المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: نظام بشار الأسد كان واحداً من حلفاء جبهة المقاومة الإسلامية، وسقوطه يشكل تحدياً لهذه الجبهة، وهذا أمر يستحق الاهتمام، إلا أن وقوع مثل هذا الحدث ولأسباب مختلفة، لا يعتبر أبداً "هزيمة" لجبهة المقاومة في المنطقة.
حميد خوش آيند ـ خبير في القضايا الإقليمية
فيما يتعلق بتأثير التطورات الأخيرة في سوريا على جبهة المقاومة، هناك نقاط جديرة بالاهتمام، أهمها فيما يلي:
1 – لا تزال الأوساط الإعلامية والسياسية في الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي تسعى الى إلقاء هذا الانطباع بأن سقوط نظام بشار الأسد أظهر أن وجود إيران وما أنفقته في سوريا لم يكن ذا جدوى. لكن الحقيقة هي أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست نادمة على الإطلاق على تواجدها في سوريا والتكاليف التي تحملتها في مواجهة داعش.
ينبغي تقييم تواجد إيران وما أنفقته في سوريا وفقاً لـ “المتطلبات” و”الضرورات” التي نشأت وفي الوقت المناسب. فالتواجد الإيراني في سوريا كان يهدف في الأساس إلى القضاء على داعش، وكانت نتائجه مرضية.
ولو لم تكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد تدخلت في سوريا في ذلك الوقت ولم تقف في وجه داعش، لكان عليها اليوم أن تقاتل داعش بتكاليف مضاعفة عشرات المرات داخل البلاد وفي محيطها.
2 – أولئك الذين يتحدثون عن ضعف المقاومة الإسلامية مع سقوط بشار الأسد، فإن افتراضاتهم الذهنية تتركز أكثر على حزب الله والمقاومة الفلسطينية.
أولاً؛ في هذا السياق، رغم أن سقوط نظام بشار الأسد، سيؤدي إلى صعوبات أكثر في طرق الدعم البري لحزب الله، لكنه في الأساس لن يؤثر على بقاءه وقدرته. فقد وصل الحزب إلى مرحلة “الاكتفاء الذاتي” من حيث امتلاك البنية التحتية العسكرية وإنتاج كميات كبيرة من الأسلحة الصاروخية والطائرات المسيّرة ذات المدى المتنوع.
وعندما يؤكد “عاموس يدلين” الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية في الكيان الإسرائيلي، بأن حزب الله يمتلك قدرات عسكرية ضخمة، ولديه ترسانة من الصواريخ تفوق ترسانات الدول الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا، فهذا مهم جداً. مما لا شك فيه أن هذا الحجم من القدرات العسكرية لم يكن فقط نتيجة النقل عبر سوريا.
فقد وصل حزب الله وحتى المقاومة الفلسطينية إلى مرحلة من «المعرفة والتقنية» التي تمكنهما من إنتاج وامتلاك الأسلحة اللازمة. جاء في تقرير نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية: “في المعركة التي استمرت عاماً مضى، تمكن حزب الله والمقاومة الفلسطينية من الوصول الى علوم الهندسة العكسية ويقومان بإنتاج بعض الأسلحة الإسرائيلية، بما في ذلك نسخة معدلة عكسياً من صاروخ سبايك المتطور المضاد للدبابات!”.
ثانياً؛ على الرغم من أن المقاومة في الماضي وفي ظروف معينة كان يتم تعريفها على أساس الأرض والسلاح، إلا أنه حالياً لا يوجد مثل هذا النهج تجاه المقاومة. فالمقاومة تشمل نطاقاً واسعاً وتغطي أبعاد وجوانب مختلفة من المقاومة السياسية والدولية والقانونية وغيرها.
منذ نشأتها لم تعتمد المقاومة الإسلامية على أشخاص أو حكومات أو جغرافيا معينة لتحديد مصيرها وبقائها. لأنها لو كانت تُعرّف نفسها كأداة صلبة وترتكز على أشخاص وحكومات، لكانت قد انقرضت منذ سنوات.
المقاومة الإسلامية تقوم بشكل أساسي على أيديولوجية وفكر وإيمان عميق وشامل وخطاب يعتمد بالأساس على دعم غير حكومي وفي ظروف غير متكافئة، ولا تزول بتغير الحكومات.
ثالثاً؛ التغيرات السياسية في سوريا وسقوط نظام بشار الأسد لا يمكن أن تكون بمفردها معياراً لتقييم أداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية في جبهة المقاومة الإسلامية. فالحكومة السورية لم تكن سوى واحدة من “الأركان” التي كان لها دور الدعم اللوجستي للمقاومة في لبنان.
في المقابل، يعتبر الوضع الذي طرأ في سوريا أيضاً “غير مستقر”، ولا يوجد حتى الآن تحليل وتقييم دقيق لمستقبل التطورات الحالية. ما هو واضح هو أن سوريا تعيش اليوم ظروفاً مختلفة تماماً عن سوريا الأمس. منذ الاستقلال وحتى الآن، لم تتعرض سوريا لمثل هذا الهجوم والإذلال من قبل الكيان الصهيوني وأحد دول المنطقة.
التفاؤل الذي يشعر به الكيان الصهيوني تجاه ما حدث في سوريا، والذي هو في الواقع أحد “المصممين الرئيسيين” لذلك، سيؤدي على المدى الطويل إلى “نتائج عكسية”. ولا يمكن للمجتمع والرأي العام السوري أن يتحمل الى الأبد تدمير القدرة العسكرية واحتلال الكيان الصهيوني لأكثر من 450 كيلومتراً مربعاً من أرضهم. ومن المؤكد أنه في المستقبل غير البعيد، سيقف المجتمع السوري ونخبه ومجموعاته السياسية المختلفة بوجه الكيان الإسرائيلي.
رابعاً؛ جبهة المقاومة هي «جبهة» كبيرة تضم “أركان” وجوانب متنوعة ومختلفة. كما ينبغي دراسة إنجازاتها في فلسطين ولبنان واليمن وغيرها من المناطق. على سبيل المثال، خلال العام الماضي، لم تتمكن الحرب الطويلة والأكثر تكلفة واللاإنسانية وغير المتكافئة التي شنها الكيان الصهيوني من كسر شوكة المقاومة في لبنان وغزة وإجبارهما على الاستسلام. وفي ظل الظروف التي قدمت فيها الولايات المتحدة للكيان الصهيوني مساعدات عسكرية واقتصادية تزيد قيمتها عن 25 مليار دولار و 125 ألف طن من الأسلحة والقنابل لتدمير حماس والجهاد الإسلامي.
رغم هذه المساعدات العسكرية والدعم الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي والقانوني الذي قدمه الغرب للكيان الإسرائيلي، يواجه هذا الكيان اليوم أبعاداً وتحديات وأشكال جديدة من التهديدات الوجودية التي لم يسبق لها مثيل، وذلك نتيجة طوفان الأقصى والأعمال المناهضة للصهيونية لجبهة المقاومة.
على أية حال، نشأت جبهة المقاومة الإسلامية في ظروف صعبة، ونمت في ظل عقوبات وضغوط سياسية، وحققت الاقتدار والقوة في ظل ظروف قاسية، وستستمر في نموها المتزايد.
0 تعليق