المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: إن إتقان حماس وتفننها في "صناعة السرد" واستخدام تكتيكات جديدة في "الحرب النفسية" يتجاوز ما يمكن تصوره. في الأسابيع الأخيرة، حولت حماس مراسم اطلاق سراح الأسرى الصهاينة إلى مسرح لإثبات حقانيتها وشن حرب ناعمة ضد الكيان الصهيوني.
حميد خوشآيند ـ خبير في الشؤون الإقليمية
لقد كان للتغطية الإعلامية القوية التي قامت بها حماس، وبث الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بها خلال الجولات السبع لمراسم تسليم الأسرى الصهاينة، “القدرة” على التأثير في الرأي العام في المنطقة والعالم، وخاصة في الأراضي المحتلة، لدرجةٍ أثارت قلق الأوساط السياسية والعسكرية والأمنية داخل الكيان الإسرائيلي.
في هذا السياق، شنت كتائب عزالدين القسام حرباً نفسية واسعة النطاق ضد الكيان الإسرائيلي من خلال نشر مقاطع فيديو مختلفة، بحيث في إحدى الحالات “الفريدة” التي لاقت صدى واسعاً وأدت إلى “إذلال” الكيان إلى حدٍ كبير، قام أحد الأسرى الصهاينة قبل تسليمه إلى ممثلي الصليب الأحمر، بتقبيل رأس اثنين من مقاتلي حماس تعبيراً عن امتنانه.
جرت، حتى الآن، سبع جولات لتبادل الأسرى بين حماس والكيان المجرم، حيث تمكنت حماس في كل جولة من إثارة “دهشة” الرأي العام والأوساط السياسية والإعلامية و”فاجأتهم” بشكل مختلف وخاص تماماً. في الواقع، تستخدم حماس مشاهد تبدو بسيطة، لكنها تقوم بـ “سرد” الأحداث بشكل فعال ومهني.
من بين الإجراءات المهمة التي اتخذتها حماس في مراسم التبادل، تقديم “هدايا خاصة” للأسرى الصهاينة، حيث يحمل كل منها معنى ورسالة خاصة، ومن بينها:
تقديم ساعة رملية لأحد الأسرى كتب عليها بالعربية والعبرية والإنجليزية “الوقت ينفد”. تقديم هدية ذهبية لأحد الأسرى الذي أصبح أباً خلال فترة الأسر ليقدمها لابنته، مما يعكس الإنسانية والمشاعر والعواطف الأخلاقية، خاصة في ظل الظروف التي تظهر فيها آثار التعذيب والمعاناة الجسدية والنفسية على أجساد الأسرى الفلسطينيين المحررين من سجون الكيان الصهيوني. استخدام رموز مثل لافتة مكتوب عليها “عودة الحرب = عودة الأسرى الإسرائيليين في توابيت” على جثث الأسرى القتلى، وهو ما استهدف بشكل مباشر معنويات الجنود وسكان الأراضي المحتلة.
إهداء طرود متنوعة وذات معنى تشمل هدايا مثل حوامل المفاتيح، الصور، الإكسسوارات، والعلم الفلسطيني الذي يُعتبر رمزاً للمقاومة والصمود. كما تم عرض الأسلحة المتطورة التي تم الاستيلاء عليها خلال الحرب، والتي تُظهر نوعاً من استعراض القوة وتعكس القدرات الاستخباراتية والعملياتية لحماس.
في جميع جولات تسليم الأسرى، تمكنت حماس في كل منها بشكل مختلف من التواصل مع الجمهور الصهيوني داخل الأراضي المحتلة، ونقل رسالتها بشكل مباشر ودون وساطة.
كل هذا يحدث في ظل وضع يسعى فيه الكيان الصهيوني دائماً ومنذ بداية حرب غزة ولمدة 16 شهراً، باستخدام وسائل الإعلام التي يمتلكها وخاصة الشبكات الإعلامية القوية الأمريكية والأوروبية، إلى “نشر” هذه الفكرة بين الرأي العام لديه، والفلسطينيين وسكان غزة، بأن قوات حماس عنيفة وسلبية، وأن المقاومة الفلسطينية في غزة قد ضعفت وتعرضت للهزيمة، وأنها فقدت زمام المبادرة أمام قدرات الكيان الصهيوني.
خلال سبع جولات من التبادل، كان الأسرى الصهاينة بعد الإفراج عنهم يشكرون حماس على المعاملة الإنسانية التي تلقوهاخلال فترة الأسر، وهذا بحد ذاته يعتبر “دحض وبطلان” لجميع ادعاءات الكيان الصهيوني. لقد أثار هذا الأمر الرعب لدى المسؤولين الصهاينة لدرجة أن قادة الكيان أصدروا أمراً بمنع الأسرى المحررين من إجراء أي مقابلات.
علاوة على ذلك، فإن التغطية الإعلامية الخاصة التي قامت بها حماس حول تبادل الأسرى قد أثارت ردود فعل متنوعة داخل الأراضي المحتلة، مما دفع نتنياهو إلى انتقاد ما أسماه العمليات النفسية من الجانب الفلسطيني، وقرر وقف الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين حالياً، وذلك في محاولة لمنع “تشويه” صورته وسمعة كيانه. إن قرار وقف الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ليس مجرد إجراء انتقامي، بل هو ناتج أساساً عن الارتباك في مواجهة الحرب الناعمة التي تشنها حماس خلال تبادل الأسرى، والتي تتم بشكل منهجي ومنسجم وقوي.
باختصار، حتى في ظل الحصار الذي يحد من وصولها إلى التكنولوجيا والشبكات الإعلامية والاتصالية، تستفيد حماس بشكل غير مسبوق من قوة وسائل الإعلام وقدرتها الفريدة، بطريقة لم يسبق لها مثيل في العالم العربي، من أجل دحر الهياكل والمنظمات الدعائية والحرب الناعمة للكيان الصهيوني، واستعراض قوتها و”إذلال” هذا الكيان. إن قيمة الجهد الإعلامي والحرب الناعمة لحماس في الظروف الحالية، إن لم تكن أعظم من عملية طوفان الأقصى ومقاومتها في الحرب التي استمرت 16 شهراً مع الكيان، فهي بالتأكيد ليست أقل من ذلك.
0 تعليق