المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: أصدرت مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر، بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية، بياناً مشتركاً في اجتماع عقد في القاهرة، رفضوا فيه مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سكان غزة إلى مصر والأردن.
محمد خواجوئي ـ باحث في الشؤون اللبنانية
فيما يتعلق بمعارضة الدول العربية لخطة ترامب، يمكن الإشارة إلى ثلاثة أسباب رئيسية: السبب الأول يعود إلى قلق هذه الحكومات من آثار قبول هذا القرار على مصداقيتها. لأن هذه الخطة طرحت مباشرة بعد الحرب الدموية الأخيرة بين الكيان الإسرائيلي وحماس؛ حرب راح ضحيتها أكثر من 45 ألف إنسان، واتهمت المؤسسات الدولية الكيان الإسرائيلي بارتكاب إبادة جماعية في تلك المنطقة. إن إعلان الدول العربية في ظل الظروف الحالية موافقتها على خطة تتضمن خروج سكان هذه المنطقة يعني أن هذه الدول جزء من مشروع إبادة وتغيير ديمغرافي في تلك المنطقة، وهذا من شأنه أن يدمر صورة هذه الأنظمة والحكومات خاصة بين الشعوب العربية. والسبب الثاني يعود إلى قلق هذه الدول من العواقب السلبية التي قد تترتب على تنفيذ هذه الخطة على أمنها القومي. لأن التجربة أثبتت أن وجود اللاجئين الفلسطينيين في دول المنطقة كان له عواقب واسعة النطاق، ولبنان مثال على ذلك حيث شهدنا مدى العواقب السياسية والأمنية. ولا شك أن الوجود الفلسطيني كان أحد العوامل المساهمة في الحرب الأهلية عام 1975، مما دفع الكيان الإسرائيلي إلى مهاجمة لبنان. كما أن الوجود الفلسطيني في الأردن خلق عواقب سياسية وأمنية، ولا تزال هذه العواقب مستمرة حتى يومنا هذا. ومن ثم فإن وجود هذا العدد من السكان الفلسطينيين في تلك الدول قد يؤدي إلى تغييرات في تركيبتها السكانية.
ونظراً للتقارب الذي يتمتع به الفلسطينيون في تلك المنطقة مع حماس والإخوان المسلمين، وحقيقة أن حركة المعارضة الرئيسية في هذه البلدان، بما في ذلك مصر والأردن، هي حركة الإخوان المسلمين، فإن هذه الدول تشعر بالقلق من أن وجود مثل هذا العدد الكبير من الفلسطينيين في تلك البلدان من شأنه أن يعزز حركات المعارضة وربما يؤدي إلى سقوط الأنظمة الحاكمة. والسبب الثالث يتعلق بالتأثيرات التي ستخلفها هذه الخطة على الوضع الأمني في المنطقة برمتها. لقد قدمت تجربة حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول استنتاجاً لدول المنطقة، أنه إذا لم تحل القضية الفلسطينية بشكل عادل فإن هذه القضية، باعتبارها جرحاً مستمراً منذ ثمانية عقود وهي أقدم أزمة في المنطقة، قد تؤدي إلى أزمة تؤثر على أمن المنطقة برمتها. وكما حدث في عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإن العواقب الأمنية لهذه العملية تسببت في تأثر طرق الملاحة الدولية حتى في الممرات المائية الدولية مثل البحر الأحمر وخليج عدن. ولذلك، وبما أن قوى مختلفة في المنطقة انضمت إلى هذه الحرب وأصبحت هذه الحرب حرباً إقليمية، فقد خلق ذلك تجربة مفادها أنه إذا لم تحل القضية الفلسطينية بشكل عادل فإن عواقبها قد تؤثر على أمن كل دول المنطقة، بغض النظر عن أمنها الوطني.
ومن ثم فإن الخطط الأحادية الجانب مثل خطة ترامب، التي لا تتطرق إلى حقوق الفلسطينيين ولا تستطيع حل المشكلة جذرياً، من شأنها أن تتسبب في استمرار الأزمة. ولذلك، فمن الممكن أن يتكرر ما حدث في السابع من أكتوبر مرة أخرى.
ونتيجة لذلك، يبدو أن الدول العربية توصلت إلى استنتاج أن خطة ترامب لن تحل المشكلة، وقد تؤدي إلى تفاقم هذه الأزمة وتحولها إلى أبعاد أكثر تعقيداً، مع عواقب مستقبلية على دول المنطقة والمنطقة بأسرها. وفي هذا الصدد، فإن النظرة التي يتبناها دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو تجاه النظام الإقليمي، أي أنهما يسيران في اتجاه سيغير خريطة دول المنطقة، خلقت قلقاً شديداً بين الدول العربية، ودفعت هذه الدول إلى مقاومة خطة ترامب. وأيضاً، وبما أن مقاومة الولايات المتحدة وخططها ليست سهلة وسوف تكلف الدول العربية الكثير، فإنها ستحاول البحث عن خطط بديلة قدر الإمكان حتى لا يتم تنفيذ مثل هذه الخطط المتطرفة.
0 تعليق