المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال محلل كبير في الشؤون الفلسطينية: إن الضفة الغربية المحتلة تشهد مجدداً توترات متزايدة. ونقلاً عن وكالة الأناضول، فقد منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى من زيارة قرى برقة، ودير دبوان، ودوما، وقصرة. وهي مناطق تتعرض لهجمات من قبل المستوطنين غير الشرعيين. في الوقت نفسه، اختطف مستوطنون في نابلس طفلين فلسطينيين وربطوهما بشجرة؛ حادثة يمكن اعتبارها جرس إنذار يهدد حياة الفلسطينيين. فمنذ بداية الحرب على غزة، قُتل 952 فلسطينياً وجُرح أكثر من 7000 آخرين في الضفة الغربية.
منع رئيس الوزراء الفلسطيني من السفر؛ إضعاف للسلطة الوطنية؟
في حوار مع موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، وفي إشارة الى سلوك الكيان الإسرائيلي تجاه القادة الفلسطينيين، صرح محسن فايضي: إن الإجراء الأخير الذي اتخذه الكيان الإسرائيلي بمنع رئيس الوزراء الفلسطيني من السفر إلى قرى واقعة في الضفة الغربية يشبه كثيراً النهج الذي إتبعته تل أبيب تجاه ياسر عرفات في السنوات الأخيرة من حياته. حيث عاد عرفات إلى النضال المسلح بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000 ، وكان محاصراً وتحت الإقامة الجبرية في رام الله منذ عام 2003، مما منعه من القيام عملياً بأي نشاط سياسي.
ويعتقد هذا المحلل، إن محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، أصبح الآن عالقاً في وضع مماثل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. حيث إن عدم إدانته الصريحة لعملية السابع من أكتوبر ومسايرته للموجة المناهضة لإسرائيل في العالم العربي، أثارت انتقادات شديدة من تل أبيب. وترافقت هذه الانتقادات مع إجراءات عملية اتخذتها السلطات الإسرائيلية ضده، مثل مصادرة ميزانية السلطة الفلسطينية، ومنعه من الحضور في أجزاء من الضفة الغربية، والتهديدات العلنية التي وجهها له بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني.
وأكد المحلل أن هذه الإجراءات تأتي في وقت وصل فيه التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي بقيادة ماجد فرج إلى ذروته، ومن الأمثلة الواضحة على هذا التعاون الاشتباكات الأخيرة بين قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية ومجموعات المقاومة في مخيم جنين، والتي أدت إلى مقتل عدد من رجال المقاومة وأثارت انتقادات واسعة في صفوف الفلسطينيين. لكن هذا السلوك يشكل محاولة متعمدة لتقويض اقتدار السلطة الفلسطينية، وهو ما قد يؤدي إلى تعميق الفجوة بين أهالي الضفة الغربية والقيادة الفلسطينية. في الواقع، فإن هذه الإجراءات لا تؤدي إلى إضعاف مكانة السلطة في نظر المواطنين فحسب، بل إنها تؤدي أيضاً إلى تقليص الثقة العامة في قدرة هذه المؤسسة على الدفاع عن الحقوق الفلسطينية بشكل كبير.
العنف الذي يمارسه المستوطنون وأجهزة الأمن الإسرائيلية؛ تعاون منظم؟
وتابع فايضي، مشيراً إلى تزايد أعمال عنف المستوطنين، مثل اختطاف طفلين فلسطينيين، واعتبر هذه التطورات مؤشراً على تغير طبيعة الصراعات في الضفة الغربية، قائلاً: منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وصلت اعمال العنف في هذه المنطقة إلى ذروتها واقتربت من فترة الانتفاضة الثانية. هذه الأعمال، المدعومة علناً من جانب إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، تتغذى على أيديولوجية التيارات التي تعيش في المستوطنات والدعم السياسي الذي تقدمه حكومة تل أبيب. وباعتباره أحد الشخصيات المتطرفة في حكومة نتنياهو، لم يكتف بن غفير بدعم هذه الأعمال، بل شجع المستوطنين أيضاً على تنفيذ الهجمات من خلال تسليحهم وتمويل قواعد جديدة. وقد واجه هذا الوضع انتقادات حتى داخل المجتمع الصهيوني. ويعتقد العديد من المحللين الإسرائيليين أن اعمال العنف هذه تعرض أمن اليهود أنفسهم للخطر، لأنها تؤدي إلى تزايد ردود الفعل الفلسطينية.
