المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: أثارت المواقف الأخيرة للإدارة الأمريكية بشأن حرب أوكرانيا ردود فعل متباينة في العالم وأثارت دهشة الكثيرين.
حميد خوش آيند ـ خبير في الشؤون الدولية
في الأيام الأخيرة، بدأت إدارة ترامب بتصريحات وإجراءات “متعددة الأوجه” وأحياناً “متناقضة” بشأن الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي أثار غضب أوروبا وحكومة زيلينسكي. في هذا الصدد، هناك نقاط جديرة بالاهتمام، نتناول أهمها فيما يلي:
1/ بادرت الإدارة الأمريكية بشكل “أحادي الجانب” إلى إجراء مفاوضات بشأن وقف الحرب مع روسيا من خلال الإتصال ببوتين. حتى أن بعض المصادر أفادت بأن فريقاً من البيت الأبيض، سافر إلى موسكو للتباحث مع المسؤولين الروس، دون علم أوكرانيا. وبعد حديثه مع بوتين، أشار ترامب، من خلال نهجه “المتمحور على التعامل” إلى أن المناطق الأوكرانية الذي استولت عليها روسيا، يجب أن تكون تحت سيطرة الروس لأنهم تكبدوا خسائر كبيرة للاستيلاء على تلك المناطق.
2/ جعل البيت الأبيض استمرار دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا في حربها مع روسيا مشروطاً بشروط تكاد تكون خارج نطاق قدرة أوكرانيا، ولا يمكن تنفيذها بسهولة، إلا إذا أصبحت أوكرانيا بشكل غير رسمي “مستعمرة” أو جزءاً من الكيان السياسي الأمريكي. وقد صرحت إدارة ترامب في هذا السياق بأن “الولايات المتحدة قدمت أكثر من 300 مليار دولار كمساعدات لأوكرانيا في أشكال مختلفة، ومن الحماقة أن تستمر واشنطن في تقديم الدعم مالياً لكييف دون الحصول على شيء مقابل ذلك”.
في هذا السياق، ادعى ترامب أنه مقابل دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، يجب أن تتمتع الولايات المتحدة بالقدرة على الوصول إلى الموارد والمعادن “الفلزات النادرة” في أوكرانيا التي تحتوي على احتياطي كبير من التيتانيوم والليثيوم والغرافيت، والتي تقدر قيمتها الاقتصادية بحوالي 500 مليار دولار.
كما اقترح وزير الخزانة الأمريكية في لقاء له مع زيلينسكي خلال زيارته إلى كييف، أن تحصل الولايات المتحدة على 50% من أسهم المعادن النادرة في أوكرانيا كتعويض عن المساعدات العسكرية والمالية التي قدمتها إلى كييف خلال الحرب مع روسيا.
وبالنظر إلى اقتراحات البيت الأبيض، فإن الحكومة الأوكرانية مضطرة أولاً للامتثال لكل ما تطلبه إدارة ترامب، وثانياً، مع التحرك الذي نشأ بين الولايات المتحدة وروسيا بمبادرة من ترامب في هذا الشأن، يجب عليها التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن وفقاً للشروط التي أعلنها ترامب.
3/ في المسار الذي بدأته إدارة ترامب لوقف الحرب في أوكرانيا، لم يتم الأخذ بعين الاعتبار سوى مصالح الولايات المتحدة، ولم يتم إيلاء أي اهتمام لمصالح وأمن واعتبارات الدول الأوروبية. في حين أن رحى الحرب تدور داخل الجغرافيا السياسية والأمنية لأوروبا، في الواقع، تعتبر أوروبا جزءاً لا يتجزأ من الحرب في أوكرانيا، وقد تحملت في هذه السنوات من جراء ذلك تكاليف كبيرة على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والأمنية وحتى الاجتماعية.
وقد أدى هذا الأمر، كما يتضح من مواقف المسؤولين الأوروبيين، إلى تفاقم مخاوف الحكومات الأوروبية، وإذا استمرت مبادرة ترامب لإنهاء الحرب، فإنها ستؤدي بالتأكيد إلى تصعيد “التوتر” في العلاقات بين بروكسل وواشنطن.
من وجهة نظر أوروبا، فإن المسار الذي بدأه ترامب هو تحقيق سلام تدفع “ثمنه” أوروبا، حيث قدمت الى الآن أكثر من 80 مليار يورو كمساعدات اقتصادية لأوكرانيا في الحرب ضد روسيا، وله وجهان محددان؛ الأول: أن الولايات المتحدة ستحصل على “الموارد المعدنية والأصول الجيواقتصادية” لأوكرانيا. الوجه الثاني: سيتم تثبيت وضمان “هيمنة روسيا على أجزاء من أراضي أوكرانيا”.
4/ إذا أسفرت تحركات ومشاورات الإدارة الأمريكية عن نتائج، فإن الطرف “الخاسر” في النهاية هو أوكرانيا بالإضافة إلى أوروبا. ففي الحرب التي بدأت بالدرجة الأولى بإرادة الأمريكيين وفي إطار سياسة توسيع الناتو نحو الشرق وإبقاء روسيا منشغلة، تكبدت أوكرانيا خسائر مباشرة تجاوزت الـ 200 مليار دولار. هذا بالإضافة إلى 290 ألف قتيل وأكثر من 800 ألف جريح وتدمير أجزاء مهمة من البنى التحتية لأوكرانيا. في الواقع، أصبحت أوكرانيا، بإرادتها أو رغماً عنها، ضحية لـ “سياسة صنع الأزمات” الأمريكية.
فقد تقلص اقتصاد أوكرانيا اليوم بمقدار يزيد على الثلثين مقارنة مع ما كان عليه قبل بدء الحرب. وعلى الرغم من هذه التداعيات والأضرار الجسيمة التي فرضت في الأصل على أوكرانيا بسبب استراتيجيات الولايات المتحدة، تسعى واشنطن اليوم، وبنهج متحيز، إلى فرض السلام على أوكرانيا، وأكثر من ذلك “ابتزازها” في شكل حصولها على تعويضات من كييف.
5/ على الأقل بالنسبة لأولئك الذين يعرفون سياسة الولايات المتحدة، فإن تصريحات وخطط إدارة ترامب بشأن حرب أوكرانيا ليست غريبة أو جديدة. إن “جوهر” السياسة والسلطة في الولايات المتحدة مبنياً على فرضية أنها تعطي “قيمة” لمصالحها الوطنية فقط وتضحي بالجميع من أجل ذلك، ولا تولي اهتماماً لمصالح الآخرين.
كما أن أوكرانيا أصبحت أيضاً ضحية “الثقة” في الولايات المتحدة. والظروف التي تواجهها اليوم هي تجربة إكتسبتها بثمن باهظ. ولكنها تحمل درساً مهماً ومفيداً للدول الأخرى، خاصة في المنطقة والعالم الإسلامي، وكذلك للدول الأوروبية. إن اللعب في ملعب الولايات المتحدة أو إتباع سياسات البيت الأبيض، سواء كان الجمهوريون أو الديمقراطيون في السلطة، لن يؤدي إلى نتيجة مختلفة. الحرب التي بدأت في عهد بايدن في إطار المصالح الدولية للولايات المتحدة يجب أن تنتهي الآن، في عهد ترامب، بما يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة.
0 تعليق