفرض عبئاً ثقيلاً على اقتصاد كندا وحكومتها الجديدة.
قال سيد وحيد كريمي في حوار مع موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية: “حزب الليبراليين الكنديين بقيادة مارك كارني حافظ على السلطة في الانتخابات العامة التي جرت في 28 أبريل/نيسان 2025، بحصوله على 167 مقعداً من أصل 343 في مجلس العموم، لكنه لم يحقق الأغلبية المطلقة. وقد جاء هذا الانتصار الهش في وقت كان قد أدى تهديد دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، بفرض رسوم جمركية ثقيلة وتصريحاته المثيرة للجدل حول ضم كندا، إلى توتر العلاقات بين البلدين. وكان الليبراليون بحاجة إلى الحصول على 172 مقعداً من أصل 343 في مجلس العموم ليتمكنوا من تشكيل الحكومة دون الحاجة إلى دعم الأحزاب الصغيرة. في الخطاب الذي ألقاه بعد انتصاره في أوتاوا، اعترف كارني قائلاً: “علاقتنا القديمة مع الولايات المتحدة، تلك العلاقة التي كانت قائمة على التكامل المتزايد، قد انتهت.” وأضاف: “نظام التجارة الحرة العالمي الذي أسسته الولايات المتحدة، وهو النظام الذي اعتمدت عليه كندا منذ الحرب العالمية الثانية، ذلك النظام الذي وإن لم يكن خالياً من العيوب، إلا أنه جلب الرفاهية لعقود من الزمن، قد انتهى الآن.” كما قال رئيس وزراء كندا: “الشهور المقبلة ستكون صعبة وستحتاج إلى تضحيات.”
الادعاء الإقليمي للولايات المتحدة؛ تهديد حقيقي أم أداة ضغط؟
واعتبر كريمي ادعاء دونالد ترامب بتحويل كندا إلى “الولاية الحادية والخمسين” للولايات المتحدة بأنه يفتقر إلى الدعم العملي ويعد جزءاً من تكتيكات رئيس الولايات المتحدة. وقال: “كندا، التي تتمتع بتاريخ طويل في الاستقلال السياسي ومكانتها كعضو في دول الكومنولث، تتمتع بهوية وطنية وسيادة قوية. هذا الادعاء تم طرحه بشكل رئيسي لزيادة الضغط السياسي وجذب الانتباه، ومن غير المحتمل أن يؤدي إلى أي خطوة عملية.”
وأشار إلى رد الفعل الحاسم من مارك كارني، رئيس وزراء كندا الجديد، الذي أعلن في خطاب انتصاره في أوتاوا قائلاً: “الولايات المتحدة تريد مواردنا، مياهنا، وأراضينا، لكن هذا لن يحدث أبداً.” واعتبر الدبلوماسي الإيراني السابق أن هذا الموقف يعد علامة على استراتيجية كارني لتعزيز القومية وجذب الدعم الداخلي والدولي. وأضاف قائلاً: “من خلال زيارته الأخيرة إلى أوروبا ولقائه مع المسؤولين البريطانيين والفرنسيين، تمكن كارني من حشد دعم دول الكومنولث والاتحاد الأوروبي لمواجهة الضغوط الأمريكية.”
استناداً إلى السجل السياسي لترامب، قال كريمي: “غالباً ما يستخدم تهديدات كبيرة للحصول على امتيازات دبلوماسية أو اقتصادية، لكن القيود الداخلية والدولية، مثل معارضة الكونغرس الأمريكي أو رد فعل الحلفاء في الناتو، تمنع تنفيذ هذه التهديدات.” وخلص إلى القول: “على الرغم من أن هذا الادعاء يسبب التوترات، إلا أنه، بالنظر إلى رد فعل كارني ودعم حلفاء كندا، لن يتحول إلى تحدٍ حقيقي لسلامة أراضي البلاد.” مع ذلك، ذكّر في الوقت نفسه بأن “كندا ليست دولة مستقلة تماماً في الوقت الحالي، بل هي تحت مظلة الدعم السياسي والدبلوماسي من بريطانيا.”