وأضاف المحلل إن الاشتباكات بين الأهالي في الضفة الغربية على عكس الاشتباكات بين الأهالي و الجيش في غزة، لها عواقب مختلفة. إن تصاعد عمليات “الذئاب المنفردة” بالسلاح الأبيض، والتي لا تربط بأي شكل من الاشكال بفصائل المقاومة، هو إحدى نتائج هذه التوترات. هذه العمليات، التي غالباً ما يقوم بها شباب فلسطينيون، تعكس غضباً كامناً ينبع من العنف اليومي الذي يمارسه المستوطنون وصمت قوات الكيان الإسرائيلي.
ثم يشير فايضي إلى معيار التشتت الريفي والحضري للسكان الفلسطينيين، والذي يمنع دون حدوث تغيير فوري في التركيبة السكانية، ويضيف: مع ذلك، فإن الجهود العسكرية لضم الضفة الغربية، مثل التطورات في مخيمي جنين وطوباس، تجري بشكل ممنهج. في الواقع، يبدو التعاون بين المستوطنين والجيش الإسرائيلي، رغم كونه ضمنياً، إلا أنه منظم، لأن غياب التدخل العسكري في مثل هذه الحوادث يسمح للمستوطنين فعلياً بمواصلة عنفهم بحرية أكبر.
دور المجتمع الدولي: سلبي أم عدم كفاءة؟
وحول دور المجتمع الدولي تجاه التطورات في فلسطين، قال: إن الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأوروبية مثل فرنسا بذلت جهوداً للاعتراف بدولة فلسطين من خلال الإشارة إلى هذه التطورات. على سبيل المثال، أعلنت فرنسا في الأشهر الأخيرة أن التطورات في الضفة الغربية، كانت الدافع الأكبر لهذا القرار مقارنة بأوضاع غزة. ومع ذلك، يمكن اعتبار عدم كفاءة المؤسسات الدولية، بدءاً من محكمة العدل الدولية وحتى مجلس الأمن، تحدياً أساسياً للتيارات الليبرالية والهيكلية في النظام الدولي.
ويرى محسن فايضي أن هذه المؤسسات لم تعد تمتلك التأثير الذي كانت تتمتع به في العقود السابقة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. والسبب الرئيسي وراء هذا التقاعس هو التعقيدات السياسية وضغوط القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، التي تمنع اتخاذ أي إجراء فعال من خلال دعمها غير المشروط للكيان الإسرائيلي.
كما أضاف أن هناك قدرات مهملة في المؤسسات الدولية، مثل الملاحقة القانونية الأوسع في محكمة العدل الدولية أو تفعيل آليات الضغط الاقتصادي والدبلوماسي من قبل الاتحاد الأوروبي. لكن هذه القدرات تبقى غير مستغلة بسبب غياب الإرادة السياسية ونفوذ الكيان الإسرائيلي في الهياكل الدولية.
وأكد أن المجتمع الدولي يجب أن يتجاوز الخطابات الاستعراضية وأن يتخذ إجراءات عملية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني.
استراتيجيات المواجهة الفلسطينية: في انتظار مستقبل غزة
وفي إشارة إلى تأثير التطورات في غزة على الوضع في الضفة الغربية، قال محلل الشؤون الفلسطينية: إن نتائج معركة طوفان الأقصى في غزة سيكون لها تأثير مباشر على حكومة نتنياهو، وسياسات جيش الكيان الإسرائيلي، ووضع السلطة الفلسطينية. لأن الأوضاع في غزة، بعد تحقيق استقرار نسبي، قد تؤدي إلى تغيير طبيعة وصلاحيات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. على سبيل المثال، إذا تمكنت فصائل المقاومة في غزة من تحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية كبيرة، فقد يؤدي هذا إلى تعزيز موقف المقاومة في الضفة الغربية وتقليص نفوذ السلطة الفلسطينية.
وأكد فايضي على أهمية التضامن الإقليمي تجاه القضية الفلسطينية، وقال: إن تأجيل تطبيع العلاقات بين الدول العربية وتل أبيب أتاح فرصة فريدة لإنشاء إتحاد إسلامي في مواجهة الصهيونية، واستغلال هذا التأجيل قد يمنع تحقيق حلم ضم الضفة الغربية وتغيير أوضاعها. في الواقع، إن التغيير في الضفة الغربية والقدس الشريف ليس خياراً مرغوباً فيه لأي نظام سياسي في المنطقة، لأنه قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار. وفي مثل هذه الظروف، يتعين على دول المنطقة، وخاصة محور المقاومة، زيادة الضغوط على الكيان الإسرائيلي من خلال تعزيز الدبلوماسية الإقليمية ودعم المقاومة الفلسطينية. كما أن استخدام القدرات القانونية الدولية، مثل تقديم المزيد من الشكاوى إلى محكمة العدل الدولية، يمكن أن يكون أداة فعالة لجذب انتباه العالم إلى انتهاكات حقوق الفلسطينيين.
0 تعليق