حرب الرسوم الجمركية؛ التحدي الاقتصادي والردود الاستراتيجية لكندا
وتابع كريمي بالحديث عن تأثير حرب الرسوم الجمركية على اقتصاد كندا، واصفاً إياها بأنها واحدة من أكبر التحديات التي تواجه حكومة الليبراليين. قائلاً: “منذ مارس/آذار 2025، فرضت الحكومة الأمريكية رسوم جمركية بنسبة 25% على الصلب، والألومنيوم، والسيارات الكندية، مما تسبب في ضغوط شديدة على اقتصاد كندا.” وأشار إلى أن 75% من التجارة الخارجية لكندا تعتمد على الولايات المتحدة، واعتبر هذه الرسوم معادلة خاسرة للجميع، حيث رفعت من تكاليف المعيشة للشعب الكندي وهددت النمو الاقتصادي في البلاد.
وقال الدبلوماسي السابق في بعثة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى نيويورك إن حكومة ترودو واجهت هذا التحدي من خلال استراتيجيتين أولاهما فرض رسوم جمركية انتقامية على سلع أمريكية بقيمة ٤٢ مليار دولار وهو ما يعد نهجاً هجومياً يهدف إلى الدفاع عن مصالح كندا أما الثانية فهي تنويع الشركاء التجاريين عبر تعزيز اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي CETA والدخول في مفاوضات مع دول آسيوية كاليابان والهند. واعتبر هذه الإجراءات خطوة إيجابية لكن غير كافية لتعويض الخسائر بشكل كامل مضيفاً: “كندا لا تزال تواجه تضخماً مرتفعاً وأزمة سكن واستياء عاماً مما يصعب تنفيذ هذه السياسات بالشكل المنشود”.
وأشار كريمي إلى خبرة كارني بصفته رئيساً سابقاً لبنك كندا المركزي وبنك إنجلترا مؤكداً: “كارني من خلال إدارته للأزمات المالية العالمية مثل أزمة ٢٠٠٨ والبريكست يمتلك القدرة على توجيه اقتصاد كندا”. رغم ذلك حذر من أن حكومة كارني الأقلية التي لا تملك سوى ١٦٧ مقعداً تحتاج إلى دعم الأحزاب الصغرى مثل الديمقراطيين الجدد من أجل المضي قدماً في هذه الاستراتيجيات مما يزيد من هشاشة المشهد السياسي. وأضاف: “الفشل في إدارة هذا التحدي قد يؤدي إلى تعزيز موقف المحافظين بزعامة بيير بوالييفر في الانتخابات المقبلة.”
العلاقات الإيرانية – الكندية؛ الفرص والتحديات
تابع كريمي حديثه متطرقاً إلى آفاق العلاقات بين إيران وكندا في ظلّ الحكومة الليبرالية الجديدة، مبيناً: “فوز مارك كارني والحزب الليبرالي في انتخابات كندا لن يُحدث تغييراً جذرياً في هذه العلاقات. العلاقات الثنائيّة تتأثّر بالسياسات الكلّية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأولويات الداخل الكندي، لا سيّما السعي لتخفيف التوتر مع الولايات المتحدة.” وأشار وحيد كريمي إلى تركيز كارني على إنعاش الاقتصاد وإدارة العلاقات مع واشنطن، وهو ما جعل القضايا المتعلّقة بإيران في موقع هامشي.
واعتبر هذا الدبلوماسي السابق أحد العوائق أمام تحسّن العلاقات بين إيران وكندا توجه الإيرانيين المقيمين في كندا قائلاً: “الجالية الإيرانية في كندا، التي يبلغ عددها ٤٠٠ ألف نسمة، كان يمكن أن تلعب دور الجسر في تعزيز العلاقات.” واقترح كريمي أنّ «مبادرات مثل رسائل تعبّر عن التعاطف من جانب إيران أو تواصل أكثر فاعلية مع هذه الجالية قد تُمهّد لتحسين العلاقات في المستقبل.”
0 تعليق